باب الشرب
وإذا كان لقوم بئر ولكل واحد فيها نصيب معروف وأراد بعضهم السقي وكره الباقون كان لمن أراد السقي (أن يسقي) بمقدار نصيبهم وليس للآخرين منعهم من ذلك، وإن كانت مما لا يعمل عليها إلا بالمهاياه لم يكن لهم أن يسندوا نصيب أصحابهم إلا بإذنهم، فإن استنفعوا بالماء والحال هذه غرموا لهم.
وفي ماء كثير فيه التظالم بين أهله وبعضهم متمكن من استيفاء حقه، إن للمتمكن أن يستوفي حقه ولا حرج عليه في استيفائه.
وفي رجل له (مجرى الماء وللآخر) فيه حق مرور ماء معلوم فاستفاد ماء آخر، إن المستفاد إن كان جريه يضر بصاحب المال في مجرى الماء وكان لصاحب الماء طريق أخرى للماء المستفاد لم يكن له إجراؤه في هذا النهر إلا بإذن صاحبه.
(ح) وكذلك إن لم يجد صاحب الماء طريقاً آخر وكان بإجراء هذه الزيادة (تحصل زيادة الضرر) على صاحب الأرض لم يكن له إجراؤه [إلا برضاه] لقول النبي صلى الله عليه: ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)).
(ص) فإن وقع على هذا النهر جائحة فقال صاحب الماء لصاحب الأرض أصلح موضع النهر واعمره حتى أجري فيه الماء لم يلزمه ذلك إلا أن يختاره، وليس للحاكم إكراهه عليه.
ومن كان له ماء فله توجيهه أينما شاء ما لم يضر بجيرانه ويفعل غير المعتاد، فإن ادعى صاحب النهر المضرة فعليه البينة.
وفي رجل له حق مرور الماء في أرض غيره فأعمق صاحب الأرض أرضه أو حمل الطين إلى قرب النهر حتى أضر بمجرى الماء إنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ولو كان عاملاً في أرض نفسه فليس له الضرر بصاحبه، فإن كانت العادة جارية بمثل ذلك العمل لم يكن لصاحب الماء اعتراض عليه.(1/266)
وإذا كان الشرب من وادٍ مباحٍ وقد شرعت إليه أنهار خاصة، إن هذه الأنهار تكون مملوكة لأرباب المواضع ولا تكون حقاً.
ومن أراد أن يسقي أرضه من بئر أو عين لم يكن له إجراء الماء في أنهار الناس إلا بإذنهم لأنه لا يجوز للإنسان التصرف في ملك الغير إلا بإذنه، وكذلك لو كانت مجاري الماء حقا لم تكن لغير من له في حق إجراء الماء فيه من غير إذن أرباب الحقوق.
وفي بئر بين رجلين وكل رجل يسقي أرضه من نصيبه من البئر بعد القسمة فملك أحدهما ضيعة أخرى وأراد سقيها من نصيبه من هذه البئر وهو لا يكفي للضيعتين جميعاً، فأراد حفر البئر ليكثر ماؤها لم يكن لشريكه منعه إن كان لا يضره ويحفر في عموم البئر دون الجوانب الذي تخصه ولا يجب على شريكه معونته في ذلك لأنه أمر خاص، وإذا جحد جيران الوقف شربة من الماء فله قدر شربه لأن المعلوم أن الوصايا لا تكون إلا بالماء.
والماء الذي يحتبس في الأنهار بعد جري الماء حق لأهله وليس لغيرهم منعهم منه لأن يستوفوا حقهم وإنما لهم ما فضل عن صاحب الماء وحاجته.
وفي عين ليس فيها حق لأحد إلا مجرد الشرب، فإنه لا يجوز أن تسقى منها الأراضي ولا غيرها فإن فعل ذلك أثم، ولا يجوز للإنسان أن يسقي أراضيه من ماء غيره، والماء يصح ملكه بملك مجاريه ومستقره ويكون كالماء في الإناء.
وفي قوم لهم نصيب من الماء معلوم في وقت معلوم وطلب منهم بعض الشركاء تأخير بعض حقهم ليتمكن سواهم من معرفة حقه وأخذه، إن لهم نصيبهم وليس عليهم وفاء سهام أهل الماء سواء كان أول النهار أو آخره ولم يكن لأحد منعهم.(1/267)
وفي ماء يجري من الجبل إلى أرض وكان في الأصل على الإباحة، إنه يكون حقاً لمن ساقه أولاً، فإن ساقه جماعة لم يستبد به أحدهم دون شركائه.
