باب ما تفسد لأجله الإجارة
من استأجر جمالاً غير معينة لحمل أحمالٍ معينة فتلفت الأحمال انفسخت الإجارة، فإن استأجر رقاب الجمال مدة معلومة أو مسافة معلومة فتلفت في بعض المسافة انفسخت الإجارة ولم يلزم صاحب الجمال جِمَالُ أُخرْ.
(ح) لأن الإجارة تعينت في الجمال فإذا تلفت انفسخت الإجارة.
فأما قوله: أو مسافة معلومة، فالمراد به إذا تعينت الإجارة في الجمال أيضاً فذكر المسافة لا يضر ولا يخرجها عن كونها معينة.
(ص) فإن عين الجمال والأحمال فتلفت الجمال دون المسافة، فإن تعيين الجمال لا حكم له لأن الغرض حمل الأحمال، فإن وجد المكاري جمالاً أُخرْ لزمه حمل الأحمال وإن لم يجد كان عذراً وفسخها، وتنفسخ الإجارة بموت الأجير والمستأجر.
(ح) (وبه قال) أبو حنيفة وأصحابه، وعند سائر أصحابنا لا تنفسخ بموت المستأجر.(1/256)


باب ضمان الأجير
قول الأجير الخاص يُقبلُ في تلف الشيء فإن اتهم حلف، والمشتري لا يقبل قوله لأنه يحاول نقل الضمان عنه فعليه البينة، والعبد المأذون له يصح استئجاره، فإن مات بغير جناية من المستأجر فلا ضمان عليه.
وإذا أبرأ صاحب البهائم الأجير عما يتلف لم تصح لأنه أبرأ قبل وجوب الحق وإن أبرأه بعد التلف صح إن لم يفعل ما يسقط حكم الإبراء، ومن قال لا أرعى بالأجرة بل بالمروة لم يضمن ما تلف وكان أميناً.
[(ح) المراد به في الأجير المشترك].
(ص) وليس له مطالبة بالأجرة لأنه متبرع.
ومن استؤجر على سوق إبل إلى موضع فتلفت فالقول قوله، فإن اتهم حلف، فإن كان تلفها بغير سبب منه فلا شيء عليه، وإن كان بسبب منه أو تعد غرم.
ومن استأجر أجيراً على تأبير ماله وسقيه وبناء الجدران فلم يجد الأجير ركزاً يوبره به فإنه يجوز له أن يشتري الركز والثمن على المستأجر، فإن أخذه الأجير سرقة كان آثماً وتلزمه القيمة، ولا يحرم التمر على المستأجر ولا على من أكله.
والأجير المشترك إذا ضمن ما تلف بأمر غالب وكذلك المستعان لزمه الضمان فيما ألزم نفسه لقوله - صلى الله عليه وآله -: ((الزعيم غارم)) وهو عام في كل شيء لأنه تكفل بأمر له به تعلق فكما أنه يلزمه ما تكفل به فما لا تعلق له به فهذا أولى وأحرى.
(ح) وإلى مثله أشار الإخوان فيمن استأجر عبداً ثم أبق أو مات.(1/257)


باب المزارعة
وإذا كانت المزارعة فاسدة لم يكن لصاحب الأرض إخراج الخبير إلا بحكم الحاكم لأن المسألة خلافية بين العترة خاصة والأمة عامة.
وفي خبير غرس القطن أو زرع لم يكن لصاحب الأرض إخراجه إلا بحكم الحاكم، فإن أخرجه حكم له بقيمة غرسه أو قطنه يوم الحكم بتسليم الأرض لأنه أثار ذلك وعمله بإذنه، وأما الزرع فإنه يحكم بتركه إلى حصاده بأجرة مثله، وكذلك إن كان قطع أحجاراً فإن أجرته تسقط على مقدار عمله لأنها قد تزيد وتنقص وتغلو وترخص، فالمرجع في ذلك إلى أهل المعرفة بهذا الشأن لأن هذا حكم الأعمال، وللعامل أن يلزم صاحب الأرض فيما بقى له لأنه ليس بمتبرع وعمل بإذنه فالصحيح والفاسد فيه سواء، وما في الأرض المستأجرة من خراب فمنه ما يتعلق بالمخابر إصلاحه وهو ما يقوم به الزرع والغرس والزبر والحرث وإصلاح مجاري الماء.
[حاشية: الزبر من جنس الحرث غير أنه يكون أعمق من الحرث ويكون بالأيدي لا بالبقر. ذكره محمد بن أسعد أيده الله].
فهذا يلزم إصلاحه ما لم تنقضِ مدة الإجارة لأن العمل صحيح عندهما وترك المرافعة رضا به أو في حكمه، وليس لصاحب الأرض أن يلزمه الخروج من الأرض إلا بالمرافعة ولا للخبير أن يطلب قيمة الزرع والغرس وشبههما إلا بالمرافعة أو المراضاة.(1/258)


والذي لا يتعلق بالمخابر إصلاحه كالجدر والبناء وما جانسه فله المطالبة بما يستحقه متى أراد إن كان العمل بإذن صاحب الأرض فلو شرط صاحب الأرض على الخبير أنه متى كرهه لم يكن له أجرة وقبله الخبير كان الشرط باطلاً ولم يجز لصاحب الأرض إخراجه وأكل ماله بغير حق لأن الله تعالى يقول: ?وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ?[البقرة:188]، وأقرب ما يعرف به كرا المثل مما يحصل من الأرض أن تقدر بنصيب صاحب الأرض في ثمرتين ونصيب خبيره في أرضه ثمرتين ويجعل ذلك في أوسط الثمار وتقدر بقيمة متوسطة ثم يجعل الكرا ذلك القدر.
وأصل الكرا من النقود ولا يجب من عين الثمرة والمغارسة بسهم من الأرض تصح إذا كان العمل معلوماً.(1/259)


باب المضاربة
ومن أعطى غيره إبلاً أو ثياباً بذهب معلوم على وجه المضاربة لم يصح ذلك إلا أن يكون سلم إليه ذهباً وضاربه به ثم اشترى منه الإبل بالذهب أو يوكله بالبيع ثم يضع الثمن في نفسه مضاربة، وإذا كانت المضاربة صحيحة لم يضمن فيما تلف وخسر.
وإذا احتاج رب المال إلى ماله لقضاء الدين أو النفقة على نفسه وأولاده كان ذلك عذراً في نقض المضاربة لأن عقد المضاربة لا يكون أقوى من العتق فعتق المدبر ينتقض بحاجة سيده لقضاء دينه وما جرى مجراه، فإن قال أنا أتحرى الفائدة وأرجوها وقد تعينت في بيع أو شراء كان أكثر مدة تنتظر فيها الفائدة ويحكم له بها ويضرب الأجل لقضاء الديون أربعين يوماً لا غير، فإن حصلت له فائدة وإلا باع وسلم مال المضاربة أو سلم البضاعة بعينها، وإن اتهمه صاحب المال حلف بالله أن هذه البضاعة شريتها بمالك من غير نقصان وما خنت ولا داهنت، ويستحق في المضاربة الفاسدة أجرة المثل وما حصل من ربح فلبيت المال.
(ح) هذا إذا لم يجز رب المال شراه فإن أجازه فالربح له.
(ص) وما لزم من نفقة فله المعتاد.(1/260)

52 / 97
ع
En
A+
A-