وإذا وقع عقد البيع الموقوف بثمن معلوم ثم حط عاقد البيع للمشتري شيئاً وما بقي من الثمن بعد الحط لا ينقصُ المبيع عن القيمة، فإن الحط يلحق دون الهبة والإبراء، فإن نقص المبيع بالحط عن قيمته وأجاز المالك قبل العلم لم يثبت الحط إذا كان بأكثر مما يتغابن الناس بمثله؛ لأنا قلنا له شبه بالوكيل فيلزمه حكمه لأن للأشباه تأثيراً في الأحكام شرعاً.
(ح) هذا هو الصحيح دون ما ذكره عليه السلام قبل ذلك من أنه إذا كان فيه غبن قليل أو كثير لا تلحقه الإجازة.
(ص) وإذا عقد البيع وقبل المشتري المبيع ورآه وعرفه رؤية مثله قبل الإجازة لم يكن له رده بخيار الرؤية بعد الإجازة لأنه قد رآه بعد وقوع العقد ولولا أن للعقد حكماً لم تلحقه الإجازة وذلك لأنه رده بعد عقد البيع فلم يبق له خيار الرؤية بعد الإجازة كالبيع التام غير الموقوف.
وإذا علم المشتري بأن في المبيع عيباً بعد الشراء وقبل إجازة المالك ولم يرد ثم أجاز المالك البيع فليس له رده بعد الإجازة على الوجهين جميعاً لما قدمنا في المسألة الأولى؛ لأن الرد بالعيب مانع للعقد والعقد هو الموجب وقد حصل الموجب في المسألتين فانبرم العقد فلا ينقضه إلا عقد جديد.(1/231)
وإذا طالب المشتري بقبض الثمن أو قبض المبيع أو تعجيل الثمن إن كان المبيع وقع إلى أجل أو استعمل بدل المبيع وقد بيع بغرض أو استهلك الثمن بعد تعيينه عالماً بوقوع البيع الموقوف أو جاهلاً أو طالب المشتري بالزيادة على الثمن أو طالبه باستثناء منفعة معلومة، إن هذه الوجوه تكون إجازة للبيع إلا في المطالبة بالزيادة على الثمن واستثناء المنفعة فإن ذلك لا يكون إجازة إلا برضى المشتري، فإن رضي به صحت الإجازة وإن لم يرض بذلك انفسخ العقد؛ لأن المطالبة بالزيادة والاستثناء تجري مجرى المساومة، والمساومة لا تكون عقداً وتتعلق بها الأحكام.
وإذا وقع البيع على أرض ثم غرسها المالك أو بنى فيها بناء ثم علم بالبيع وأجازه، إن الغروس والبناء تدخل في البيع بهذه الإجازة؛ لأن الإجازة وقعت من المالك بعد وقوع البناء والغروس برضاه فيكون داخلاً في البيع.
فإن كانت الغروس والبناء قد نقصت من الأرض شيئاً كان المشتري بالخيار؛ لأنه اشترى على صفة يطلب فيها الزيادة فلا يلزمه النقص إلا أن يختاره.(1/232)
وإذا وقع البيع على شجرة وعلى تلك الشجرة ثمرة أو على حيوان وعليه وبر أو في بطنه ولد ثم استهلك المالك الثمر والوبر والولد وقد كان المشتري أدخل الثمرة مع الأصل ثم أجاز المالك البيع، إن الإجازة إذا وقعت وقد استهلك الثمر والوبر والولد كان الخيار للمشتري، فإن اختار البيع وأرش النقصان كان له ذلك، وكان تقدير أرش النقصان أن تقوّم الشجرة مثمرة وغير مثمرة ويكون له ما بين القيمتين، وكذلك القول في الوبر والولد، وإن لم يجيز المشتري المبيع وأرش النقصان بطل العقد وانفسخ؛ لأنه اشترى شيئاً على حال خرج عنها المبيع فكان له الخيار في ذلك؛ لأن من شرط صحة البيع التراضي، والظاهر أن لا رضاً بالنقصان.
وإذا باع الولد شيئاً من ملك أبيه بيعاً موقوفاً مضيفاً للعقد عن أبيه ثم إن أباه قد كان وكله بالبيع أو قد كان الإبن ملكه من جهة أبيه ميراثاً أو سواه صح ذلك ولم يكن لإضافة العقد إلى أبيه حكم، بل هو لغوٌ ولا تأثير له في ذلك؛ لأنه فعل فعلاً على ما هو به.
(ح) ومثله أطلق السيد المؤيد بالله في (المسائل)، وصحح أصحابنا والحنفية أنه لا يكون وكيلاً حتى يعلم، وفرقوا بينه وبين الوصي أنه يكون وصياً وإن لم يعلم.
