ومن كان عليه دين لله سبحانه وللمخلوقين ومعه شيء يسيرٌ لا بد له منه لكسوة أو نفقة لا يجد به عوضاً، إن الوجوب الأداء والحال هذه تختلف بكثرة الدين وقلته وسعة المصر وضيقه، فإن كان الدين كثيراً والذي في يده يسير وهو مفلسٌ جاز له الانتفاع باليسير لنفسه وولده، وكذلك إن كان مضطراً ضيق الحال قليل الاكتساب وكان معه القدر الذي إن قضى به دينه أدى إلى تلفه وتلف أهله أو الإجحاف بحالهم كان له أن يتمتع باليسير إلى أن يأتي الله سبحانه بالفرج مما نزل به، وإن كان معه اليسير وعليه من الدين اليسير فهو في حكم الغني وعليه القضاء وإن لحقه بعض الضرر لأن الحقوق لا يسقط عنه وجوبها بالاستضرار.
ومن طولب بدين عليه وليس معه إلا ما لا غنا به عنه كان الأمر موكولاً إلى رأي الحاكم، فإن رأى المصلحة في القضاء حكم عليه، وإن رأى أنه يدع لمن عليه الدين شيئاً فعل.
وإذا كان الدين مستغرقاً للتركة كان أولى من نفقة الأولاد الصغار ومؤنتهم ويتعين فرضهم على المسلمين أو على بيت المال، وإن كانت عليه ديون لمسجد فعمر فيه وحمل على دوابه لقضاء دينه ولم يعلم وجوب إذن الإمام إن ذلك يجزيه من طريق الحسبة.
[(ح) قوله: من طريق الحسبة إنما يجوز إذا لم يكن هناك إمام أو حاكم، فحينئذ تجزيه، فأما مع وجودهما فلا يسقط عنه الدين].
(ص) وإذا طلب صاحب الدين والمظلمة حقه لزم تسليمه إليه في كل مكان، فإن طلب من هو عليه تسليمه في موضع لا يتمكن صاحبه من حفظه لم يلزمه قبوله ولم يبرأ من عليه الدين بتسليمه.(1/291)


والمداينة بين المسلمين والحربيين تصح في زمن الهدنة، وتسقط الحقوق باختلاف الدارين سواء كان الدين للمسلم أو الكافر.
ومن كان كثير النسيان لزمه توقيع ما عليه وإلا كان آثماً إذا أمكنه ذلك ولم يفعله، والكافر الحربي إذا تاب وأسلم سقطت عنه حقوق الله تعالى وحقوق العباد، وإن كان ذمياً تسقط عنه ديون الله تعالى دون دين العباد، ويناصف الله تعالى بين بعض الكفار وبعض في القيامة ولا عوض لهم على النقم؛ لأنها بعض ما يستحقون.
وإذا شج أحد الصبيين الآخر ثم بلغا ولم يطالب المشجوج الشاج بالأرش لم يخل إما أن يعلم المشجوج بالشجة أو لا يعلم، فإن علم لم يخل إما أن يعلم أن لمطالبته تأثيراً أو لا يعلم، فإن كان عالماً بالشجة وعالماً بأن لمطالبته تأثيراً وسكت لم يجب على الشاج إلا توطين النفس على القضاء عند المطالبة والوصية بالأرش عند الموت، وإن كان غير عالم أو عالماً ولكن مثل الشاج لا يوفي المشجوج حقه وجب على الشاج أداء الأرش أو الخروج من عهدته.(1/292)


كتاب العتق
وإذا كان لرجل أربعة عبيد ثم أعتق واحداً منهم والتبس المعتق منهم عتقوا جميعاً للبس لأنه قد اجتمع حظر وإباحة والحظر أولى من الإباحة، ويجب على كل واحدٍ منهم أن يسعى في ثلاثة أرباع قيمته فإن اعترف باللبس من ادعى المعرفة بالتعيين بعد ذلك فإنه يصدق في القضاء، فإن كان عليه دين يستغرق جميع تركته مع قيمتهم عتقوا أيضاً باللبس وسعوا في ثلاثة أرباع قيمتهم لأرباب الديون ويكون الولاء للسيد.
وإذا وهب رجل عبده لآخر مدة حياته لم يصح من الموهوب له عتقه لأنه لا عتق إلا في ملك يمين ولم يملكه بهذه الهبة.
وفي عبد بين جماعة أعتقه واحد ودبَّره واحد وكاتبه واحد، إنه إن التبس المتقدم منهم نفذ العتق، فإن كان المدبر فقيراً أو مديناً كان له على المعتق قيمة نصيبه، وإن لم يكن بهذه الصفة كان على المعتق مقدار مدة حياة المعتق من الأجرة بما يخص نصيبه، وللمكاتب مقدار قسطه من القيمة، وإنما قلنا ذلك لقوة العتق.
(ح) وذكر أصحابنا أنه يجب على المعتق قيمة نصيب المدبر سواء كان المدبر موسراً أو معسراً؛ لأنه قد استهلكه عليه بالعتق.
(ص) وإذا قال نائب الإمام للجارية من بيت المال: يا حرة لم تكن حرة بذلك، وكذلك لو كانت له؛ لأنه نوى المدح.
[(ح) ونظير ذلك مذكور في (التحرير)].
(ص) وعتق العبد الفاسق لا أجر فيه إن لم يكن آثماً في عتقه؛ لأنه يكون تمكيناً من المعاصي لأن في استرقاقه إهانته وفي العتق تعظيمه، وكذلك الأمة الفاجرة لا يحل عتقها والحكم فيها أغلظ.(1/293)


وأما عتق الصغار فجائز وفيه الثواب إن كان لهم كافل أو يعتقهم ويكفلهم، فأما إن لم يكن لهم كافل فتركهم في الرق أولى.(1/294)


باب العتق المشروط
وإذا علق حرية عبده بحادث يحدث كأن يكون له أربع نسوة وعدة من العبيد، فقال لنسائه: كلما وطئت واحدة منكن فواحد من عبيدي حر، فإنه إذا وطئهن كلهن عتق عليه أربعة من عبيده لا غير، وإن وطئ واحدة عتق واحدٌ أو اثنتين فاثنان أو ثلاثاً فثلاثة وذلك لأنها عين واحدة لا يلزم بها إلا شيء واحد، ولفظة كل للتأكيد ويقتضي التكرار، فإذا كان له عدة عبيد وكرر وطئ نسائه لزم في التكرار في الواحدة والثنتين والثلاث والأربع، فإن علق ذلك بالشرط بأن يقول لنسائه وهنّ أربع: إن وطئت واحدة منكن فواحد من عبيدي حر وإن وطئت اثنتين فاثنان من عبيدي حران وإن وطئت ثلاثاً فثلاثة أحرار، وإن وطئت أربعاً فأربعة من عبيدي أحرار، فإنه إذا وطئهن كلهن عتق عليه عشرة من عبيده.
(ح) هذا إذا أطلق، فإن نوى في ذلك شيئاً فله ما نوى.
(ص) وذلك لأنّ هذه يمين مشروطة، وإذا وقع الشرط ثبت المشروط، وتكرار الشرط يوجب تكرار المشروط بخلاف الأيمان فإن تكرير اليمين في الشيء الواحد لا تجب به إلا كفارة واحدة.(1/295)

59 / 97
ع
En
A+
A-