باب العمرى
والعمرى المطلقة يملكها المعمر وتورث عنه وإن كانت مدة العمر كانت كالعارية، فإن مات المعمر كانت المنافع بمنزلة الوصية مدة حياة المعمر، فإذا مات رجعت إلى ورثة المعمر على سهام الله تعالى.
ومن أعمره غيره (زرعاً أو نخيلاً أو أعناباً) فالعشر واجب على المعمر دون مالك الرقبة سواء كانت العمرى مطلقة أو مؤقتة لأنه مالك الثمر.
والعمرى والرقبى المؤقتان يكونان من الثلث، فإن زاد على الثلث كان موقوفاً على إجازة الورثة وتبطلهما الديون المستغرقة للمال.(1/276)


فصل في الهبة أيضاً
وفي رجل أشهد أنه قد تصدق على ولده بمائة دينار وقبل الصبي الصدقة ولم يقبض ثم مات الأب، إن هذه الصدقة لا تصح، وكذلك لو كان عرضاً غير معين.
وهبة الأم لولدها تصح وكذلك قبولها يصح له، فمتى بلغ وقبل صحت وإن ردها عادت إلى الأم أو وارثها.
والهبة والصدقة لذوي الأرحام جائزة، ومن استثنى من الهبة ثماراً معلومة صح، ومن وهب لغيره جميع ما يملكه ولم يعين مقداره ولا حدوده وقبل في المجلس صح فيما بينهما ويفسد في الحكم (لأنه يلحق) بالإباحة، فما قبض ملك وما لم يقبض لم يملكه إلا بعد القبض.
ومن كان عليه دين يستغرق ماله فوهب ما يملكه لآخر، إن هذه الهبة لا أجر فيها وينقضها الإمام إن شاء لأن له ولاية عامة، وفي غير وقته تنفذ إلا أن يكون محجوراً عليه.
وإذا وهبت امرأة مالها من زوجها بشرط أن يهبه هو من أولاده منها من ولد ومن لم يولد لم تصح هذه الهبة، وكذلك الصدقة لاختلال الشرط.
ومن وهب لصبي هبة وقبلها له وليه أو غيره صحت الهبة، فإن مات الصبي كانت لورثته دون ورثة الواهب وإن تصرف فيها الصبي بإذن الواهب كان الوكيل وكفى ذلك من دون قبول.
وإذا وهب رجل لغيره أرضاً ولم يعلم أن بها ماء إلا بعد الهبة، إن الهبة في الأرض دون الماء، ولصاحبه بعد ذلك بيع الماء أو هبته أو إقراره على ملكه.
[(ح) فجعل الهبة خلاف البيع].
(ص) وهبة أحد الأخوين لأخيه عبده تصح، فإن وهبه مدة حياته كانت عمرى، فمتى باعه الواهب كان رجوعاً وصح البيع.
ودعوى التوليج تصح في كل ما هو مستحق دون ما ليس بمستحق.(1/277)


(ح) معناه دعوى الوارث تصح فيما أقر به الميت أو باعه أنه باعه توليجاً أو أقر به توليجاً وربما تصح دعواه فيما له فيه حق الإرث دون ما لا حق له فيه.
(ص) والصدقة بما في يد الغاصب تصح من مالكه لأن يد الظالم غير يده.
[وإذا وهب لابنه الصغير شيئاً فله الرجوع فإن زاد زيادة منفصلة كانت الزيادة للولد].
[(ح) كالولد واللبن وأشباه ذلك، فإن كانت متصلة كالسمن والكبر فإنها تمنع من الرجوع].(1/278)


باب الوديعة
من أودع غيره وديعة إلى وصوله ثم تخلف صاحبها إنه متى أمسكها بإذن صاحبها على الوجه الذي أمره فهو غير متعد لأن له ولاية عليها، فما فعل فيها باجتهاده لزم صاحبها من كِرَا أو غيره ولا يفتقر في ذلك إلى الحاكم.
ومن أودع ماشيته فكثرت وطال مقامها ولم يأت صاحبها ولا عرف مكانه فله المقام بها وتحري الصلاح فيها وفي أمرها ويأخذ منها قدر أجرته ويذكي ما خاف موته منها لأن له ولاية عليها ويخرج زكاتها.
وفي رجل خلط الوديعة بماله وقسمه ثابتاً بالوزن، إنه يأثم بالخلط وتصح القسمة.
وفي رجل أودع رجلا وديعة ثم مات المودع ولم يميز الوديعة ولا بيَّن هل تلفت أم لا وطلب المودع من الورثة ما أودع مؤرثهم وقالوا لا نعلمها ولا أوصى بها، إنه لا يجب على الورثة إلا اليمين لا غير إلا أن يأتي صاحب الوديعة بما يوجب عليهم الضمان من جناية أو ما يجري مجراها من التعدي.
(ح) والمذكور لسائر أصحابنا أن المودع إذا لم يعين الوديعة ولم يميزها عن غيرها ضمن الورثة ذلك من مال الميت.
[ووجه المسألة أن المودع إذا لم يوص فيها بشيءٍ فالظاهر أنها تلفت على وجه لا يضمنها؛ لأن الأصل فيه أنه أمين. ذكره محمد بن أسعد داعي أمير المؤمنين].
فإن قال الورثة قد علمنا أنك قد أودعته ولكنا لا نعرفها ولا أوصى بها وقد يجوز تلفها في حال حياته، إنه لا يلزمهم لعلمهم بالوديعة ضمانها، وقولهم يجوز تلفها لا يلزمهم شيئاً.(1/279)


وإذا ادعى رجل على ورثة رجل أنه أودع أباهم وديعة وأنكر الورثة ذلك، إن البينة إذا قامت بالوديعة ولم تشفع شهادة الإيداع ببقائها في الحال لم يلزم الورثة إلا اليمين لأنه يجوز تلفها في حياته بغير سبب يوجب ضمانها.
[(ح) معنى قوله: ولم تشفع، أي: إذا لم تنضم إلى شهادة الإيداع شهادة أخرى].
(ص) فإن شهدوا ببقائها إلى وقت المطالبة لزم الورثة تسليمها لأنهم ليسوا أمناء فيقبل قولهم في تلفها.
وفي رجل أودع عند رجل وديعة فقال: احفظ هذا المال فهو لابن عمي وله بنو عم ثم مات.
إنه لا بد من انتظار صح من تصح دعواه أو إبطالها ولا بد من سؤال الساكت إنه هل يدعي أم لا، فإن إدعاه بعضهم والحال ما قدمنا كان أولى به وإن تساووا في الدعوى حكم به للجميع، فإن لم يدعها أحد منهم صرف إلى بيت المال.
وإذا قال المودع للمودع: أرسل لي بالوديعة مع ثقتك ولا يعلم به أحد أو لا يشهد عليه ففعل ثم جحد قبضها من الرسول، فإن أنكر هذا القول فالمودع أمين، فإن اتهم الرسول حلف؛ لأن الأصل الأمانة وحلف لقد أمرت إليك بمالك على الوجه الذي أمرتني ولا شيء عليه.(1/280)

56 / 97
ع
En
A+
A-