وإذا علق العتق بحدوث حادث بلفظ التخيير نحو أن يقول: إن وطئت واحدة منكن فواحد من عبيدي حر أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة ثم وطئ واحدة من نسائه فإنه لا يعتق إلا عبد واحد، وله أن يوقعه على أيهم أراد، وكذلك إذا قال إن وطئ واحدة من نسائه أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً فعبده حر وله عبدٌ واحد، إنه إذا وطئ واحدة من نسائه عتق العبد لأنه عتق مشروط بوطئ واحدة أو اثنتين أو ثلاث، فإذا وطئ واحدة فقد وقع الشرط فيجب أن يقع المشروط وهو العتق ولا تأثير للفظ التخيير في عتق العبد.
وإذا وقع العتق بلفظ مجمل يحتمل الخصوص والعموم وعلقه بحدوث حادث والتبس عليه ذلك على وجه تمكن رفع اللبس كأن يقول: إن وطئت فلانة من نسائي فعبدي حر والتبس عليه أيتهن علق العتق بوطئها، ثم وطئ واحدة منهن إنه لا يقع العتق إلا بوطئ نسائه جميعهن، فإذا وطئهن كلهن عتق عبد واحد لا غير ويصدق ويدين في القضاء إذا قال بعني واحداً بعينه؛ لأن الأصل ثبوت الملك فلا ينتفي الملك إلا بيقين وليس يقع يقين إلا بوطئ الكل.
قلنا: ولا يعتق إلا عبد واحد لأنه لم يعلق الشرط إلا بلفظ عبد واحد فلا يعتق سواه اللهم إلا أن يكون نوى جميع عبيده عملت نيته في ذلك لأن الأعمال بالنيات.(1/296)
وإذا كان لرجل أربعة عبيد وقال: إن قدم زيد فأحدهم حر، ثم أعاد الشرط ثانية وثالثة وهو معلق بقدوم زيد المعهود، ثم قدم زيد لم يجب إلا عتق واحد لا غير؛ لأن تكرار الشرط في الشيء الواحد لا يوجب إلا مشروطاً واحداً إذا لم يختلف المشروط ويكون تكراره تأكيداً لا غير، فإن جنى عليهم واحد بأن قتل الثاني بعد موت الأول، والثالث بعد موت الثاني، والرابع بعد موت الثالث فإنها تجب عليه دية كاملة وثلاث قيم لأن واحداً حر لا محاله فيجب عليه الدية والرق ثابت على الباقين.
(ح) وذلك لأنه قاتل لحر وثلاثة عبيد فلزمه قيمة العبيد ودية الحر، قال: ويسقط القصاص للشبهة.
(ص) وسواء كانت الجناية عمداً أو خطأ ولا يلزمه قود لأن الحدود معرضة للسقوط وقد اجتمع هاهنا ما يوجبه وما يسقطه فسقط، كما إذا اشترك صغير وكبير في قتل رجل فإنه يسقط القود عن الكبير كما في نظائره.
(ح) (وهو قول أبي حنيفة)، وعند العترة - عليهم السلام - يقتص من الكبير [ولا يسقط عنه القود].
(ص) ولا حكم للجناية على الثاني قبل موت الأول ولا على الثالث قبل موت الثاني (ولا على الرابع قبل موت الثالث) إذا ماتوا جميعاً، فإن لم يموتوا جميعاً وبقى واحدٌ منهم تعين العتق عليه، وإن بقى أكثر من ذلك كان الخيار للمالك في التعيين ويلزم الجاني قيمة من مات، فإن جنى على العبيد أربعة رجال والتبس من الجاني على الأول والثاني والثالث والرابع وأهل الجناية معروفون على الجملة والجنايات واقعة عمداً وجب على كل واحد منهم دفع دية وثلاثة أرباع قيمة.(1/297)
(ح) قال أيده الله: هذه الصورة صحيحة ظاهرة إذا اشتركوا في قتل كل واحد منهم (لأنهم قاتلون) لحر عمداً فلزم كل واحد منهم دية عند سقوط القصاص.
وأما عند انفراد كل واحد منهم بقتل واحد ففيه نظر، والأولى أن يلزم كل واحد منهم إذا التبس الحال ربع دية وثلاثة أرباع قيمة والله أعلم.
فإن كانت القيم مختلفة كان التخويل فيها.
