باب الكتابة
وإذا كان لرجل أربع جوار وكاتبهن وأدين نصف الكتابة ثم مات السيد والكتابة باقية، فإن وفين مال الكتابة عتقن وإن عجزن رددن في الرق لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولا فرق بين أن يكون عليه دين أو لا يكون إلا أن تكون الكتابة وقعت بأقل من القيمة محاباة وصح ذلك فله حكم ثانٍ.
وإذا كان عبد بين ثلاثة رجال فكاتبه كل واحد منهم على الإنفراد لنفسه بغير رأي شريكه والكتابات مختلفة المقادير والأنواع ولم يدر من المتقدم منهم، إنه يجب عليه لكل واحد منهم ثلث ما كاتبه عليه ولا فرق [في ذلك] بين أن يعلم المتقدم منهم أو المتأخر؛ لأن كتابة الشريك عن شريكه تفتقر إلى الإجازة وكتابة كل واحد منهم بنفسه عقد مستقل بنفسه فيثبت في نصيبه دون نصيب غيره لأن المكتابة بيع على وجه، فإن قبض أحدهم ما كاتبه عليه فإنه يجب عليه رد ثلثي ما قبضه إلى المكاتب لأنه لا يجب عليه له إلا نصيبه لا غير ونصيبه هو الثلث.
ومن كاتب عبده كتابة فاسدة لا باطلة بحيث يملك (في نظائرها البيع) إذا اتصل به القبض ثم إذا ما كوتب عليه كانت هذه الكتابة في حكم الصحيحة ولا يملك المكاتب له المرافعة له بعد أداء ما كوتب عليه وما فضل عن أمواله التي اكتسبها فهي له وتثبت عقوده وهباته ويرث ويورث وتلزمه سائر الواجبات، ولا فرق بين الكتابة الصحيحة والفاسدة في هذه الأحكام إلا في حكم واحد، وهو: أن للمكاتب أن يرافعه إلى الحاكم قبل إيفاء مال الكتابة وقبل انقضاء المدة وإلا فمع ترك المرافعة لا فرق بينهما في هذه الأحكام.(1/301)
فإن رافعه السيد قبل أداء مال الكتابة وفسخ الحاكم الكتابة فإنه يرجع في الرق وتكون عقوده موقوفة على الإجازة وجناياته والجناية عليه حكمه فيها حكم المماليك، وما كان قد اكتسبه فهو لسيده؛ لأن العبد لا يملك وإن مُلِكْ.
وإذا كانت الكتابة صحيحة ثم أدى المكاتب شطراً منها ثم ورث بقدر ذلك أو جنى عليه جناية ثم رجع في الرق فإنه يبطل ميراثه وجنايته، فإن كان قد قبض ذلك وجب رد الميراث إلى الورثة ووجب رد الأرش الزائد على أرش العبد إلى الجاني ولا يجب لسيده شيء من ذلك وله المطالبة قبل العجز وقبل الرد في الرق وقبل أداء بعض مال الكتابة بقدر الجناية بقدر ما أداه ومن الميراث بقدره فإن رد في الرق فالحكم ما ذكرنا.
وإذا وقعت الكتابة على عروض فالكتابة باطلة لأن العروض لا تثبت في الذمة، وإذا وقعت على شيء من المتماثلات ثم استحق وجب عليه مثله ولا يرد في الرق ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد دخل ما وقعت عليه الكتابة فيما استحق من ملك المكاتب أم لا في أنه يلزمه مثله دون القيمة ولا يرد في الرق [إلا أن يعجز وإذا وقعت الكتابة على مال] إلا أن يعجز.
وإذا وقعت الكتابة على مال وجهل قدره أو جنسه أو نوعه بطلت الكتابة لجهالة الثمن، لأن جهالة الثمن توجب فساد البيع والكتابة بيع على وجه، والكتابة معرضة للفسخ.
فأما إن عدم فإنه تجب قيمته إن كان مقوماً أو مثله إن وجد وجد الطلب في تحصيله البريد وكذلك في طلب كفارة الظهار والقتل ونظير ذلك.(1/302)
وإذا كاتب العبد سيده وأدى نصف ما كوتب عليه ثم مات سيده وفي ورثته من يعتق عليه إنه يجب على المكاتب أن يؤدي بقية مال الكتابة إلا مقدار نصيب من يعتق عليه ولا يعتق إلا بالأداء، ولا يجب على من يعتق عليه شيء لسائر الورثة، فإن عجز عن أداء بقية مال الكتابة فإنه يعتق، وتجب عليه السعاية لسائر الورثة في قيمته إلا مقدار نصيب من يعتق عليه، ولا يلزم من يعتق عليه شيء لأنه لم يستهلكه لأن ملكه للشقص فيه حصل من جهة غيره فلا يكون مستهلكاً له.
