كتاب الطلاق
باب ألفاظ الطلاق وأنواعه
الصحيح عندنا في الطلاق الثلاث بلفظ واحد أنه واحدة، والطلاق لا يتبع الطلاق؛ لأن الطلاق إنما يقع لحل العقد فكيف يحل المحلول.
ومن قال لامرأته: هي عليه كأمه وهو لا يعرف الظهار، إنه إن نوى التحريم كان ظهاراً؛ لأن ذكر الظهر هو جزء من الأم، ولا ينقص حال الكل عن حال البعض، وإن نوى الطلاق كان طلاقاً، وإن قال: كأمه أو بمنزلة أمه أو محرمة كتحريم أمه فهو كالأول، وإن قال: إن أتاها فقد أتى أمه، فلغو لا حكم له، وأكثر ما يلزمه احتياطاً كفارة يمين وتجري مجرى قوله: هي عليّ حرام.
ومن خاصم امرأته ونظر إلى غيرها ثم قال للحاضرين: اشهدوا أنها طالقٌ وأوهمهم أنه يعني زوجته، ثم قال بعد ذلك: لم أردها، إن الظاهر أن المطلقة هي التي خاصمها دون من نواها؛ لأن العهد والخطاب يرجع إليها، فإن لم يرافقه دين فيما بينه وبين الله تعالى إن كان ظاهره العدالة.
وإذا قال الزوج: اغربي عني إلى أهلك، ونوى الطلاق كان طلاقاً، ولا يجوز له الرجوع إلا أن يكون رجعياً، والطلاق البائن لا إرث معه سواءً ماتت قبل انقضاء العدة أو بعدها.
والسكران إذا انتهى إلى حالة زوال العقل فلا حكم لأفعاله إلا الطلاق فإنه عقوبة له.
[(ح) وهو مذهب المؤيد بالله خلافاً ليحيى والقاسم عليهما السلام].
وطلاق السنة قد يكون رجعياً، ولا تسقط أحكام طلاق البدعة بل هي ثابتة، وقد يكون طلاق السنة هو الثالث فلا يقع إرث ولا يصح مخالعة الرجل عن ابنته بل مهرها مستقر والطلاق رجعي.(1/181)


(ح) ونص يحيى - عليه السلام - على أنه يصح من الأب أن يخالع الزوج عن ابنته الصغيرة إذا ضمن المهر ويحمله سائر أصحابنا على ظاهره، وهو الظاهر من المذهب.
[ومثل ما ذكره المنصور بالله ذكره الفقيه أبو علي لمذهب الناصر للحق وهو قول الشافعي].
(ص) [وإسقاط الأب للمهر لا حكم له ولا شيء على الأب، ولها المطالبة عند بلوغها]، ولا يصح الخلع إلا مع النشوز وخوف أن لا يقيما حدود الله، وما كان عن مراضاة فهو طلاق رجعي، وأما إذا ترافعا إلينا قضينا بصحة الخلع ومنعنا من استرجاعها إلا بنكاح جديد وولي وشهود؛ إذ الظاهر أنها لا تسقط حقها إلا عن كراهة وخيفة أن لا يقيما حدود الله.
ومن طلق ثلاثاً متتابعة وهو يعتدها ثلاثاً ثم رجع إلى مذهب من لا يراها ثلاثاً لوجه تبين له أو كان مجتهداً ثم رجع جازت له الرجعة من غير تجديد عقد، فإن فعل ذلك لاستحلال النكاح من غير ترجيح كان تمرداً ولا يمتنع انسلاخه من الدين.
ومن أبرى زوج انته عن مهرها وضمن، ثم طالبت المرأة زوجها حكم لها عليه به، ويرجع على أبيها بما ضمن، والطلاق رجعي ما لم يكن منها نشوز.
والمرأة لا تحل إن طلقها ثلاثاً بمجرد عقد زوج ثان وإن مات، وقول أصحابنا إن الموت بمنزلة الدخول فليس إلا في حكم المهر والميراث، ولو خلا بها لاستحقت المهر كاملاً وإن لم يقع وطئ ولم تحل للأول بمجرد الخلوة، والخلوة آكد في حق الزوجية من الموت؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - علق ذلك لشرط وهو: ذوق عسيلتها وعسيلته.
والخلع يصح بإسقاط الدين ورد العين، ومن طلق امرأته وقد خلا بها خلوة توجب المهر والعدة كان رجعياً.(1/182)