وإذا كان لرجل أربع جوار ثم قال: إن قَدِمَ زيد فإحداكن حرة ثم قدم زيد فإنه لا يحرم عليه النظر إليهن ولا الوطئ لهن على سبيل الجملة ولا يتعين ذلك إلا في الرابعة، فإذا وطئ ثلاثاً تعين العتق في الرابعة وحرم عليه النظر إليها والوطئ لها، فإن وطئهن وعلقت كل واحدة منهن وادّعى الأولاد كلهم ولم يدر أيتهن كانت آخرهن إنه والحال هذه يلحق به نسب جميع الأولاد، وتكون الجميع في حكم أم الولد وليس له أن يطأ الرابعة بعد الوطئ الأول، فإن وطئها جاهلاً بالتحريم سقط عنه الحد للشبهة، وإن كان عالماً حُدّ، وكذلك حكم الرابعة في وجوب الحد عليها أيضاً فإن لم يستولدهن ولكن باعهن وعقد عليهن عقداً واحداً بطل البيع لاشتماله على ما يصح بيعه وما لا يصح فبطل البيع لجهالة تعيين الثمن وجهالة الثمن توجب بطلان البيع، فإن عقد عليهن عقداً بعد عقد صحت ثلاثة عقود وبطل العقد على الرابعة لأن العتق تعين عليها والحر لا يصح بيعه إجماعاً، فإن مات بعد وقوع الشرط فقد وجب المشروط فيعتق من عين عليها العتق سواء كان عليه دين يستغرق أو لا يستغرق أو لا دين عليه ولا مال له سواهن بخلاف ما لو مات قبل وقوع الشرط وفيه كلام وتفصيل لا يحتمله الوقت.(1/298)
ومن كان له ثلاثة عبيد فقال: من أخبرني عن كذا منكم فهو حر، فأخبره الثلاثة بذلك واحد بعد واحد عن علم عتقوا جميعاً لأن الخبر المشروط قد حصل، فإن أخبر أحدهم عن علم والثاني عن حدس والثالث عن ظن عتق المخبر عن العلم؛ لأن الخبر عبارة عما يدخله التصديق والتكذيب، والمقصود هاهنا اليقين على ما هو به وليس كذلك إذا علق الحرية بالبشارة فإنه لا يعتق إلا الأول إلا أن يكونوا بشروه في حالة واحدة عتقوا جميعاً، فإن أخبره أحدهم لفظاً والثاني كتابة والثالث إشارة فإن كان كل ذلك منهم صحيحاً عتقوا جميعاً لأن العلم يحصل بالكتابة والإشارة كما يحصل بالخبر لأن قصود المخاطبين مما يعلم بعضها اضطراراً ففيها معنى الخبر، فإن اعترضهم أو أحدهم جنون بحيث لا حكم لأفعاله وأخبره بذلك الخبر فإنه إن كان مخبره على ما هو به وقع العتق؛ لأن الخبر قد يحصل بقول المجنون كما يحصل بقول السليم.
وإذا وقع العتق مشروطاً بحادث يحدث يمكن تبعيضه وحدث بعد ذلك، كأن يقول لعبده: إن أكلت هذه الرمانة أو هذا الطعام أو شربت هذا الماء، فأكل أو شرب بعض ذلك إنه لا يعتق إلا بأكل جميع الرمانة في وقت واحد.
وأما في الماء والطعام فإنه إن كان مما يمكن استيعابه في مجرى العادة لم يعتق إلا بشرب جميع الماء وأكل جميع الطعام في وقت واحد، وإن كان مما لا يمكن استيعابه فإنه يعتق إذا شرب بعض الماء أو أكل بعض الطعام إلا أن تكون له نية عملت نيته؛ لأن الأعمال بالنيات.
ويفترق حكم التنكير والتعريف في الرمانة فإنه يعتق إذا أكل رمانة واحدة، وإذا أكل بعضها لم يعتق.(1/299)
وأما في الماء والطعام فإنه يعتق (عند شرب شيء) من الماء وأكل شيء من الطعام سواء كان قليلاً أو كثيراً.
[(ح) يعني سواءً كان ما أكل قليلاً أو كثيراً بعد أن كان المأكول مما لا يمكنه استيعابه في مجرى العادة].
(ص) وإذا علق الحكم بشروط مكررة بغير حرف عطف وأخر الجواب كأن يقول: إن قدم زيد، إن قدم عمروٌ وإن قدم عبد الله إنه يعتق لحدوث أيها حصل ولا يعتبر حدوثها جميعاً لأنه مشروط بشرطٍ قد حصل فيجب حصول المشروط ولا فرق بين تقديم الشرط وتأخيره في ذلك إلا أن تكون بينهما نية عملت النية في ذلك.
وإذا كرر الشروط بحرف عطف كأن يقول: أنت حر إن قدم زيد وعمرو وعبد الله، أو [تقول]: إن قدم زيد وعمرو وعبد الله فأنت حر ثم حصلت الشروط أو بعضها إنه لا يعتق إلا بقدوم الجميع، لأن الواو في اللغة معناها الجمع من غير ترتيب، فإن أخرجه عن ملكه ثم استعاد ملكه، ثم وقع شيء من هذه الشروط ثبت المشروط سواءً كان قد أخرجه عن ملكه ثم استعاده أم هو باق على ملكه.(1/300)