فإن جنى جان على المدبر والحال هذه وقطع يده بعد موت مدبره البائع لم تجب على الجاني إلا دية عبد قبل حكم الحاكم؛ لأنه باق في الرق ما لم يحكم الحاكم بحريته، ولا يكون حكمه حكم المملوك إلا في باب جناياته والجنايات عليه، فإن كان قد ملك مالاً أو مملوكاً يعتق عليه والحال هذه ثم حكم الحاكم بعتقه وأن بيعه غير صحيح، إنه إن كان ما ملك باق في يده إلى أن حكم الحاكم بعتقه فهو له ويعتق من كان ملكه ممن يعتق عليه وإن لم يكن باقياً في يده، فما كان تصرف فيه بإذن سيده وإذن من له الولاية عليه فهو نافذ، وما كان من غير إذن فحكمه حكم ما يفعله العبد غير المأذون له؛ لأنه مملوك ما لم يحكم الحاكم بعتقه.
وإذا باع المدبر عبده المدبر لدينه ولما فرغ من البيع حصل له مال سواه أو أبراه صاحب الدين، إنه لا يجب عليهأن يستقيل من صاحبه ولا يشتري عبداً مكانه؛ لأنه باعه في حال يجوز له بيعه ولا حرج عليه في ذلك، وكذلك إذا أبراه صاحب الدين بعد البيع، وإنما يستحب له أن يستقيل إن أمكنه أو يشتري مكانه آخراً استحباباً لا وجوباً.(1/311)


وإذا باع السيد عبده المدبر على الوجه الذي يصح بيعه ثم ملكه بعد ذلك إما ميراثاً أو بعقد من شراء أو هبة أو صدقة أو نذر أو إقالة أو غيره أو لأمر يوجب فسخ عقده نحو أن يرده عليه لخيار الرؤية أو الشرط أو العيب أو فقد صفة أو خيانة أو إفلاس أو فساد عقد ونحو ذلك، إن ما كان فسخاً للعقد نحو الرد بالعيب وغيره فإنه إذا انفسخ لثبوت وجه يوجب فسخه فإن حكم التدبير باقٍ، وإن لم يكن فسخاً للعقد وكان عودة إلى الأول لأجل الميراث أو بعقد ثانٍ فإنه لا يعود مدبراً.
وإذا باع المدبر الجارية المدبره واستولدها المشتري وعلم بأنها مدبره وكان رأيه جواز البيع ثم رافعه المدبر إلى الحاكم وفسخ الحاكم البيع، إنه في الحال التي يجوز للمدبر بيع المدبر للضرورة يجوز له أن يلزم المشتري قيمة الأولاد وفي غير ذلك ليس له أن يلزمه شيئاً؛ لأن نسبهم لاحق بالمستولد لأجل الشبهة وهي اعتقاده لجواز بيع المدبرة وجهله بأنها مدبرة.
(ح) يعني أن المولى إن كان عند ما حكم الحاكم ممن يجوز له بيع المدبر فيجوز له أخذ قيمة الأولاد من المشتري وإلا لم يجز له ذلك ولا شيء له من قيمتهم.
(ص) فإن باعها غير المدبر واستولدها المشتري والمشتري غير عالم بحالها فاستحقها مولاها فإنه لا يحكم لمولاها على المشتري بشيء إلا في الحال التي يجوز له بيع الأم، وهذا بخلاف أولاد أم الولد فإنه ليس لمولاها بيع أولادها بحال، وإنما يكون حكم أولادها حكمها في أنه إذا جنى عليهم جناية كان الأرش لمولاها.(1/312)


وأولاد المدبرة إذا مات سيدها يعتقون بعتقها؛ لأن ولد المدبرة مدبر، فإن ماتت المدبرة قبل موت سيدها ولها أولاد حصلوا بعد التدبير فإنهم يعتقون بعد موت السيد؛ لأن حكمهم حكم الأم في التدبير، فإن ولدوا قبل التدبير لم يعتقوا، لأن الولادة حصلت والأم باقية في الرق ولهذا فإنه يجوز بيعها قبل مضي الوقت لغير ضرورة، وجناياتها والجنايات عليها وسائر الأمور على سواء،
والفرق بين أن يقول لأمته هي حرة قبل موته بساعة أو بعد موته بساعة ظاهر لأنه إذا قال: هي حرة قبل موتي بساعة ثم مات فإنها تعتق ويكون حكمها حكم المدبرة إذا كان عليه دين يستغرق ماله أو كانت أكثر من الثلث، لأنه عتق مشروط، وقد حصل الشرط في وقت وهي باقية في ملك المعتق فيجب أن يقع المشروط، بخلاف ما إذا قال: هي حرة بعد موتي بساعة فإنها لا تكون مدبرة؛ لأنها حالة وقوع الشرط خارجة عن ملك الميت فلا يقع المشروط.
ومن دبر جاريته فولدت بعد التدبير أولاداً من غير سيدها ثم باعها للضرورة واستغنى بثمنها، فإن حكم الأولاد باق على التدبير؛ لأنها بولادتها لهم دخلوا في حكم التدبير، والحاجة تجيز بيع ما لا غنى عنه من المدبرين، فإذا زالت الحاجة بقى حكم التدبير على حاله فيمن عدا من مست الحاجة إليه.(1/313)