(ص) ولا فرق بين الوكالة والإباحة المجهولين لأنهما حكمان شرعيان يتناولان رفع الحظر فلا فرق بينهما في جواز التصرف الذي تصرفاه قبل العلم والإباحة، وأما في الاستهلاك فيفترقان، فإذا استهلك أو انتفع قبل العلم بالإباحة يكون آثماً لإقدامه على ما هو محظور عنده في اعتقاده.(1/233)
وإذا باع رجل مال غيره لنفسه لا لمالكه ثم علم المالك بالبيع وأجاز لنفسه كانت الإجازة صحيحة ويملك المجيز الثمن ولا فرق بين أن يكون الثمن نقداً أو عرضاً إذا كان معلوماً لأن نيته في مال غيره لا تخرج المال عن ملك مالكه والمالك أجاز وهو صحيح التصرف فلا مانع من صحة إجازته والمال له في الحالين وكذلك ثمنه.
وإذا باع رجل مال غيره لنفسه ثم أجاز المالك البيع للبائع يريد تمليك البائع الثمن وتمليك المشتري المبيع صحت هذه الإجازة ويكون الثمن للمالك المجيز ولا تأثير لإرادته بالإجازة تمليك الثمن البائع؛ لأنه لا يملكه لمجرد الإجازة، وإذا رد المبيع بخيار الرؤية أو بالعيب كان راجعاً إلى ملك المجيز؛ لأنه هو المالك في الأصل ولا وجه لرده إلى غيره، وإن جاز أن تتعلق بغيره خصومة فالخصومة غير المال.
وإذا باع رجل مال غيره بحق الولاية أو الوكالة أو الوصاية بأقل من ثمن مثله بأكثر مما يتغابن الناس (عليه) بمثله كانت له المنازعة ويحكم الحاكم بفسخ البيع، فإن لم ينازع الولي كان البيع موقوفاً إلى بلوغ الصغير إن كانت الولاية لأجل الصغر، فإن رخصت السلعة حتى صارت قيمتها دون الثمن كان البيع بحاله موقوفاً ولا يؤثر في كونه موقوفاً رخص السلعة؛ لأن الحكم يتعلق بحاله لا بحال السلعة سواء رخصت أم غَلَتْ، وكذلك لو زاد المشتري البائع على ذلك الثمن حتى صار الثمن قيمة للمبيع أو أكثر، إن المبيع يكون موقوفاً إلى بلوغ الصغير؛ لأن الاعتبار بحاله لا بحال السلعة فيكون الحكم لما يتعلق به الاعتبار.(1/234)
[(ح) ولا خلاف بين أصحابنا أن المشتري بالتزام تمام القيمة لا ينبرم البيع في الوكيل والوصي، وإنما اختلفوا إذا باع مال نفسه بغبن فاحش والتزم المشتري تمام القيمة هل يحتاج إلى استئناف العقد أم لا].
(ص) فإن رجعت السلعة إلى الثمن المسمى وأجاز الولي وهو العاقد والبيع موقوفٌ إلى بلوغ الصغير وليس لولي آخر إذا انتقلت الولاية إليه إجازة هذا العقد؛ لأنه قد وقع في حال لا ولاية له فيها فهو كالأجنبي.
والشراء الموقوف بالنية للغير لا يصح ولا يكون موقوفاً ولا ينضاف إلى المشتري بمجرد النية؛ لأن مجرد النية لا توجب التمليك وليس كعقد أيضاً فيقف على الإجازة.
(ح) [قال محمد بن أسعد أيده الله]: وذكر مشائخنا - رحمهم الله - لمذهب القاسم ويحيى والمؤيد بالله - عليهم السلام - أن كل عقد يتعلق بالوكيل كالبيع وسائر عقود المعاوضات فإنه لا يجب إضافته إلى المعقود له.
وكل ما يتعلق بالوكيل كالنكاح والطلاق والعتاق فإنه يحتاج أن يضيف إلى الموكل فيحتمل أن يكون مذهبه - عليه السلام - كذلك، وإنما فرق بين الوكيل وبين العاقد الفضولي الذي ليس بوكيل في أنه يجب إذا كان غير وكيل أن يضيف الشراء إلى المشترى له والله أعلم.
(ص) [والشراء الموقوف بالنية للغير لا يصح ولا يكون موقوفاً ولا ينضاف إلى المشترى له بمجرد النية؛ لأن مجرد النية لا يوجب التمليك وليس بعقد أيضاً فيقف على الإجازة، ولهذا لو نوى البائع البيع ونوى المشتري الشراء من غير لفظ لم يكن بيعاً ولا شراء بالإجماع فكذلك هذا، ويكون المبيع ملكاً للمشتري ويلزمه تسليم الثمن].(1/235)