(ح) وجه المسألة هو أن المكاتب إذا كان متمكناً من أداء مال الكتابة فإن حق الورثة لم يتعلق بنفس العبد فلم يستحقوا الإرث فيه فلا يعتق وإنما يعتق بمال الكتابة فإن عجز عن الأداء فقد تعلق حقهم بنفسه فيستحقون الإرث فيعتق بنصيب الوارث.
(ص) فإن كان على السيد دين يستغرق جميع ملكه فإنه يجب عليه أن يؤدي جميع ما بقي من الكتابة إلى أهل الدين، وإن عجزوا رد في الرق وكان لأهل الدين بيعه ولا يعتق لأن حق الدين متقدم على حق الورثة.
فإن كاتبه على مال مؤجلٍ ثم مات السيده وعليه دين حاضر فإن الكتابة لا تبطل ويبطل أجل الكتابة إن كانت مدة طويلة ويؤجل الحاكم المكاتب على قدر ما يراه من الصلاح لأن الحقوق المتعلقة بالميت تتضيق بموته.(1/303)
فإن كان الدين مختلفاً في وجوبه ثم عجز العبد نفسه وبيع بدين الغرماء، فلما قبضه المشتري علم ذلك، ومذهبه أن الدين لا يجب وأن العبد قد عتق لأجل الميراث، إن الدين إذا كان مختلفاً فيه وكان الحاكم قد حكم بوجوبه ثبت الدين وصح بيع العبد ولم يعتق، وإن كان بغير حكم الحاكم وكان مذهب المشتري أنه غير واجب على الميت فإن البيع ينتقض ويعتق العبد ويسعى لسائر الورثة في قيمته إلا مقدار نصيب من يعتق عليه.
ومتى كاتب عبده في حال مرضه بأقل من القيمة وأدى ما كوتب عليه ثم مات السيد وعليه دين مستغرق فإن المكاتب يعتق ويسعى لأهل الدين فيما نقص من القيمة، وإذا كان العبد المكاتب يعتق على جميع الورثة وعلى سيده دين مستغرق جميع أملاكه لبعض الورثة والدين مجمع عليه فإنه لا يعتق إلا بالأداء، لأن حق الدين متقدم على حق الورثة.
[(ح) وجه المسألة ما تقدم في المسألة المتقدمة].(1/304)
باب التدبير
وإذا كان عبد بين ثلاثة فدبروه جميعاً كل واحد على الإنفراد ولم يعلم أولهم تدبيراً ومات أحدهم إنه لا يعتق إلا بموت الجميع لأن كل واحد منهم له أن يدبر نصيبه، فإن احتاج أحد الباقين لم يبع نصيبه من ضرورة ولزم العبد (السعاية له) في نصيبه ولا يلزم ورثة شريكه شيء سواء كانوا معسرين أو موسرين.
(ح) (قوله: لا يعتق إلا بموت الجميع)، والوجه في ذلك أن عتقه يعلق بما أوجبه له الأول من التدبير دون ما أوجبه الآخران، فإذا التبس الأول بالآخر وقد استوجب سبب الحرية وجب أن لا يعتق إلا بيقين واليقين إنما يحصل بموت الجميع.
وكذلك صرح في (التحرير) أنَّ ما فعله الأول فهو النافذ دون ما فعله الآخران.
[وقوله: فإن احتاج أحد الباقين لم يبع نصيبه فظاهر]؛ لأنه قد تعلق به حق الحرية، والمحتاج لا يعلم هل هو المدبر أم غيره من الميت والحي فلم يجز له بيعه بحال ولكن يسعى العبد في نصيب المحتاج؛ لأنه لا وجه لإلزام الورثة لدفع قيمة نصيبه، ونحن لا نعلم هل مورثهم هذا المدبر أولا أم لا، فلم يبق (إلا بأمر المدبر) بالسعاية في نصيب المحتاج، فعلى هذا لو احتاجوا جميعاً جاز لهم بيعه، ولو احتاج واحد أو اثنان لم يجز بيعه ولا يلزم أحداً منهم لصاحبه شيء [لأنه لا يلزمه لهما شيء] إلا وله عليهما مثل ما يلزم لهما [والله أعلم].(1/305)