كتاب النفقات
نفقة القريب المعسر واجبة إذا كان قريبه الغني وارثاً له ولو كان المعسر فاسقاً.
وإذا كان للفقير قريبان يرثانه وأحدهما موسر تعين وجوب النفقة على الموسر وسقط عن المعسر، بل تجب على الموسر نفقتهما معاً، وحد اليسار أن يكون معه ما يكفيه وأهل بيته إلى إدراك الغلة أو نفاق السلعة إن كان تاجراً أو تمام المصنوع إن كان ذا مهنة بعد أن يكون له مال إذا بيع أو قوم بلغ مائتي درهم قفلة.
وإن كان لا يملك إلا دون النصاب لزمته المواساة على قدر الإمكان دون التعيين وإنما تعين النفقة وتفرض إذا كان غنياً الغنى الشرعي.
ومن سلم إلى قريبه نفقة لمدة برئت ذمته، فإن غصبها غاصب فلا يبعد أن يلزمه تجديدها، فإن كان بجناية منه لم يلزمه.
[(ح) وكذلك إن بقيت في يد المنفق عليه يجب على المنفق ثانياً بخلاف نفقة الزوجة؛ لأنها كالدين، ذكره محمد بن أسعد أبقاه الله تعالى].(1/191)
باب نفقة الزوجة
من قدم لامرأته طعاماً مأدوماً في نفقتها فامتنعت من أكله سقط عنه قدر ما يتعلق بذلك الطعام ما لم يتغير أو يعاف وعليه تجديد العرض له ولا يلزمه تسليم الحب ولا الدراهم عوضاً عن ذلك.
وإذا كانت معه في المنزل لزم التقديم والعرض في وقت الغداء والعشاء، وإن كان في جهة أخرى فعليها المطالبة وعليه الأداء ولا تسقط النفقة بترك المطالبة وإنما تسقط بعصيانها لأن الأصل وجوبها فلا يسقطها إلا أمر شرعي، ولا يجب على الحاكم إكراه الزوج على نفقة زوجته قبل المرافعة ما لم ترافعه، ولا يكره على الطلاق.
والخيار في السكنى على المنفق والمتوفى عنها زوجها إذا لم تجد فلها النفقة وتكون آثمة بترك الإحداد إن علمت بوجوبه، ولا تسقط بالمخالفة إلا السكنى، فإنها إن خرجت سقطت السكنى فإن رجعت وتابت رجع الحكم؛ لأنها في حبس الميت لحكم العدة فلزمت نفقتها وكسوتها، والزوجة تتبع زوجها في السفر براً كان أو بحراً، فإن تأخرت سقطت نفقتها وكسوتها، فإن مات في الغيبة ورثته ولها الصداق.
والمعتدة ترد الكسوة بعد انقضاء العدة إلا أن يكون في ذلك عرف فهي لها.
ومن فسخ نكاحها لكونه باطلاً أو فاسداً أو لخيارها في نفسها أو للعان أو ردة أو إسلام أو عيب فإن الفسخ في هذه الأشياء إن كان من قبل الزوج لزمه النفقة مدة الإستبراء، وإن كان من قبل الزوجة فلا نفقة لها، وكذلك إن كان من قبلهما فلا نفقة لها، وأم الولد إذا أعتقها مولاها أو مات عنها فلا نفقة لها في الحياة ولا في تركته بعد الوفاة.(1/192)
باب الرضاع
لا يجوز للرجل التزوج بامرأة رضعت من لبن أبيه فإن كان اللبن لغير أبيه جاز نكاحها؛ لأنها لا تحرم عليه ابنة امرأة أبيه، ومن حرم نكاحها للرضاع حل النظر إليها.
وإذا رضع رجل لبن امرأة كانت مع زوج ثم ماتت وتزوج هذا الرجل غيرها جاز للرضع النظر إلى هذه المرأة؛ لأنها امرأة أبيه من الرضاعة.
وإذا اختلط لبن امرأة بلبن بقر أو غنم وكان لبنها نصفاً أو غالباً فبعد أن يكون في تحريمه خلاف، وإن كان لبنها قليلاً في ضمنه بحيث لا ينبت لحماً ولا ينشر عظماً لم يحرم.
وإذا شهد شاهدان بالمص المتدارك قام مقام مشاهدة جري اللبن في الحلق، فإن جهلا هل في المرأة لبن أم لا فمجرد المص لا تحرم.
والمرأة إذا أرضعت ولداً وهي بكر بعد وطئ زوجها وقبل العلوق فإنه يكون ولداً للزوج؛ لأنه رضع على فراشه فأضيف اللبن إليه.
(ح) وذكر أصحابنا لمذهب يحيى عليه السلام أنه إنما يكون ولد للزوج إذا حملت منه وحصل منه اللبن وإلا فهو ولدها دونه.