وفي ماء بين جماعة لم يتمكن أحدهم أخذ حصته في وقت نوبته، إنه لا يجوز له أخذ حصته إلا بإذن الشركاء أو الحاكم، فإن لم يكن إمام ولا حاكم وتظالموا جاز له استيفاء حقه بنفسه من غير زيادة عليه في غلبة ظنه؛ لأن ما سوى ذلك يؤدي إلى ضياع ماله ولا ضرر ولا حرج في الدين.
ومن جمع عيون ماء إلى موضع وبنا عليه مسجداً ثم صرفه إليه الإمام بعد ذلك ثم مات وجاء آخر وأراد أن يصلح هذا الماء ليسقي به أراضيه، إن الماء الأول ليس لأحد أن ينتفع منه إلا بوضوء أو شرب.
والحوض أو البركة في المنزل كالإناء لا يجوز أخذ مائه إلا بإذن صاحبه ويجب عليه الإذن لمن أراد الوضوء والشرب ما لم يجحف بحاله وعياله كسائر الأملاك بخلاف المياه المباحة كالأنهار والبرك وشبهها.
ومن كانت له طريق ماءٍ في أرض غيره لم يكن لصاحب الأرض أخذ شيء من الماء إلا بإذن صاحبه.(1/268)
باب إحياء الموات
ويجوز عمارة العين الجاهلية التي لا يعرف لها مالك بإذن الإمام ولا يجوز بغير إذنه؛ لأن المال الذي لا يتعين مالكه مصرفه إلى الإمام أو نائبه.
(ح) وهذا نص يحيى - عليه السلام - في (المنتخب) ونصره السيد أبو طالب.
وقال في (الأحكام): من أحيا أرضاً فهي له، ولم يشترط فيه إذن الإمام، ونصره المؤيد بالله، [وهو مذهب الناصر للحق].
[(ص) وفي عين خراب وفيها أثر عمارة وفيها دعاوٍ عدة، إن ما هذا حاله إذا لم تظهر عليه يد أو تستقر فيه ملك مصرفه بيت المال وأمره إلى الإمام أو نائبه].
ومن أحيا عيناً جاهلية فهي له في غير وقت الإمام، فأما في وقته فلا بد من إذنه، فإن كانت إسلامية لم يصح إحياؤها إلا بإذن شرعي وقت الإمام وغير وقته؛ لأن حكمها لبيت المال.
والأراضي التي يختلط بعضها ببعض ولا يعرف أحد مقدار نصيبه ولا عينه ترجع إلى بيت المال ولا يصح شراؤها إلا من الإمام أو نائبه، وكل أرض أو قرية أو حصن التبس الملك فيها حتى لا يعرف تمييز بعضها من بعض ولم يعرف لها مالك فإنها ترجع إلى بيت المال ولا حكم لقول القائل إنها كانت لبني فلان.
ومن ادعى أن هذا الوادي له لا حكم له إلا أن يبين بأنه ملكه إلى وقت الدعوى ولو قامت البينة بأنه كان لجده لم يكن لها حكم حتى تنقل البينة به؛ لأن الأملاك تنتقل.
وإذا ادعى فريقان أرضاً بيضاء كانت لمن يحجرها بأن ينصب عليها أعلاماً تميزها أو يقطع أشجارها ويصلحها للزرع أو ينصب الجدران أو يحفر الخنادق.(1/269)
(ح) يصح التحجر بنصب الأعلام وتعليق الأغصان، أما الجدران والخنادق التي تمنع من الدخول والخروج فإنه يحصل بها الملك، وكذلك إذا هذبها بحيث تصلح للزراعة فأما لو كان شيئاً يسيراً كان تحجراً ولم تملك به.
(ص) فأما الإسلامية فلا حكم للتنازع فيها ولا لتسليم بعضهم لبعض لأن أمرها إلى الإمام، ولا يجوز لأحد أن يحوز محتطب القرية ومرعاها ولا أن يحييه ولا أن يحفر فيه بئراً إلا بإذنهم إلا أن يكون واسعاً بحيث لا يضر بهم ولهم عنه غنا فإنه يجوز ويملكه بالإحياء.(1/270)