باب ذكر الغسل
(غسل النجاسة) تجب للصلاة لا للحدث، ونية الغسل في أوله، وتاركها سهواً يعيد في الوقت ولا يجب عليه الإعادة بعد مضيه، فإن تذكرها وقد بقي من البدن شيء لم يغسله ونوى أجزاه ولو قلّ.
[(ح) ومثله عن القاضي زيد].
(ص) فإن شك في النية بعد الفراغ من الغسل فلا حكم له، والغسل لا يجب إلا على من تيقن الجنابة، ومتى توارت الحشفة فقد التقى الختانان، فذكر ذلك تأكيداً ويجب عنده الغسل.
وإذا رأت المرأة الجماع في النوم وكملت اللذة بدفق الماء لزمها الغسل كالرجل، ومن اغتسل للجنابة لا غير أجزاه عن الجمعة والعيد.
وإذا وطئت الصغيرة وجب على زوجها منعها من مس المصحف والقراءة ودخول المسجد إلى أن تغتسل كالبالغة.
وفي جنب وحائض وميت معهم ما يكفي لأحدهم، إن الحائض إن كانت لا زوج لها فالميت أحق لتضيق فرضه، فإن تضيق وقت الجميع فالحائض أولى، فإن كان الماء لأحدهم لم يصح أن يبيحه لغيره، وإن كان لجملتهم لم يغتسل به أحد الحيين ولهما إباحته لغسل الميت.
ولا يجب أن يغسل كل واحد إلا حيث بلغ نصيبه؛ لأن غسل بعض جسده لا يزيل عنه حكم الجنب، فإن كان ملكاً لغيرهم وأباحه لواحدٍ منهم غير معين كان لمن سبق إليه، والمجنون إذا أفاق والكافر إذا أسلم لم يجب عليهما غسل الجنابة.
(ح) ومرَّ له: إن الكافر يغتسل إذا أسلم.
(ص) ومن احتلم ولم ينزل لم يجب عليه الاغتسال.
ومن وجد في ثوبه منياً ولم يذكر جنابة فلا غسل عليه؛ لأن المني قد يخرج لغير شهوة.
ويستحب للجنب غسل اليدين، والمضمضمة والإستنشاق للأكل والنوم.(1/26)


ويجب الغسل من التقاء الختانين وإن لم ينزل لحديث أزواج النبي - صلى الله عليه وآله - فإذا لم تبلغ يد المغتسل إلى بعض جسده أجرى الماء وأجزاه، وللجنب والحائض أن يسميا، ولهما أن يقرءا دون ثلاث آيات ويحملا المصحف بحمائله، ويعلقا التعاويذ التي فيها الآيات وكذلك الخاتم،.
إذا غسل الجنب بعض جسده دون سائره لعذر لم يجز له بعد الفراغ من الصلاة دخول المسجد ثانياً، ولا قراءة القرآن سواءً كان على وضوء أم لا.
وللمحدث مس المصحف، ومن اغتسل للسنة ثم ذكر أنه كان جنباً أعاد الغسل للجنابة.
وقال في موضع: إن نوى الإغتسال لصلاة الجمعة أو العيد أو أي صلاة أجزاه للجنابة.(1/27)


باب ذكر النجاسات وإزالتها
الدم الباقي بعد الذبح إن كان لا يسيل فلا حكم له، وإن كان سائلاً فإنه يكون نجساً بنفسه، فإذا زال لم يجب غسل مكانه، ولا يجب غسل اللحم من أثر الدم.
وإن خمد الدم بالإنضاج وجبت إماطته بعينه ولم ينجس ذلك القدر بمجاورته، وحكم الدم واحد سواءً كان من المعدة أو غيره في أن سائله نجس، وما لم يسل لا يكون نجساً.
ولا ينجس من القيء إلا ما نقض الوضوء؛ لأن تنجيسه شرعي ولم يرد الشرع إلا بتنجيس الذارع وهو ملء الفم، ولا يجب غسل الآثار إلا بالماء، فإن (غسل ما يقلع) الآثار مع الماء فحسن غير واجب.
وإذا نجست بقعة من المسجد نجست وحدها، فإن طين وكان طينه غليظ كالردم طهرت، وإن كان رقيقاً لم تطهر، وإن طين مراراً كثيرة في أوقات متراخية فلا تمتنع طهارته لأن للطين حكماً في التطهير على بعض الوجوه، كالماء لقول النبي - صلى الله عليه وآله -: ((الأرض يطهر بعضها بعضا)).
وإذا وقعت النجاسة في التراب والطين بحيث لا يظهر لها أثر لأجل الإختلاط حكم بطهارة التراب والطين وصار ذلك كما لو وقعت النجاسة في الماء الكثير بحيث لا يظهر لها أثر من لون ولا ريح ولا طعم لعلة أن التراب أحد المطهرين.
والقليل من الماء خارج من هذا الاعتبار للنص، والنص ورد في الماء، والتراب مقيس عليه في قوله - صلى الله عليه وآله -: ((الماء طهور المؤمن لا ينجسه إلا ما غير لونه أو ريحه أو طعمه)).
وقال - صلى الله عليه وآله -: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) فاتفقا في الاسم والحكم، واستمر القياس، وصحت العلة، وتماثل الحكم.(1/28)


