كتاب الغصب
وفي صبي صغير تصرف في مال مغصوب ثم رده إلى الغاصب وتصرفه كان بأمره برئ الصغير بتسليمه إلى الغاصب وهو في ضمان الغاصب حتى يخرج من عهدته ولا فرق بين الصغير والكبير والغني والفقير في أنه يبرئ إذا رده إلى الغاصب إذ الأقوى عندي أن الضمان فيه لا يتكرر.
(ح) ومثله ذكر أبو العباس - رحمه الله - خلافاً لسائر أصحابنا عليهم السلام.
(ص) ومن كان معه قدح فيه دهن فسقط القدح على دقيق آخر، إن صاحب الدهن يملك الدقيق بالاستهلاك ولزمه لصاحب الدقيق غرامة دقيقه، فإن لم يسلم إليه العوض كان صاحب الدقيق أولى بدقيقه مزيتاً ولا شيء عليه.
ومن شك هل تصرف في المغصوب وهو صغير أو بالغ كان ضامناً لأنه يحتمل النفي والإثبات فالمثبت أولى.
[(ح) الأولى أن لا يضمن؛ لأن الأصل هو براءة الذمة، فبالشك والإحتمال لا تشغل الذمة إن كان شكه في التصرف فقط، وإن كان في الصغر والكبر فلا معنى لذلك؛ لأنه يضمن في الوجهين جميعاً.
ويمكن حمل المسألة على ظاهرها لأنه يعلم يقيناً بتصرف المغصوب ولكن شك هل هو كان صغيراً أو كبيراً، فقال - عليه السلام -: يكون ضامناً لأنه يحتمل النفي إن كان صغيراً أو الإثبات إن كان كبيراً، فإذا اجتمعا فالمثبت أولى].
(ص) ومن أطعم من طعام المسجد بغير ولاية لم يجز وضمن إلا أن لا يكون للمسجد والي، فإن أمره المتولي بالإطعام قبل أن يقبضه للمسجد جاز؛ لأن الأمر بالتصرف كالتوكيل بالقبض والتصرف معاً.(1/281)
وما يجب ضمانه يوم قبضه لا يوم تلفه سواء كان بجناية أو بغير جناية فذلك نحو المبيعات والأثمان في العقود الفاسدة والسلم الفاسد وما شاكل ذلك، وما يضمن يوم قبضه إذا تلف بغير جناية أو بجناية كان الخيار لصاحبه كالمغصوبات وما شاكلها.
وتحصيله أن المغصوب لا يخلو إما أن يكون تغير إلى زيادة أو إلى نقصان أو يكون على حاله، فإن تلف وهو على حاله فصاحبه بالخيار إن شاء ضمن الغاصب قيمته يوم التلف أو يوم القبض سواء كان تلفه بجناية أو بغير جناية، وإن كان قد تغير إلى زيادة فالزيادة عندنا في المغصوب غير مضمونة سواء كانت متصلة أو منفصلة إلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون التلف بجناية.
والثاني: أن تتقدم المطالبة من صاحبه ويمتنع الغاصب من الرد فيكون امتناعه جناية.
(ح) [قوله: إلا بشرطين]، معناه بأحد شرطين لأنه إذا أتلفه أعني الغاصب فسواءً تقدمت المطالبة من صاحبه أو لم تتقدم في أنه يضمن أوفى القيمتين.
(ص) وإن تغير إلى نقصان وتلف وجب على الغاصب قيمته يوم القبض سواءً كان تلفه بجناية أو بغير جناية.
والخلط في المتماثلات نقداً كان أو غيره لا يكون استهلاكاً إذا استويا في الجنس والنوع والصفة أو الصنعة، ويستوي في ذلك خلط الودائع وخلطها بماله وغيره، والقسمة إلى الخالط، فإن مات الخالط وحكم عليه بتسليمها جملة كانت القسمة إلى من يقوم مقامه من ولي إن مات وحاكم إن حكم بتسليمها.
[حاشية: ومثله ذكر في التحرير في الوديعة، ذكره السيدان رضي الله عنهما].(1/282)
ومن أخذ كفاً من طعامً مغصوب ثم ألقاه على ذلك الطعام لم يلزمه إلا ذلك القدر، وما استهلكه الغاصب من ذوات الأمثال فانقطع من أيدي الناس فالواجب قيمته يوم المطالبة لأنه تعين تأديته حينئذ.
[(ح) قال الأخوان رضي الله عنهما: فإن تعذر المثل لزمه قيمتة يوم الخصومة.
وذكر صاحب (الوافي) أنه يلزمه قيمته يوم الغصب، وعند الناصر للحق: يلزمه أكثر القيمتين على ما ذكره الشيخ أبو جعفر وعلى ما ذكره الأستاذ أبو يوسف قيمته يوم الغصب إلى يوم الاستهلاك، وعند محمد: قيمته يوم انقطاع المثل عن أيدي الناس]*.
