وإذا ملك العقد رجلان ووقع العقد موقوفاً إلى جهتين من مشتريين وأجاز أحد مالكي التصرف أحد العقدين وأجاز الثاني العقد الآخر والتبس أيهما المتقدم والثمن مختلف في مقداره أو جنسه أو نوعه، إن هذين العقدين يبطلان جميعاً لوقوع اللبس والجهالة الواقعة في الثمن، فلو علم تقدم أحد العقدين مع معرفة الثمن صح سواءً كان مما يستهلك به المبيع كشراء ذي الرحم أم لا، فإن كان العقد على ذي رحم محرم للمشتري وكان المشتري غنياً ضمن وإن كان فقيراً استسعى العبد، وإنما قلنا ببطلان العقدين لأن اللبس على قولنا يسقط الملك رأسياً فبأن تسقط توابع الملك أولى وأحرى، فلو مات المعتق لأجل اللبس في هذه المسألة وفي نظائرها حيث تجب السلعة لمعتقه فإن الولاء لا يستحق في هذه المسألة عندنا؛ لأن الولاء إنما يجب لأجل العتق، وهاهنا العتق من الله سبحانه تعالى. [فلا يثبت فيه ولا على ما نختاره؛ لأن الولاء لمن أعتق، والمعتق له الله سبحانه].
وإذا أجاز المالك البيع ولم يعلم مقدار الثمن ثم علم كميته فله نقض البيع إن لم يرض ولا يكون قد خرج عن ملكه بهذه الإجازة إذا لم يرض لأن البيع لا يثبت مع جهالة الثمن.(1/221)


وهذا كما ذكره أبو العباس - رحمه الله - فيمن باع جملة من البطيخ والجوز كل ألف بكذا، إن للمشتري خيار معرفة الثمن، والإمام - عليه السلام - أثبت هاهنا خيار معرفة الثمن للبايع، وكذلك الإجازة له نقضها إذا لم يعلم مقدار الثمن قبل الإجازة؛ لأن الإجازة عقد، كما أن البيع عقد، ولا تكون الإجازة أقوى حالاً من الشراء، فجهالة الثمن تبطله، ولا فرق في ذلك بين أن يبيع بدون الثمن أو مثله أو فوقه، وإن له الخيار بين الرضا والفسخ.
وإذا وقعت الإجازة من المالك وقد وقع البيع الموقوف فله نقض الإجازة إذا علم بالخيار، فإن رضي بذلك صح وإن كان الخيار على حاله، وإن لم يرض بذلك انتقض العقد وانفسخ؛ لأن الخيار أمر آخر تتعلق به الأغراض والأحكام فلا بد من علمه لأن يتصرف المشتري بطيبة من نفس البائع وغير ذلك لا يجوز.
(ح) يعني للمشتري شراء موقوفاً (فسخ الإجازة) لأنها وقعت بعد عقد البيع فكان المالك أجّر ملك الغير فيكون المشتري مخيراً بين إجازته ونقضه، وتقرأ المسألة على هذا التأويل، وإذا وقعت الإجارة بالراء غير المعجمة (والله أعلم).
وذكر محمد بن أسعد أبقاه الله وأيده أن هذه المسألة تحتمل معنى آخر على قول من يثبت للبائع الخيار في بيع ما لم يره، فها هنا إذا وقع البيع موقوفاً والمالك لم ير المبيع قبل ذلك فله خياران:
أحدهما: إجازة البيع الموقوف أو رده.
والثاني: أنه إذا أجاز البيع فله خيار رؤية المبيع بعد الإجازة فبإجازة المبيع لا يبطل خيار الثاني.(1/222)


ومثل [هذا المعنى] صرح في الوكالة، وتقرأ المسألة: وإذا وقعت الإجازة بالزاي المعجمة والله أعلم بالصواب.
(ص) وإذا كان التعامل في وقت الإجازة من المالك للبيع بنوعين أو جنسين من الأثمان ظاهراً فيهما وأجاز البيع من غير علم بنوع الثمن كان له فسخ العقد إذا علم ولم يجيز ذلك.
فإن كان عالماً بالجنسين جميعاً وقد علق البيع بأحدهما وقال: أردت أحد الجنسين، وأنكر الآخر ذلك كان القول قول المجيز على أحد الجنسين الذي ذكره والبينة على المنكر؛ لأن صحة القول في ذلك وفساده مستند إليه فيكون القول قوله، فإن ادعى عليه أنه أراد الجنس [أو النوع] أو النوع الثاني ولم يوجد بينة فعليه اليمين أنه إنما أراد الجنس الذي عينه لأن بصحة قوله أو ثباته بيمينه يثبت الحكم الشرعي والمثبت للحكم الشرعي أولى من النافي له كما في نظيره.
وإذا وقع العقد موقوفاً والثمن عين جنس الأثمان كأن يكون التعامل في البلد بالذهب فجعله طعاماً أو حيواناً ولم يعلم المجيز لذلك، إن الإجازة غير واقعة ولا تحتاج إلى فسخ؛ لأن من شرط صحة البيع أن يكون الثمن معلوماً للبائع والمشتري بالإجماع وهاهنا غير معلوم حال العقد، فلا تثبت الإجازة لأنها إنما تقع على ما يصح في الأصل ويكون خيار الإجازة في الفسخ وذلك على الفور في المجلس لأنه مشتبهٌ بخيار الرؤية وهي على الفور عندنا لما روي في الخبر: ((من اشترى شيئاً لم يره فله الخيار إذا رآه)) والفاء للتعقيب.(1/223)


