والصحيح أن البائع إذا اختار أخذ الجارية أن يلزمه المهر للمشتري لأنه ما حصل في ملكه كسائر النماءات، فإن بلغت الجارية عند البائع قبل قبض المشتري لها فالأولاد والمهر للمشتري، ذكره الأستاذ أبو يوسف، ومثله حصل الشيخ أحمد بن أبي الحسن الكني أسعده الله من المذهب وأكثر المشائخ المتأخرين ذكروا أنه لا يلزم البائع رد المهر وسائر النماءات وأنها تكون له دون المشتري.
قال (ص) بالله: ويجب في المبيعة رد الثمن، وفي الممهورة القيمة، وفي عرض الإجارة القيمة أو المثل إن كان من ذوات الأمثال.
[(ح) هذا ما ذكره - عليه السلام - في الممهورة والمعوضة ومثل ما قال في سقوط الحد مع العلم والجهل، قال أبو العباس لمذهب يحيى - عليه السلام -: فأما الأخوان: فألا يسقط الحد مع الجهل دون العلم، ويجب المهر على قولهم جميعاً عند سقوط الحد ولا يثبت بالنسب.
قال: فإن رجع الولد إليه بعد طلاقه لها عتق عليه ولا تكون الجارية أم ولد له ويكون عتقه بإقراره بأنه ولده عند الولادة لا لأجل ثبوت نسبه منه، فإنا قد بينا أنه لا يثبت نسبه منه، وحكي عن يحيى أنه على قولين في كون الجارية أم ولد له]*.
(ص) وأما المرتهن والمستأجر والمستعير والمباح له إذا وطئ الجارية فإنه يسقط الحد مع الجهل دون العلم ولا يلحق النسب في الحالين.
[(ح) وما ذكره - عليه السلام - هو مذهب الناصر للحق، ومثله ذكر السيد أبو طالب.
قال المؤيد بالله في المرهونة: لا حد على المرتهن ولم يفصل بين العلم والجهل ونصره أكثر المحصلين له.
فأما النسب فلا يثبت على قولهم جميعاً ويلزمه المهر للراهن حيث يسقط الحد].(1/176)
(ص) وفي جارية بين ثلاثة جاءت بولد وادعوه جميعاً ومات أحدهم إن النسب يلحق بهم وتكون أم ولد لهم كلهم ولا تعتق إلا بموت الباقي.
وقال - عليه السلام -: ولا يجوز للمرتهن وطئ الجارية المرهونة عنده ويكون [زان]، فإن كان لا معرفة له بالإسلام لجفاوته وقلة مخالطته للعلماء وظن جوازه كان ذلك شبهة ولحق به النسب وعليه قيمته، ولا تخرج الجارية عن ملك مالكها بالولادة من المرتهن، وإن كان ممن له معرفة ومخالطة للعلماء أقيم عليه الحد.
ومن وطئ جارية نفسه المرهونة فحملت وولدت كانت رهناً على حالها وإن لم يجد لها فداءً سعت في قيمتها وهي لسيدها مدة حياتها وديتها دية مملوكة.
[حاشية: قال أبو طالب - عليه السلام -: فإن رجع الولد إليه في الجارية المعوضة عتق عليه ولا تكون الجارية أم ولد له، ويكون عتقه لإقراره أنه إبنه عند الولادة لا لأجل ثبوت نسبه منه، وحكي عن الشافعي أنه على قولين في ثبوت الجارية أم ولد له (رجع)].
ومن أعتق أمته وشرط وطئها أي وقت أراد وقبلت الشرط صح العتق وبطل الشرط، ولا يجوز له الدنو منها بعد العتق؛ لأنها لا زوجة ولا ملك يمين.
ومن أعتق نصيبه من الجارية عتقت الجملة، فإن جهل الشريك أن العتق في نصيبه لا يمضي واعتقد بجواز الوطئ دُرِأَ عنه الحد للجهل.
(ح) ويلزمه العقر لها ويلحق نسب الولد به؛ لأنه ولد الحرة، وأما مع العلم بالتحريم فيكون زانياً من جميع الوجوه.
(ص) وفي رجل وطئ جارية ابنه أو جارية ابنته وادعى الجهل واعتقد جواز ذلك دُرِئ عنه الحد وضمن قيمة الولد ولحق نسبه لقول النبي صلى الله عليه: ((أنت ومالك لأبيك)).(1/177)
(ح) (قوله: ضمن قيمة الولد و)الصحيح في ذلك أنه لا يلزمه؛ لأنه يعتق على أخيه (وهو مذهب جميع أئمتنا عليهم السلام).
