باب ما يبطل الشفعة
وفي أرض بيعت وفيها شفعة لصبي صغير فسكت أبوه عن المطالبة مع علمه بالبيع إن سكوته إن كان خفيفاً كأن يتفكر هل فيه مصلحة ولده أم لا لم تبطل الشفعة، وإن كان سكوته طويلاً فلا مطالبة له؛ لأن الشفعة لمن واثبها، ثم إذا بلغ الصبي وأقام بينة أن أباه لم يتحرّ مصلحته كانت له الشفعة وإن لم تكن له بينة فظاهر حال الوالد الأمانة في حق الولد ولا شفعة له، وهذا الحكم يخص الوالد دون غيره من ولي أو وصي أو وكيل أو إمام أو حاكم، فإن على هؤلاء البينة أنهم تركوها لمصلحة الصبي وإلا فالظاهر مع الصبي لأن الظاهر في الشفعة أنها مصلحة ودفع للضرر عن الشفيع.
ولا شفعة لليهودي في جزيرة العرب.
وإذا علم الشفيع بالبيع ولم يواثب بطلت الشفعة، فإن مات وقد طالب بها قام ورثته مقامه، وإن مات وقد أبطلها لم يكن للورثة مطالبة بها.
وإذا رد المبيع بخيار الرؤية [أو بخيار الشرط] أو بالعيب بطلت الشفعة لأن البيع لم ينبرم.
(ح) هذا قوله الثاني، والأولى ما تقدم.
(ص) والهبة المسقطة للشفعة وهي الصحيحة (المقر له عن) العوض، فإن وهب له شقصاً واشترى الباقي بثمن الكل كانت الهبة غير صحيحة إذ هي في حكم المبيع، وإن أسقط له قسطاً من الثمن فهي صحيحة، ومتى قدم الهبة على البيع وشرط أن يشتري منه ما بقي مما يخصه من الثمن كانت الهبة صحيحة، فإن صح الشرط وهو البيع وإلا بطلت.(1/251)


كتاب الإجارات
باب ما يصح من الإجارة وما لا يصح
لا تجوز إجارة بيوت مكة حرسها الله تعالى إلا أن تكون على حفظ المتاع لقول الله تعالى: ?سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ?[الحج:25]، ومن سبق إلى شيء من بيوتها فهو أولى به إلى أن يخرج منه وليس لمن عمر فيها إلا حق الإقامة لعمارته فإن انتقل عن البيت وخلفه غيره كان أولى به، ولا يلزم من خلفه أجرة لحق البناء والعمارة لأنه بمنزلة من بسط بساطاً في المسجد فإنه يجوز الصلاة عليه والقعود ولا يلزمه رفعه.
والذي لا يجوز إجارته: مكة وما اتصل بها إلى الأعلام المنصوبة حولها من كل جانب.
ومن استأجر غيره لبناء حائط وشرط الآجر والجص من الأجير لم يصح للجهالة فيه.
وإذا استأجر ذمي من مسلم بيتاً للعمل كانت الإجارة صحيحة ويفعل فيه ما يجوز، وإن استأجره ليبيع فيه خمراً أو يتخذ كنيسة في خطتهم لم تصح الإجارة.
وإذا أذن الرجل لامرأته في أن تؤاجر نفسها ظئراً لم يكن له وطئها إذا كان الحمل ينافي الرضاع بالمضرة، وإن كان لا ينافيه في مجرى العادة جاز وهو بمنزلة الأجير الخاص عندنا.
والإجارة على الخصومة صحيحة فإن أدى ما يلزم في ذلك فله المسمى ما لم تكن خصومة ضلالة.
(ح) (نحو أن يستأجر) مدة معلومة للدعوى له أو عليه بأجرة معلومة.
(ص) ولا تصح الإجارة على إخراج الماء لأنه مجهول وإنما تصح الإجارة على حفر أذرع معلومة في الطول والعرض لشيء معلوم وسواء أخرج الماء أم لا، وإن تراضوا بغير ذلك جاز، وإذا تراضى المتعاقدان بالإجارة الفاسدة لم يأثما.(1/252)