كتاب الأيمان والكفارات والنذور
من كتب لفظ اليمين إلى غيره، إن الكتابة تتعلق بها أحكام شرعية بحيث إن لم يفعل ما حلف عليه، فإن تأول بتقطيع الحروف وتبديلها في ضميره لم يحنث وإلا حنث.
وصورة تقطيعها أن يكتب حرفاً ثم يتكلم في غير ذلك الباب، ثم يضيف حرفاً آخر ثم يفعل كذلك فإنه لا يحنث والحال هذه.
وتبديلها أن تستوي الصورة في الحرفين فيسوي الحرف المعجم مكان الذي ليس بمعجم؛ لأن الله تعالى جمع بين اللفظ والكتابة في الحكم فقال تعالى: ?وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَاب وَّلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ?[العنكبوت:48] فجعل حكمهما واحد.
ومن حلف بطلاق امرأته إن دخلت الدار ثم دخلت الدار بغير أمره حنث إن كانت يمينه مبهمة وإن كانت له نية عملت نيته.
ومن حلف عند الغيظ بصوم سنتين وحنث، إنه لا فرق بينه وبين من حلف عند الرضا.
وفي قوم تعاهدوا بينهم على أمر، إنه إن جعل على نفسه فيها عتقاً أو نذراً لزمه ذلك وإن لم يجعل فالأصل براءة الذمة.
ومن حلف بالبيعة وهو لا يعرف البيعة فعليه كفارة يمين إلا أن يكون نطق بشروطها كان عليه ما شرط.
ومن حلّفه الإمام أو نائبه بالصوم مطلقاً كان محمولاً على ثلاثة أيام لأنه بدل اليمين بالله تعالى، فإن حلّفه سائر الناس كان صوم يوم إلا أن ينوي أو يعين أكثر من ذلك.
(ح) والاعتبار بذلك بنية الحالف دون المحلف؛ [لأن نية المحلف] بعدد الأيام لا تلزمه.(1/314)


(ص) ومن قال: حرم الله عليّ هذا الطعام تاب ولم يلزمه شيء؛ لأنه إن أخبر بذلك فهو كاذب وإن كان أمراً فلا يأمر من فوقه على وجه الاستعلاء.
ومن قال: عزّ الله أو علم الله لا فعلت كذا أو لا فعلته ثم خالف، فلا كفارة عليه، ولا ينبغي أن يفرط في القسم بذلك لأن ذكر الله تعالى له حرمة على أي صورة كان.
ومن حلف لا أستخدم هذا العبد فخدمه من غير أمره لم يحنث؛ لأن الإستخدام هو الأمر بالخدمة سواء كان عبده أو عبد غيره.
ومن حلف أن لا يتسرى ثم وطئ أمته متمكناً في بيت وداوم ذلك فقد تسراها سواء عزل أم لا، فإن كان مخاتلة فليس بتسر.
ومن حلف أن لا يكلم فلاناً حيناً أو زماناً إنه لا يحنث بعد ستة أشهر. [بناء على أن الحين ستة أشهر].
ومن حلَّفه غيره بصيام فقال: نعم، إنه إن قال نعم في مقابلة اليمين والتزامه لها لزمه ذلك.
وفي رجل حلف لا قضى لآخر حاجة لا عند سلطان ولا غيره، فأخذ السلطان للمحلوف عليه بعيراً، فوهب صاحب البعير بعيره لولده وقبله، ثم تشفع الحالف في رد البعير إلى ولده، إن الحالف لا يحنث؛ لأنه حلف لا قضى للمذكور حاجة وولده غيره.
ومن حلف على جماعة وهم فوق الثلاثة لا برحوا حتى يضيفهم ثم ذهب واحد منهم قبل أن يضيفه وأضاف الباقين فإنه لا يحنث، فإن كانوا ثلاثة أو اثنين فإنه يحنث.(1/315)

63 / 97
ع
En
A+
A-