(ص) ومن اشترى جارية أرضعت أمها ولده وصارت أخته ثم وطئها سيدها بعد ذلك، إن ذلك جائز؛ لأن الحرمة بينها وبين ولده لأنه أخوها، فأما أبوه فلا حرمة بينها وبينه، ومثل ذلك لا يحرم من النسب.(1/193)
كتاب البيوع
باب البيوع الصحيحة والفاسدة وما يصح بيعه وما لا يصح
من اشترى من السوق خبزاً أو سمناً أو لحماً بأن قال: كيف تبيع، فقال: كذا، فقال: هات، صح من دون ملافظة إذا جرى بذلك عرفهم؛ لأن العرف من الأصول القوية في باب المعاملات.
[حاشية: ومثله حكى أبو العباس عن علي بن العباس عن يحيى عليه السلام، وأما ما ذكر السيد أبو طالب للهادي فلا ينعقد البيع، ومثله حصل الشيخ أبو جعفر لمذهب الناصر للحق عليه السلام].
ومن اشترى جارية وباعها قبل الاستبراء كان البيع فاسداً لإخلاله بشرط يرجع إلى المبيع، فإن تفاسخا كان بحكم الحاكم وإلا جرى مجرى الصحيح.
(ح) [قوله: وإلا جرى مجرى الصحيح] المراد به إذا اتصل به القبض ينفذ فيه تصرفات المشتري إلا الوطئ فإنه لا يجوز في البيع الفاسد بحال، وهو قول يحيى والناصر للحق عليهما السلام.
(ص) فإن علم صحة قول البائع حرم عليه الوطئ إلا بعد الاستبراء، ويملك البائع الثمن ويكون آثماً في البيع على تلك الصفة.
(ح) قوله إلا بعد الاستبراء، المراد به إن علم أن البيع وقع قبل الاستبراء حرم عليه الوطئ وإن علم أنه وقع بعد الاستبراء حلّ الوطئ.
(ص) بالله: وإن تمكن من تعريف المشتري كان عليه تعريفه وللمشتري أن ينازعه لأنه لا يلزمه تصديق قوله في ماله، فإن أخرجها المشتري الثاني عن ملكه كان الكلام ما تقدم إلا أن يصح معها حمل من الأول فيفسخ الحاكم البيع، فإن تصرف المشتري فيها لم يصح من بيع وعتق وغيرهما؛ لأنها أم ولد لا يجوز فيها شيء من ذلك على رأينا، فإن لم يكن معها ولدٌ من الأول بعد العتق.(1/194)
ومن باع فصاً على خاتم أو خاتماً دونه، إنه إذا حصل العلم بالمبيع والحال هذه جاز، والقلع على البائع والنقص عليه؛ لأنه حصل باختياره، وبيع المغصوب وهبته لا يصح إلا أن يتمكن صاحبه منه ثم يبيعه بما تراضيا عليه.
(ح) ومثله ذكر صاحب (المرشد)، لمذهب الناصر للحق عليه السلام ومذهب سائر أئمتنا أنه يصح بيعه من الغاصب وغيره، ومثله ذكر -عليه السلام- عقيب ذلك.
(ص) فإن باعه وهو لا يتمكن من قبضه ولا تسليمه لم يصح البيع وإن لم يعلم هل يتمكن من قبضه من الغير أم لا كان من بيع الغرر، فإن قبله المشتري [بذلك ثم] صار إليه جاز له التصرف لإذن المالك فيه.
والدنانير والدراهم عندنا لا تتعين في البيع؛ لأن ذلك لا يعلم من قصود المسلمين وبذلك جرت عاداتهم، والعوائد أصل في ثبوت الأحكام، والإقالة بالفسخ أشبه لأنها تبطل بالزيادة والنقصان فخالفت حكم البيع.
وربح المغصوب لبيت المال، وربح البيع الفاسد لمن ربحه إذ ذاك لا يملك بحال (وهذا الملك بحال).
وقوله صلى الله عليه: ((الخراج بالضمان)) ورد في عبد استغله رجل لزمه ضمانه ببيع فاسد فإنه يرده ولا يرد عليه إذ هو في ضمانه في ملك ما.
ومن باع أدماً موزونة بميزان ناقص على أنه وافٍ أو ضانية على أنها ماعز أو مخرقة على أنها صحيحة، إن هذا من باب الغش والتوبة مجزية، فإن علم أربابها سلم إليهم ما يجب من التفاوت، وإن جهلوا كان ما يلزم من التفاوت لبيت المال، وإن لم يعرف قدر ذلك أخرجه بالتحري.
ومن كان في يده مال يجب صرفه إلى بيت المال ولم يكن عين بيت المال فباعه صح بيعه؛ لأن له ولاية على ما في يده.(1/195)