(ح) إن كان جاهلاً، ذكره أصحاب الشافعي وقالوا: لا حد عليه للشبهة ولا مهر؛ لأنه لو وجب لوجب له ولو ولدت كان الولد حراً، قالوا: وإن وطئها غير الموقوف عليه استحق الحد، فإن ولدت كان الأولاد وقفاً كالأم.
قال السيد أبو طالب في (الشرح): وذلك يقرب على أصلنا إلا قولهم: إنه لا حد عليه للشبهة. فإن المذهب يقتضي خلافه، عني - رضي الله عنه - أن الحد إنما يسقط عنه لجهله بتحريم الموطوءة لا لكونها وقفاً عليه.
قال الفقيه مهدي: ولم يذكر أصحاب الشافعي ولا السيد أبو طالب أنه هل يلزمه قيمة الأولاد أم لا].
[حاشية: قوله - عليه السلام -: فإن وطئ الموقوفة عليه واستولدها سقط الحد ولحق النسب إلى آخر ما ذكره، اعلم أن هذه تشتمل على أربع مسائل:
إحداها: سقوط الحد وهو لقيام الشبهة.(1/171)
والثانية: ثبوت النسب وكون الأولاد أحراراً، وذلك لأنه لما سقط الحد وجب أن نثبت نسب الأولاد ويكونوا أحراراً، وذكر عليه السلام في علة كونهم أحراراً لأنهم حصلوا في ملكه، ففي هذا إشارة إلى أن رفبة الأمة الموقوفة ملكٌ للموقوف عليه كما قال الشافعي في أحد قوليه، وقوله الثاني أن رقبتها ليست بملك لأحد وإنما هي حق لله تعالى وهو الصحيح من قوله، ذكره أصحابه وهو الظاهر من مذهب أصحابنا - عليهم السلام -، وهو أيضاً رأي إمامنا - عليه السلام -؛ لأن من ذهب في أصحاب الشافعي إلى القول الأول يثبت للأمة أم الولد به، ومن ذهب إلى القول الثاني لا يثبت لها ذلك والإمام - عليه السلام - لم يثبت لها أم الولد به. فإن قال لا تصير الأمة أم ولدٍ فإذا كان الحال هذه احتاج قوله عليه السلام حصل في ملكه إلى زيادة بيان، فإذا كان الأمر على ما ذكرنا من قولهم يحتمل أن يقال في قوله عليه السلام لأنهم حصلوا في ملكه أنه إنما ذكر ذلك على طريق التوسع حملاً على ظاهر حال اعتقاد الموقوف عليه أن الموقوف عليه لما رأى وعلم أن منافع الموقوفة له ظنّ أن الوطئ يحل له أيضاً لأنه من منافعها، فإذا كان الوطئ وقع على هذا الوجه كان الولد كسائر منافعها التي تحصل من كسبها فوجب أن يكون الولد ملكاً له على مقتضى اعتقاده لكن لما لم تكن رقبة الأم ملكاً له لم يكن الولد أيضاً ملكاً له، فينبغي على ظاهر الحال أن يكون وقفاً كالأم لكن لما اقترن به الدعوى وجب ثبوت النسب مراعاة لاعتقاده وحرمةً لمائه وترجيحاً للحرية على الوقفية لوجود الشبهة الملكية؛ لأن الشبهة هاهنا داخلة في الموطوءة(1/172)
لا في الوطئ كما قال أصحابنا في الجارية المعمرة.
والثالثة: سقوط قيمتهم عنه، وذلك لأن القيمة لو وجبت عليه لوجبت له فلا معنى لإيجاب القيمة عليه له لأنه في الحقيقة وجبت وسقطت؛ لأن حال الوجوب والسقوط واحد، فعلى هذا وجب أن يكون حكم العقر كذلك، ومثله ذكر أصحاب الشافعي.
والرابعة: ثبوت أم الولدية لها؛ لأن ذلك إنما يثبت فيمن كانت ملكاً للواطئ ملكاً تاماً أو غير تام حال الوطئ والولادة، أو حصل الملك بعدهما؛ لأن الإستيلاد في ملك الغير يصح وهو غير مالك لرقبتها، وأيضاً لو حكم بكونها أم ولدٍ لوجب حريتها بعده من ماله وذلك غير متأتٍ في ذلك؛ لأنها بعد موت الموقوف عليه تصير للفقراء أو للمصالح على اختلافٍ في ذلك، ثم الإمام عليه السلام لم يفصل فيما ذكر بين أن يكون الوطئ مع الجهل أو العلم بالتحريم فيحتمل أن يكون المراد به إذا كان الوطئ مع الجهل بتحريمه دون العلم قياساً على وطئ المعمر الجارية المعمره.