(ص) ولا تعتق الجارية بذلك وعليه العقر.
(ح) [أما العقر فيلزم] وهو مذهب الناصر للحق - عليه السلام -، وعند القاسم ويحيى و(م) بالله - عليهم السلام - وأبي حنيفة: يعتق الأمَة على الإبن ويلزم الأب قيمتها يوم حبلت ولا يلزمه العقر ويدخل ضمانه في ضمان القيمة، ذكره السيد أبو طالب رضي الله عنه.(1/178)
باب ذكر الاستبراء
الإستبراء شرع في الأصل لحفظ النسل، فالإستبراء على البائع إن كان قد وطئ أو استمتع وعلى المشتري ليجدد الملك.
والبائع إذا لم يطأ ولم يستمتع جاز له البيع وكذلك إن كان البائع امرأة، ويجب على المشتري احترازاً من وطئ الغير واستمتاعه.
[حاشية: والصحيح ما ذكره في آخر الباب أنه يلزمه الإستبراء وإن لم يطأ، وهو مذهب سائر أئمتنا عليهم السلام].
ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة إذا كانت تصلح للوطئ.
ومن تصدق على غيره بأمة أو وهبها له جاز له الاستمتاع من دون وطئ إلى أن تصح براءة الرحم أو يمضي شهر، وكذلك المشتري لأنها ملكه وإنما منع من وطئ الحامل حتى تضع والحائل حتى تحيض لقوله صلى الله عليه: ((لعن الله من سقى زرع غيره)) والاستمتاع ليس بسقي ولا وطئ.
والجارية إذا أعتقها سيدها بعد الشراء من دون أن يستبريها صح العتق وجاز عقد النكاح عليها ويحرم الوطئ، ويستوي سيدها وغيره في ذلك؛ لأن الأصل أن لا توطأ حائل حتى تحيض ولا حاملٌ حتى تضع، فإن وطئها سيدها بعد الاستبراء ثم أعتقها وتزوج بها فله وطئها بعد الاستبراء؛ لأن الوعد وقع فيمن سقى زرع غيره وهذا زرعه.
والجارية المشتراة إن كانت آيسة أو صغيرة استبريت لشهر، وإن كانت من ذوات الحيض تربصت أربعة أشهر وعشراً؛ لأنها المدة التي يتيقن فيها براءة الرحم، ثم يجوز لسيدها وطئها.
[(ح) يريد التي انقطع حيضها لعارض وهو قول (م) بالله].
(ص) ومن اشترى جارية وهي حامل من زنا أو غيره لم يجز له أن يطأها لقول النبي صلى الله عليه: ((لعن الله من سقى زرع غيره)) وهو عام.(1/179)
والجارية إذا باعها سيدها وهي في عدة من طلاق رجعي أو بائن أو وفاة أو نفاس فإنه لا يجب على البائع الاستبراء إلا أن يطأ، ولا يلزم الواهب استبراء إلا أن يكون قد وطئ، ويلزم الموهوب له وكذلك يلزم الوارث والموصي له الاستبراء لتجدد ملكهما.
وقال - عليه السلام -: الظاهر وجوب الاستبراء من الماء، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: ((لعن الله من سقى زرع غيره)).
ولا فرق بين أن يكون الماء من المالك أو غيره في وجوب الاستبراء، ويجوز أن يقع الماء في مملوكه المرأة والصبي من زنا وغيره، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - يوم سبايا أوطاس: ((ألا لا توطئ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض)).
وفي حديث آخر: ((لا يحل لعبد يؤمن بالله واليوم الآخر يطأ امرأة حتى يستبريها)).
وإذا أعتق أمته بعد استبرائها صح العتق وجاز أن يزوجها ولا يطأها الزوج حتى يستبريها.
ومن أراد بيع أمته الصغيرة استبراها بشهر سواء وطئها أم لا.
(ح) هذا هو الأصح من قوله وهو مذهب يحيى -عليه السلام- والناصر، وعند المؤيد بالله: يجب على المشتري دون البائع.
(ص) والمشتري إذا وطئ قبل الإستبراء فقد أخطأ ولا حد عليه؛ لأنه وطئ ملكه.(1/180)