(ص) وإذا سقط لرجل دينار على ذهب آخر وتصادقا على وزنه جاز رد قدره عليه ولا حرج فيه ولا يخرج ذلك المال إلى بيت المال لتماثل الذهب وخروجه عن عهدته بالوزن.
وفي سارق سرق ذهباً لرجلين وخلطه وكل واحد منهما يعرف وزن ذهبه، إن ذلك المال لهما يقتسمانه ولا حرج عليهما إذ لا سبيل لهما إلى خلافه وهو متماثل.
والغاصب إذا رد المغصوب إلى غاصبه برئت ذمته وذمة من تصرف فيه إلا أن يكون لتصرفه أجرة كانت لصاحب المغصوب عليه أجرة مثله دون نفس المغصوب، ولا فرق بين الصغير والكبير.
وإذا غصب من الغاصب فقد استقر في ضمانه وللأول ولاية الضمان إلا أن يكون صاحبه معلوماً فإن الغاصب الثاني يسلمه إلى مالكه، فإن رده إلى الغاصب الأول والحال هذه كان غاصباً ولزمه الضمان فإذا رده إلى مالكه برئ الجميع إلا من أجرة الاستعمال.(1/283)
ومن باع مغصوباً مع علم المشتري بغصبه ملك الثمن وعليه إخراجه إلى بيت المال ولا يرده إلى صاحبه لأنه قد أخرجه من ملكه بالتسليط عليه، وعلى من شرى المغصوب رده إلى مالكه وهو ومنافعه في ضمانه حتى يخرج عن عهدته فمتى خرج عن عهدته برئ الأول منه أيضاً ولم يكن له الرجوع عليه بالثمن لأنه ملكه إياه مع علمه بأنه أخذ ما في مقابلته ما لا يسوغ له فيكون كأجر البغي وحلوان الكاهن وهدية الأمير ورشوة الحاكم في أنها تخرج من ملك أربابها ولا يملكها من أخذها وترجع إلى بيت المال.
والغاصب إذا أذهب معضم منافع المغصوب فقد استهلكه من جهة محظورة وخرج بذلك عن ملك صاحبه ولزمته لصاحبه قيمته وللفقراء تناوله متى كانت الحال كذلك في أي وقت أعطاهم إياه قبل إصلاح صاحبه وبعده وليس له تملكه وإن أصلح مع صاحبه بل يصرفه إلى الفقراء كما قدمناه.
ومن استؤجر على زراعة أرض فألقى البذر المغصوب في الأرض بنية الضمان كان عليه مثله لصاحبه وأجرة الأرض إن كانت مغصوبة، فإن ألقاه بنية الغصب لزمه مثله لاستهلاكه وحرمت عليه الغلة ووجب صرفها إلى بيت المال، وحشيش الأرض المغصوبة لصاحبها وإنبات الله تعالى له لا يخرجه عن الملك، فالكل أنبته الله فالق الحب والنوى.
ومن سقى أرضه بماء غيره لزمته قيمة الماء إلا أن يكون بإذنه أو يكون الماء حقاً لا ملكاً فيلزمه الاعتذار.
(وما جعل في الظرف الجراب لا يحرم) ولا تجب غرامة الظرف إلا أن يحمله ويتصرف فيه، ومن جملة التصرف الأكل في الجفنة الحرام لأنها لا تراد إلا لذلك ويلزم الآكل قيمتها وإن لم يحملها.(1/284)
ومن أتاه كلب ولم يعلم لمن هو فأطعمه حتى أنس به، إنه لا يجوز له اقتطاعه عن أهله إن علم له أهلاً فإن لم يعلم له أهلاً فلا ضير عليه في الإحسان إليه وضبطه لنفعه وتصرف قيمته إلى بيت المال.
ومن غرس نخيلاً في أرض غيره من غير رضاه فعليه قلعه، فإن لم يتمكن جاز (لصاحبه أكله) لأنه كالزرع في الأرض المغصوبة وإن كان نابتاً.
[(ح) ذكر الفقيه الإمام محمد بن أسعد أيده الله أنه يحتمل إن تناول ذلك على أنه جوز له أكله بنية أجرة أرضه بأن يكون قد حكم له الحاكم بذلك أو لم يكن إمام ولا حاكم فيقوم هو باستيفاء ذلك بنفسه كما قال أصحابنا في أحد الشريكين إذا أنفق في عمارة الأرض دون شريكه مع امتناعه ولم يكن في البلد حاكم، كذلك هاهنا]*.
(ص) ومن تصرف في مغصوب لزمه الضمان سواءً علم بغصبه أو لم يعلم.
ومن أطعم عبداً مغصوباً أو استخبره أو نعت له الطريق لم يلزمه ضمان إلا أن يستخدمه ويتصرف فيه.(1/285)