(ص) وإذا أجاز المالك البيع في حال مرضه والثمن غير جنس ما جرت به المعاملات، إن البيع ينتقض ولا تلحقه الإجازة لجهالة جنس الثمن، والجهالة الواقعة في الثمن أو جنسه توجب فساد البيع إلا أن يكون عالماً بعين الثمن ولا محاباة فيه صح البيع والإجازة.
وإذا وقع البيع بأقل من الثمن أو على غير جنس الثمن وأجاز وهو صحيح ولم يعرف ومات وعليه ديون مستغرقة ماله، إن للوارث الاعتراض في ذلك لأن المطالبة بالدين إليه في مال الميت لأنه بالخيار بين قضاء الدين من مال الميت أو قضائه منه ويكون مال الميت له بالإرث ولا فرق بين أن يكون بأقل من الثمن أو أكثر مما يتغابن الناس بمثله أو بخلاف جنس ما جرت به المعاملات للجهالة الواقعة [المراد به إذا قضوا الدين تبرعاً لا بنية الرجوع] في ذلك ويكون البيع منتقضاً ولا تتبعه الإجازة.
(ح) قال أيده الله الأولى في العبارة أن تكون بما لا يتغابن الناس بمثله؛ لأنه إذا وقع بما يتغابن الناس بمثله فلا خلاف في صحة البيع، وأن الوارث والموكل ليس له نقضه خاصة إذا باع (هو بنفسه).(1/226)


(ص) وإذا أجاز المالك البيع الموقوف وهو يعتقد صحته أو يقلد من يعتقد جوازه، إنه ليس له أن يرافع المشتري مع اعتقاده لصحة ذلك؛ لأن الإعتقاد بمنزلة حكم الحاكم، وكذلك لو رافعه والحاكم يعلم صحة اعتقاده لذلك لم يكن للحاكم أن يحكم بخلاف ما علم منه؛ لأن الاعتقاد بمنزلة حكم الحاكم والحكم لا ينتقض بالحكم فكذلك الإعتقاد لا ينتقض، فإن تغير حاله عن اعتقاد جوازه ورأى بطلان البيع الموقوف لم تكن له المرافعة أيضاً لما تقدم من أن الاعتقاد بمنزلة الحكم فلا ينقض لأنه بترك المرافعة في الابتداء بمنزلة من حكم عليه فلا يجوز له الخروج عن حكم الحاكم.
(ح) لأنه لما باعه وسلمه من المشتري مع اعتقاده لصحته كان بمنزلة العمل المقرون بحكم الحاكم فلم تكن له المرافعة وإن تغير اجتهاده، (ومثله ذكر الشيخ أحمد الكني - رحمه الله - للمذهب).
(ص) وإذا وقعت الإجازة من المالك وقد كان الموقع للعقد قبض الثمن لم يبرى المشتري بذلك بل يجب عليه تسليم الثمن إلى المالك؛ لأن حقوق العقد تتعلق بالمجيز دون العاقد الفضولي؛ لأنه لا ولاية له في قبض الثمن كالأجنبي، فإن كان المالك عالماً بأن الموقع للعقد قد قبض الثمن أو بعضه فأجاز البيع كان إجازة للبيع والقبض جميعاً بخلاف ما لو لم يعلم، فإن كان المشتري قد قبض المبيع من العاقد ثم أجاز المالك وتلفت السلعة قبل تجديد القبض بعد الإجازة إن القبض الأول كافٍ ولا يحتاج إلى تجديد قبض ثانٍ لأن العاقد له شبه بالوكيل ولولا ذلك لم يكن لفعله حكم، فإن تلف بجناية الغير ضمن ذلك الغير القيمة أو المثل.(1/227)


وإذا كان البيع موقوفاً والمشتري قد أوجب عقد الشراء لم يعتبر بقاء المشتري، فإن مات المشتري قبل الإجازة من البائع وأجاز البائع بعد موته صحت الإجازة وانتقل بالإجازة إلى ملك من وقع العقد له ثم إلى وارثه؛ لأن الشراء من جهته عقد صحيح مستقر لكونه جائز التصرف، فمتى وقعت الإجازة صح ذلك.
(ح) والصحيح فيه ما ذكر في أول الباب أن بقاء المتعاقدين شرط في صحة الإجازة.
(ص) وإذا كان المبيع عبداً يعتق على وارث المشتري ولا يعتق عليه ومات المشتري وعليه دين وأجاز المالك البيع، إنه لا يعتق إلا أن يقضي الوارث الدين عتق عليه، وليس ذلك بأبلغ من أن يعتقه الميت بعد موته وليس له مال سواه وعليه دين يستغرق ماله فإن صاحب الدين يكون أولى به كذلك هاهنا، فإن كان هذا العبد المبيع يعتق على المشتري ولا يعتق على الوارث ثم مات المشتري وأجاز البائع المالك البيع وعلى المشتري دين إنه يعتق والحال هذه، ولا تجب عليه السعاية إلا أن يكون الدين مستغرقاً لجميع المال سعى بالقيمة للغرماء لئلا تبطل حقوقهم مع التمكن من استيفائها على بعض الوجوه.(1/228)