ومن قال: امرأتي طالق ثلاثاً للسنة ثم وطئها بعد الرجعية في كل طهر لم يكن طلاق سنة.
ومن خالع امرأته على نفقة أولادها وتربيتهم صح وإن لم تذكر المدة؛ لأن مدة تربية البنت سبع سنين والإبن خمس وخلافه نادر .
(ح) وعند (ش) ثمان سنين، ومثله ذكر المؤيد بالله ، وعند الناصر للحق ست سنين.
(ص) وإذا طلقها على ألف فقبلت كان خلعاً إن كان مهرها دون ألف؛ لأن قبولها يبنى على الكراهة، فإن كان مهرها ألفاً فليس بخلع.
(ح) يعني أنها إذا قبلت أكثر من مهرها (إذا لم يكن) تقدم منها ما يدل على النشوز وكان قبولها أكثر من مهرها دليلٌ على نشوزها، [فأما إذا لم يظهر منها نشوز فإن قبولها قدر مهرها] لا يدل على نشوزها فيقع الطلاق رجعياً في الظاهر، والصحيح أنه خلع على الوجهين [جميعاً ذكره آنفاً].
(ص) وإذا خالع زوجته الصغيرة لم يكن بائناً لأن كراهتها لا حكم لها وكذلك كراهة أبيها، وإذا ابتدأت المرأة ببذل الزيادة على المهر في الخلع لم يصح بذل الزيادة.
(ح) ومثله حصل المؤيد بالله لمذهب الهادي - عليه السلام - والشيخ أبو جعفر لمذهب الناصر للحق، وذكر أبو العباس أنها إذا تبرعت ببذل الزيادة جاز (للزوج أخذها).
(ص) فإن كانت قد أبرأته من مهرها أخذ مثله إن شاء طلاقها أو طلقها من غير شيء.
فأما قوله تعالى: ?فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا?[النساء:4] فإنه يريد المهر والهاء في ?مِنْهُ? يرجع إليه.
وفي زوجين تشاجرا فقال الزوج لها: قد جعلت طلاقك لصداقك، فقالت: قبلت ذلك، كان ذلك خلعاً؛ لأن الخصومة دليل النشوز ولا رجعة له عليها.(1/183)


باب ذكر الطلاق المشروط
ومن تزوج صغيرة من غير أبيها ثم طلقها قبل البلوغ بشرط التبرئة من المهر، إن الطلاق موقوف إلى بلوغها، فإن أبرأت زوجها صح الطلاق وإلا لم يصح.
ومن حلف بطلاق امرأته ساهياً لا أتت مدة إلا وقد دخل فلان البلد ولم يحد المدة، إن اليمين بالطلاق على هذا الوجه لا يلزمه؛ لأنه علقه بمجهول، فإن مات فلان قبل دخول البلد طلقت المرأة.
(ح) يعني لا يلزمه في الحال، ويتحقق ذلك لموته كما قالوا فيمن قال: إن لم أدخل الدار فأنت طالقٌ ولم يعين مدة فإنه يتحقق ذلك الدخول بموته.
(ص) ومن قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، إنها تطلق وقت الدخول لأنه وقت الطلاق وبه دون غيره من الأوقات فيقف عليه سواء وقع الدخول قبل قوله أو بعده.(1/184)


باب العدة
والحامل لا تنقضي عدتها إلا بالوضع سواء وضعته حياً أو ميتاً، وإذا وضعت الولد حياً أو أسقطته ميتاً لدون ستة أشهر من وقت الحمل فإنها تعتد بالحيض لأنه الأصل؛ لأن الظاهر من ذوات الأحمال هي من وضعته لأقل الحمل وهو ستة أشهر.
[(ح) هذا هو الصحيح عنده وعند سائر أئمتنا عليهم السلام].
(ص) وقال - عليه السلام - في موضع آخر: إذا وضعت المطلقة ما تبين فيه أثر الخلقة ثم طهرت حلت لأنه وضع على بعض الوجوه تتعلق به الأحكام.
والسفينة إذا ضلت بأهلها فحكمهم حكم المفقودين لا تعتد نساؤهم ولا تقسم مواريثهم إلا بعد صحة موتهم.
(ص) وإذا وطئ المطلقة البائن في العدة جاهلاً أو عامداً فلا حكم لوطئه، فإن تزوجها لم يحتج إلى استبراء [وإن تزوجها غيره لزمه الإستبراء] من دون انتظار عدة؛ لأن التكليف من ذلك معلق بها.
(ح) [قال محمد بن أسعد] الأولى في معنى هذه المسألة أن الزوج الثاني لما تزوج بها في عدة من غيره ودخل بها فإن النكاح باطل ويلزم من ذلك استبراء من الوطء الثاني وإتمام العدة من الأول، فقال - عليه السلام -: تستبرئ أولاً ثم تتم العدة ولا تنتظر بالاستبراء تمام العدة كما نص عليه في (التحرير) فيمن تزوجت في عدة من زوج.
(ص) ومن طلق امرأته ثم تزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فالواجب تمام العدة الأولى وما تخلل من النكاح في العدة لا عدة له ولو كان الطلاق الأول قبل الدخول فوجود الطلاق الثاني كلا وجود في سقوط العدة.(1/185)

37 / 97
ع
En
A+
A-