فإن كانت الأرض المتنجسة صلبة أثيرت حتى تختلط الأجزاء بحيث لا تظهر للنجاسة عين ولا ريح فيبطل حكمها بهذا الاختلاط، والنجاسة في الطين القليل قليلها كقليل النجاسة في الماء القليل.
وتقدير القليل قلتين* كالماء؛ لأن التراب أحد المطهرين، فإن أصابت النجاسة نصف الأرض وجب تجنب تلك الأرض لاستواء الحظر والإباحة فيغلب الحظر، وإن أصابت دون النصف وجهله تحرى، فإن استوى الحال ولم يجد سواها صلى في مقدار الثلث على أنه لا نجاسة فيه.
ولكثرة أجزاء الأرض تأثير في خفة الحكم وكذلك قليل النجاسة بحيث لا يظهر لها ريح ولا لونٌ ولا طعمٌ بل تذهب في أثناء الأرض فإن حكم النجاسة يسقط؛ لأن الأرض أحد الطهورين.
ورطوبة أهل الذمة ليست بنجسة ما لم تمسهم النجاسات من الخمر وذبائحهم ما أشبه ذلك، وكذلك ذبائح المشبهة منهم؛ لأنها بمنزلة الميتة فتنجس رطوبتهم لمجاورة النجس لا للكفر؛ لأن الظاهر أن المسلمين كانوا لا يجتنبون سمون المشركين وألبانهم ويعلم ذلك من بحث الآثار ولأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنزل وفد الطائف المسجد وهو بعد الفتح، وأكل المسلمون رطوبات أهل خيبر يوم فتحها.(1/29)


وإذا ظهر المسلمون على دار الحرب حكم بطهارة ما فيها لما علم بأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أتى المدينة ونواضحهم تُسنى بجلود ذبائحهم وذبائح غيرهم من الكفار (وقوتهم وعروتهم وأبنيتهم) من الجلود، فما أمرهم بإبعاد شيء من ذلك ولا تبديله، بل طهرت حكماً بالإسلام، ومثل ذلك لا ينكر أن تنقلب عين النجس بالإسلام في الحال طاهرة كما نعلمه في الكافر لأنه نجس عند الهادي - عليه السلام - كالكلب والخنزير والميتة، فمتى نطق بالشهادتين انقلب طاهراً في الحال حكماً مع كون العين باقية، ورطوبة الصبي طاهرة ولعابه ما لم يعلم عليه نجاسة، ولا يجب غسل اليدين من الغسل بهما النجاسة، بل يطهران مع زوال النجاسة إلا أن تكونا نجستين أولاًّ، ويطهر الدم بزوال عين الدم وكل ما وقع فيه أيضاً مما يشبهه يطهر بزوال عينه.
والمطر يطهر الأرض ولا حاجة إلى السيول في ذلك، فإن بقي عين النجاسة مشاهداً فحكمه باقٍ وينجس ما قاربه دون ما عداه.
وينجس ما جاور خرطوم الكلب إذا خرج من صبره الثمر، وغسل الثوب يصح من الفاسق، وكل جديد يحكم بطهارته في دار الإسلام ما لم يتعين فيه النجس.
وإذا غسل الشيء المتنجس فوقع ماؤه على موضع صلب طهر ما وقع عليه ذلك الماء، فإن كان رخواً بحيث يستقر فيه الماء ولا ينشفه لم يطهر.
[وإذا وقع الماء على النجاسة وأزال عينها قام مقام غسلها].
والمني نجس من المتوضئ وغيره، فأما النبي - صلى الله عليه وآله - فلا يمتنع حكم الله سبحانه بتطهير مائه حياًّ وميتاً، كما جاز له دخول المسجد جنباً.(1/30)

6 / 97
ع
En
A+
A-