باب الرهن وأحكامه
الرهن لا يعلق سواء جاء الراهن قبل محل الأجل أو بعده منعه مانع أو لم يمنع، ولا يباع الرهن إلا بإذن الحاكم ومخافة تلف ما هو رهن فيه لتمرد الراهن.
وإذا باع رجل شيئاً وارتهن من المشتري في الثمن فغاب ولم يعلم له خبر وفي الرهن فضلة إن البائع يرجع إلى الحاكم فيبيعه فما بقي كان لصاحبه يعرف به كما يعرّف باللقطة، فإن وجد له صاحب وإلا رد إلى بيت المال.
وفي رجل رهن عبدين فقتل أحدهما الآخر، إنه لا ضمان على المرتهن لأنه يضمن الأحداث في الرهن ولا يضمن جناية الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه.
ومن رهن بئراً وضيعة فليس للراهن زراعتها قبل حلول الأجل لأنه وثيقة.
وإذا رهن السيد مدبره ثم مات السيد والعبد في يد المرتهن إن رهنه في حكم الرجوع عن التدبير للحاجة، فالذي أرى أنه يسعى في قيمته بالغة ما بلغت.(1/271)


باب العارية
العارية لا تضمن إلا بتضمين مالكها للمستعير أو جنايته عليها، ومن أباح لغيره زراعة أرضه لم يجز له المطالبة بتفريغها قبل وقت الحصاد لأنه غير متعد في زراعتها، والإباحة تناولت من ابتداء الزرع إلى الحصد، فالمطالبة بتفريغها قبل ذلك ظلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه: ((المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه)) واتصال الضرر إليه ظلم، فإن ارتجعها كان عليه ما غرمه المستعير لأنه غره إلا أن يختار المستعير رفعه.(1/272)


كتاب الهبات والصدقات
ومن وهب أمته لرجل وولدها لآخر والولد صغير لم تصح الهبة لمن يريد الفرق بينهما، فإن أظهر أنه لا يفرق ثم حاول التفرقة حكم عليه بتخلية الولد مع أمه على ملكه لأن النهي عام لا تضار والدة بولدها، ويستوي المسبي والمشتري والحرائر، فإن ظهر من الأم سماحة بالولد وهو النادر جاز أخذه لأن حبسه في حقها.
ومن وهب شيئاً مدة معلومة نحو شهر أو سنة لم تصح هذه الهبة وجرى مجرى العمرى المؤقتة وحكمها حكمها ونيتهما في تمليك الغير لا حكم له، ولا فرق بين البيع والهبة في أن شرط المدة يظلهما جميعاً من حيث اقتضى إثبات الشيء ونفيه.
وإذا قال صاحب الأرض للمزارع: هب لي بذرك قبل أن تبذره لأبذره وهو ملكي على أني إن رأيت منك صحبة جميلة كان لك نصف ما يحصل في أرضي وإن كرهتك أو كرهتني كان البذر لي.
إن الهبة في هذه الصورة فاسدة والشرط باطل، فإن سلم إليه البذر وبذره ملكه بالتسليم والاستهلاك وكان عليه مثله لفساد الهبة وبطلان الشرط كما ذكرنا لتعلقهما بالجهالة، وهذا إن كان الشرط متقدماً أو متصلاً بجملة الكلام من أحد طرفيه، وإن كان منفصلاً فلا حكم له سواء كان يتضمن الصحة أو لا، ولا يجوز أن يهب لبعض الورثة شيئاً دون سائرهم ولا أن يوصي له إلا أن يكون هناك أمر يتميز به الموهوب له من بر بوالد أو إحسان؛ لأن مفاضلته تكون محاباة.(1/273)


وفي حديث لبشير بن سعد لما نحل ولده خادماً وأراد أن يشهد عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله - فقال: ((أكل ولدك نحلته؟ قال: لا، قال: فاشهد عليه غيري فإني لا أشهد إلا على حق))، فإذا كان هذا في الولد فهو في غيره آكد.
وفي امرأة تصدقت بنصيبها من مال أبيها على ضعفاء مكة، لم تصح للجهالة إلا أن تكون وصية أو نذراً ودعواها للجهالة مقبولة لأنها العاقدة على نفسها ولا تأثم إلا أن تكون عالمة، وإن صحت الصدقة جاز بيعها وصرف الثمن إلى من ذكرت.
والصدقة على بعض الورثة لا تصح؛ لأنه لا قربة فيها، ومن أوصى بصدقة إلى الشيعة فالإمام أولى بها يصرفها حيث يرى أو نائبه، وكذلك لو قال الموصي يطعم في الخريف فأمرها إلى الإمام.
والمحبوس في الدين إذا وهب هبة لم تصح لأنها تكون تحييزاً أو توليجاً وفراراً من قضاء الدين، والحبس في حكم المنع والحجر بل أتبع في المعنى.
ومن قسم ماله بين ورثته متفاضلين في حياته وأثبته وأنفذه كان ماضياً وهو آثم بذلك ولم ينقض، وإن جعله بعد غيبة كان حكمه حكم الوصية.
ومن وهب لغيره شيئاً بحضرة الشهود وقبل عنه أحدهم صحت الهبة، والخبر بالقبول يثبت وإن لم تكن شهادة، فمتى شهدوا بقبول الموهوب له عند العلم استقر الملك وإن كان وارثاً كان أحق بالهبة من سائر الورثة.
والرفد في العرسات تجب المكافأة فيه، فإن كان إلى ولاة الإمام ولم يكن هناك عرف في المكافأة كان غلولاً ولم يجز إلا أن يأذن الإمام فيه.
ومن قتل غيره ظلماً ثم وهب ماله ضمن أولاده توليجاً من الدية ثم مات، إن الهبة تصح ما لم يحجر عليه، والبدل عن النفس هو القابل وهو باق.(1/274)


باب الرجوع في الهبة
[وإذا وهب شيئاً لإبنه الصغير فله الرجوع، فإن زاد زيادة منفصلة كانت الزيادة للولد].
(للوالد) الرجوع في الهبة لولده الصغير وكذلك الصدقة عليه لا فرق بينهما للخبر عن النبي - صلى الله عليه وآله -: ((أنت ومالك لأبيك)) وقوله: ((ليس لأحد أن يرجع في صدقةإلا الوالد فيما أعطاه ولده)) وسواء كان الولد صغيراً أو كبيراً في صحة الرجوع فيما أعطاه والده.
وإنما قلنا ذلك للنص والنص لا يعلل عندنا، وإنما يعلل ما ينبني عليه.
فأما مطلق الهبة فقد ورد الأثر بجواز الرجوع فيها وإن كان مكروهاً لأن الحديث ((الراجع في هبته كالكلب يرجع في قيئه)) وقد ثبت أن رجوعه فيه غير محرم عليه، وإنما هو مستقذر مكروه فلم يبق لخاصة الولد إلا ما ذكرنا وإلا فلا فرق بين الولد وغيره ولم نجعل العلة الولاية فقط.(1/275)

55 / 97
ع
En
A+
A-