وإذا وقع البيع موقوفاً على إجازة الوصي للصغير أو أب أو جد ثم بلغ الصبي قبل إجازة الولي فأجاز الولي البيع، إنه لا تلزم الصغير إجازة الولي بعد بلوغه؛ لأنه لا ولاية له عليه في تلك الحال فهو كالأجنبي.
(ح) وذكر أصحابنا لمذهب يحيى -عليه السلام- أن الإجازة لا تلحق، واعتبروا أن يكون المجيز ممن تصح منه الإجازة حالة العقد، كما ذكره في المسألة الأخيرة، [وذكر أن للصبي افجازة بعد بلوغه، كما ذكره الإمام عليه السلام، فيحتمل الفرق بين إجازة الصبي فيما بِيعَ من ماله وبين إجازة غيره في ذلك].
(ص) فإن أجاز الصبي العقد جاز ونفذ؛ لأن الإجازة لمن له ولاية وليست عليه في تلك الحال ولاية لأحد بل هو أملك بنفسه.
وإذا كان للصبي أب وجد وبيع للصبي شيء من ماله بيعاً موقوفاً على إجازة الأب ثم زال عقل الأب بعد عقد البيع، إن الجد لا يملك الإجازة للبيع والحال هذه؛ لأنه كان مع وجود الأب كالأجنبي، فلو قلنا بأن الإجازة تنتقل إليه لأدى إلى التسلسل، وعند عدم الإجازة من قبله ارتفع حكم العقد المفتقر إلى الإجازة.
(ح) هذا هو الأولى لمذهبه كما ذكره أصحابنا لمذهب يحيى وهو قول أبي حنيفة.
(ص) فإن رجع إلى الأب عقله قبل بلوغ الصبي فله أن يجيز العقد؛ لأن ارتفاع حكم فعله كارتفاع حكم الساهي والنائم بخلاف ما لو وقع العقد والأب زائل العقل وعلى غير دينه فإنه لا يملك الإجازة؛ لأنه لا ولاية له عليه وهو بمنزلة الأجنبي كما نبهنا على علته فيما قبل.(1/224)


وإذا عقد على شيء عقدان موقوفان على إجازة المالك فأجازهما بلفظ واحد سقطا جميعاً وبطلا؛ لأن أحد العقدين ليس هو بالثبوت ولا بالسقوط أولى من الآخر.
وإذا عقد رجلان على عبد عقدين أحدهما أعتقه على مال بإذن العبد والثاني باعه وأجاز المالك العقدين جميعاً بلفظ واحد إن العتق يكون أولى؛ لأنه يستفاد به فك الرقبة من الرق، والأصل أنه لا رق والبيع فرع على الملك فهو (فرع فرع)، والأول فرع أصل وفرع الأصل أولى.
ويجب على العبد تسليم المال المشروط عليه لا غير لأنه الذي وقع عليه العتق، فإن وقع العتق على مال والشراء والعبد ذو رحم محرم وأجاز المالك العقدين جميعاً بلفظ واحد، إن العتق على مال والشراء على هذه الصورة حكمهما واحد لإفادة العتق ويغليب الشراء في هذه المسألة؛ لأنه يفيد حكماً شرعياً زائداً وهو عتق ذي الرحم على مشتريه، ولا يكون له ولاؤه؛ لأن معتقه الله تعالى فولاؤه رحمة.
وكذلك العتق إذا وقع على مال ولم يستأذن العبد ووقع البيع وأجاز المالك الوجهين جميعاً، إن العتق يكون أولى؛ لأنه يستفاد به حكم شرعي، ولا فرق بين أن يكون قد أذن العبد أو أجاز بعد العقد لما ذكرناه.
وإذا عقد على شيء عقدان بيع وصدقة وأجاز المالك أحدهما وفسخ الآخر والتبس، إن العقدين يبطلان جميعاً لتنافيهما وليس أحدهما بالثبوت أو بالبطلان أولى من الآخر.
[(ح) والصحيح أن الصدقة لا تقف على الإجازة فيبقى عقد البيع موقوفاً دون الصدقة].(1/225)

45 / 97
ع
En
A+
A-