فعلى هذا لو حصل الولد فيما ذكرناه قبل من غير الموقوف عليه أو منه من غير دعوى منه للولد فإن الولد يكون وقفاً كالأم ومنافعه للموقوف عليه كمنافع الأم وكنتاج غيرها من الحيوان فلا يكون الولد ملكاً له بخلاف ثمرة الشجرة الموقوفة على معين فله تمليكها الغير قبل اجتنائها وبعده، ويلزمه فيها العشر على الأصح من المذهب؛ وذلك لأن الثمرة واللّبن لا يصح وقفهما ابتداءً فصح وقفيته أيضاً تبعاً للأصل.(1/173)
فعلى هذا لو زوّج رجل أمته من رجل ثم وقفها عليه فينبغي أن لا ينفسخ النكاح ولا يرد عليه خلل ولا يحرم عليه وطئها؛ لأن طروء الوقف على النكاح ليس بآكد وأزيد من طروء العتق عليه ولا يجدد الملك المالك، فإذا لم يحرم عليه وطئها بطروء العتق وانتقال الملك إلى مالك آخر وجب أن يكون كذلك هاهنا أيضاً، والله أعلم بالصواب. ذكر هذه الجملة شيخنا أبو يوسف طول الله عمره وشرف قدره].
قال: والأولى عندي أنه يلزمه قيمة الأولاد وتصرف في مصرف الوقف.
(ص) فإن مات الموقوف عليه والجارية قائمة بعينها كان للواقف أن يعين لها مصرفاً ثانياً ولا تكون له أم ولد ولا يكون حكمها حكمها ويكون أولادها أحراراً، ومنافع الأم على المصرف من الواقف وإن لم يتبين لها مصرفاً كان مصرفها إلى المصالح، وإذا كان مصرف الجارية المصالح ووطئها واطئ واستولدها لم يخل حال الواطئ إما أن يكون غنياً أو فقيراً، فإن كان فقيراً سقط الحد مع الجهل والعلم ولحق النسب، وإن كان غنياً ووطئها جاهلاً بتحريم ذلك سقط الحد ولا يلحق النسب، وإن كان عالماً بتحريم ذلك لزمه الحد، فإن وطئ الجارية المغنومة، فإن كان الواطئ من الغانمين سقط الحد مع العلم والجهل ولحقه النسب وتلزمه القيمة للجارية لا غير.(1/174)
[(ح) ومثله نص أئمتنا فيمن سرق من بيت المال أو وطئ جارية مغنومة من الغنيمة قبل القسمة إذا كان من الغانمين فإنه يسقط عنه الحد مع العلم والجهل كما في الجارية المشتركة غير أنهم لم يثبتوا نسب الولد إن ادعاه ويلزمه العقر ويجب ردها إلى المصالح كالأمة، ولا تكون الجارية أم ولد له وسقوط الحد ووجوب العقر لا يدلان على ثبوت النسب في أولاد الإماء فإن النسب في أولادهن لا يثبت لمجرد شبهة الوطئ ولا بد فيه من أن يكون مستنداً إلى عقد أو شبهة عقد أو ملك أو شبهة ملك بخلاف ثبوت النسب في أولاد الحرائر.
ونص محمد بن عبد الله - عليه السلام - أن الحد يسقط والمهر يلزم ولا يثبت نسب الولد، ويجب رد المهر والجارية والولد إلى الغنيمة، وهو مذهب جميع أئمتنا - عليهم السلام - إلا ما حكي عن السيد أبي طالب أنه إن كان عالماً بالتحريم لزمه الحد]* *.
(ص) بالله وإن كان الواطئ من غير الغانمين لزمه الحد مع العلم والجهل لأنه لا ملك له ولا شبهة.
وإذا كانت الجارية قد خرجت عن ملك الواطئ بحيث لا خلاف فيه كالمبيعة قبل القبض والممهورة والمعوضة عن الإجارة فإن الحد يسقط عن الواطئ مع العلم والجهل ويلحقه النسب؛ لأنه وإن كان ملكاً فهو غير تام وينتقض البيع والمهر والعوض.
(ح) هذا مذهبه - عليه السلام - والمذكور في (التحرير) وشرحه: أن النسب لا يثبت منه بحال، فأما ذكر المهر فلم يذكره السيد أبو طالب كما ذكره في الجارية المغنومة.(1/175)