ومن استأجر صبياً غير مأذون له لم يصح وكان له أجرة مثله ولا شيء عليه إن تلف المال لأن صاحبه عرضه للتلف، وإن أذن له وليه جاز.
والأجير متى استأجر غيره بأقل من الذي استؤجر به - والعمل لا تفاضل فيه بالأشخاص - جاز ذلك وعليه وفاء الأجرة.
ومن استأجر ثورين وشرط عليه صاحبهما أن يعطيه ثوره للعمل عليه ثلاثة أيام صح ذلك متى عين الأيام الثلاثة وإن لم يعين الأيام لم تصح لأن الأجرة تخلتف في الأوقات فتدخلها الجهالة للتغابن.
(ح) وهذه المسألة مبنية على جواز الإجارة التي تتضمن استيفاء منفعة بمنفعة من جنسها وهو مذهب القاسم ويحيى والمؤيد بالله -عليهم السلام-، ومثله (ذكر أبو الفضل الناصر للناصر للحق - عليه السلام -)، فإذا استأجر منه ثورين لعمل معلوم على أن يعطيه المستأجر الذي هو صاحب الثورين ثوره ثلاثة أيام معلومة بعمل معلوم جاز ذلك. [ذكره محمد بن أسعد داعي أمير المؤمنين].
(ص) وإذا كان الحاكم لا يحكم إلا برشوة والمحكوم له يعلم أن الحق له جاز له أن يعطيه ما يخلص به حقه وحرم ذلك على الحاكم.(1/253)


باب استحقاق الأجرة
إذا وقعت الإجارة من الوصي صحيحة ولم يقع من الأعذار ما ينقضها وكان الموصي أوصى بحجة واحدة ثم استأجر ثانياً كان متعدياً في الثاني وكانت عليه الأجرة في خاص ماله وكان على الأجير الأول المضي فيما هو أجير فيه وعلى الوصي تسليم الأجرة.
وأخذ الأجرة في العقد الفاسد صحيح قبل الحكم لمكان الخلاف.
ومن استأجر غيره على بيع شيء لم يستحق الأجرة إلا بالبيع، لأنه هو المقصود دون العرض والبذل.
(ح) وهو مذهب الناصر للحق والمؤيد بالله والشافعي، (وذكر السيدان لمذهب يحيى) أن الاستئجار إنما يصح على العرض دون البيع.
(ص) وأجرة القسام صحيحة وينبرم ما قسمه متى فعل ما أمره به الكل.
ومن استأجر غيره على طلب ضالة وكان يظنها في موضع بعيد فأكثر له الأجرة فوجدها الأجير قريباً إن له ما شرط وعليه أداؤها، فإن لم يأت بها فلا أجرة له، ولذلك لو استأجر على أداء شيء مع آخر فخالفه الآخر ووصل به إلى المستأجر إن للأجير من الأجرة بقدر عناءه لأنه قد استفرغ جهده ولو وجدها لجاء بها.
ومن استؤجر على رعي إبلٍ أو غنم فوثب عليها فحل حرام بغير تعمد من أحد لم يلزم صاحب الإبل شيء ولا يحرم عليه أولادها ولا ألبانها ولا يلزم الأجير شيء إلا أن يكون هو المنزي فيأثم ولا يغرم ويلزم الاعتذار إلى صاحبه.
والأجرة لا تستحق إلا باستيفاء العمل فإن وقعت المشارطة عليه كان آكد.
والأجير إذا مات انفسخت الإجارة ولزم للوارث الأجرة إلى يوم موته وليس على وارثه إتمام العمل إلا أن يختار ذلك.(1/254)


[ومن استأجر أجيراً لحفر بئر فانهارت فله الأجرة بحساب عمله لأن الإنهيار] ليس من قبله سواء كانت في الدار أو الصحراء، والإجارة الفاسدة لا ينقضها عند اختلافهما إلا الحاكم، وللأجير أجرة عمله، فإن لم يترافعا كان عليه تمام الشرط وإلا فلا أجرة له فيما عمل.
والأجرة إذا كانت معينة وقدمها المستأجر إلى الأجير وتعذر العمل أو فسخ الإجارة بحيث يجوز له الفسخ فعليه رد الفرع والأصل لأنه ملكها معاوضة فما لم يسلم العوض أو ما يقوم مقامه فإنه لا يستحق شيئاً لأنه يكون من أكل أموال الناس بالباطل وقد حظر ذلك الشرع الشريف.(1/255)

51 / 97
ع
En
A+
A-