والرقبة بمنزلة المال على بعض الوجوه، وإذا علقت الإجازة بشرط حدوث حادث أو انتفاء ما يجوز حدوثه أو بشرط أن يكون الثمن على صفة كذا أو من جنس كذا أو مبلغه كذا إنه لا فرق بين هذه الألفاظ عندنا في صحة الإجازة ويكون الخيار للمشتري في ذلك؛ لأن المسلمين عند شروطهم، وليس في هذه الشروط حصروإنما هي بمنزلة الأوقات وتعليق الأحكام بالأوقات جائز شرعاً، وإن كان فيه بعض جهالة فغايته التعيين الذي يرفع الجهالة، كمن يقول إلى عيد الفطر وعيد النحر، وفيه بعض جهالة لأنه لا يدري أي يوم يكون.
وإذا تلف المبيع وله بدل أو خرج إلى صفة يكون بخروجه إليها استهلاكاً عند بعض العلماء في المغصوبات وما جانسها بعد عقد البيع الموقوف وقبل الإجازة ثم أجاز المالك البيع، إن الإجازة لا تصح على هذا الوجه ويكون العقد باطلاً لعدم المبيع إذا تلف أو في حكم المعدوم إذا استهلك لتعذر القبض وتعذر القبض يبطل حكم البيع.
وإذا اختلف المالك والمشتري في الإجازة فالمشتري يدعيها والبائع ينكرها إن البينة على المشتري بوقوع الإجازة فإن أقام المشتري البينة على الإجازة وأقام البائع البينة على ما يمنع من صحة الإجازة كانت بينة المشتري أولى، فإن وقتت البينتان كانت البينة المتقدمة أولى، فإن اتفقا على وقت واحد سقطت البينتان ورجع إلى الأصل وهو أن لا إجازة، وإن وقتت إحداهما ولم تؤقت الأخرى كانت بينة التوقيت أولى كما في نظائرها.(1/229)


وإذا وقع البيع الموقوف على ثلاثة أشياء ووقعت الإجازة على واحد لا يعينه وهي مستوية أو متقاربة أو مختلفة لم تصح الإجازة لجهالة المبيع وجهالة المبيع توجب بطلان البيع وقد تقدم نظائرها مشاراً إلى علته أو دليله.
(ح) نحو أن يقع البيع الموقوف على ثلاثة عبيد أو غير ذلك من الأعداد فيجيز المالك البيع في واحد لا يعينه، فالحكم ما ذكره عليه السلام.
(ص) فإن أجاز المالك وجعل للمشتري الخيار بقبض أيها شاء وبترك ما شاء صحت الإجازة ويكون الخيار للمشتري بقبض أيها شاء؛ لأن هاهنا الثمن معلوم والمبيع معلوم.
(ح) وبه قال أبو حنيفة (ونصره (ص) زيد لمذهب المؤيد بالله).
(ص) وإذا وقعت الإجازة على واحد معين والثمن سمي مجملاً من غير تمييز، إن هذه الإجازة صحيحة ويثبت بها البيع؛ لأن الثمن معلوم والمبيع معلوم ولم يبق إلى المشتري إلا تعيين الإختيار وقد جعل إليه، فمتى عينه كان العقد على أمر معلوم وكان صحيحاً إلا أن يريد السائل بأن الثمن سمي مجهولاً إنه غير معلوم كان البيع باطلاً لجهالة الثمن كما قدمناه، فإن (كان قد بين الثمن) لكل واحد من الثلاثة ثم وقعت الإجازة على الواحد المعين كانت الإجازة صحيحة ويثبت بها البيع ويملكه المشتري؛ لأن الثمن معلوم والمبيع معلوم، (فإن كان التبس الحال) بطل البيع لجهالة المبيع وليس يمنع خروج الملك عن صاحبه بعد صحة ملكه له باللبس كما يقوله في الثمرة الساقطة بين الشجرتين من جنس واحد تخرج من ملك مالكها باللبس.(1/230)

46 / 97
ع
En
A+
A-