ومن تزوج بامرأتين في عقد واحد وهما ممن لا يصح الجمع بينهما كان النكاح باطلاً، فإن تزوج بهما في عقدين صح نكاح من تقدم العقد عليها، فإن التبس المتقدم منهما بطلا جميعاً، فإن علم أن إحدى نسائه أخت له من الرضاعة انفسخ النكاح لمجرد العلم، فإن صدقته وجب لها الأقل من المسمّى أو مهر المثل، وإن لم تصدقه في ذلك كان لها المسمّى بالغاً ما بلغ إذا كانت مدخولاً بها، فإن تزوج بخامسة ثم التبست فإن كان دخل بهن كلهن فارقهن معاً لدخول الالتباس، وتكون المفارقة بالطلاق وبجواز صحة النكاح على كل واحدة منهن، وإن كان قد دخل ببعضهن صح نكاح المدخول بها، فإن كانت التي لم يدخل بها خامسة تعين التحرز فيها لكل وجه، وإن لم يكن دخل بواحدة منهن اعتزلهن كلهن؛ لأن الحظر والإباحة متى اجتمعا كان الحكم للحظر، وإن عقدا النكاح معتقدين لصحته عند الشروع فيه لم تصح المرافعة مع اتفاق المذهب، فإن رجعا إلى مذهب ثاني عملا بالمذهب المرجوع إليه من يوم رجعا إليه، فإن رجع أحدهما دون الآخر ترافعا إلى الحاكم، وإذا عقدا النكاح وهما جاهلان لحكمه أو أحدهما وترافعا وحكم الحاكم بصحته لزمهما القبول؛ لأن حكم الحاكم في الاجتهاديات ينزل عند أهل العلم منزلة النص في المنصوصات، فإن صارا إلى اعتقاد فساده جميعاً لا عن تقليد عملا بما صارا إليه وانفسخ النكاح بينهما من دون مرافعة، فإن أحبا استأنفا عقداً صحيحاً وإلا لم يحل الإستمرار على ذلك الأول مع اعتقادهما لفساده ولو لم يفسخاه كان للإمام أو الحاكم من قبله فسخه من طريق الحسبة والتفريق بينهما.(1/151)


باب ذكر ما ينعقد به النكاح
وإذا كتب رجل إلى آخر أو أرسل: تزوج ابنتي على ألف، فوصل الكتاب أو الرسول فقال: تزوجت صح، وكذلك إن كان الكاتب الزوج وهذا إذا كان ولي المرأة والشهود حضوراً عند قوله، (وإن كاتب المرء قبله) من الزوج لم يقع اعتبار بالشهود عند مكاتبته؛ لأنه سؤال وليس بعقد، فكانت الشهادة عند قول الأب أو الولي: زوجت فلاناً.
وإذا قال رجل لآخر: نحلتك أختي، وأراد النكاح وقَبِلَ الزوج صحّ، وإن لم ينوه لم يكن له حكم؛ لأن مع النية يكون كالهبة ومن دونها كالإباحة.
[(ح) قوله: لم يكن له حكم، أي: لا يكون لهذا اللفظ حكم في انعقاد النكاح به إذا لم تكن معه إرادة النكاح، فأما عند سائر أئمتنا - عليهم السلام - فلفظ: نحلت، لا ينعقد به النكاح أصلاً نوى أو لم ينو].
(ص) ومن قال لامرأة: هبيني نفسك، فقالت: وهبتكها، وأجاز الولي صح وسواءً أجاز الولي في المجلس أو بعده في صحته.(1/152)


باب ذكر الأولياء والأكفاء
وإذا غاب الولي غيبة لا يبلغه الكتاب في مسافة شهر ذاهباً وراجعاً صار في حكم الغائب غيبة منقطعة وانتقلت الولاية إلى أقرب الأولياء بعده، وإن عدم انتقلت إلى الحاكم، وهذا في المرأة الخطيرة قدراً ومالاً، فأما الفقيرة (فلا تنتظر) مدة شهر سواء كانت جهته قريبة أو بعيدة فإنه متى مضى الشهر ولم يتمكن من وصوله بسبب من الأسباب الممكنة بطلت ولايته.
وقال - عليه السلام - بعد ذلك: إن كانت المرأة من أطراف الناس وكان وليها على مسافة ثلاثة أيام زوجها الحاكم برضاها، وإذا رضيت المرأة ووليها الأقرب بنكاح من ليس بكفؤ صح ولم يعترضه إنكار من بعد من الأولياء، وللوصي تزويج الصغيرة.
(ح) ومثله نص يحيى - عليه السلام - في (الأحكام) وقال (أبو العباس): المراد به إذا أوصى إليه بذلك، قال أبو طالب: المراد به إذا عين الزوج، قال المؤيد بالله: المراد به إذا لم يكن أحد من العصبات ولا إمام ولا حاكم.
(ص) والإنكاح إلى العصبات، وهو ينتهي إلى حيث ينتهي الإرث؛ لأن التعصيب بالقرب إلا في الجد والأخوة فترك الإنكاح إلى الجد دون الأخ.
وبنات العباس بن علي أكفاؤهن بنو علي -عليه السلام- لا كفؤ لهن سواهم.
ومن زوجها أخوها من فاسق ولم يعلم بفسقه وكان فسقه تصريحاً فلها الخيار وهو من العيوب، وإن كان تأويلاً فلا خيار لها.
وابن العم أولى من عم الأب بإنكاح ابنة عمه، وكذلك هو أولى من عم الجد، وابن ابن العم أولى من عم الجد وأحكام بنيهم تتبعهم، والوصي بإنكاح الإبنة الصغيرة من رجل أولى من الإمام.(1/153)


(ح) [قوله: والوصي بإنكاح الإبنة] ومثله نص يحيى -عليه السلام- في (الأحكام) وقد تأوله أئمتنا على وجوه مذكورة في كتبهم.
(ص) فإن كانت ولايتها بالوصية فالإمام أولى.
(ص) وأولاد فاطمة أكفاء ولا ينكح منهم سواهم؛ لأن أزواج النبي - صلى الله عليه وآله - حرمن على الأزواج بعده لشرفهن بملامسته فلأن تحرم ملامسة بنات ابنته أولى وأحرى؛ لأن حرمتهن أشد وشرفهن أعظم؛ لأنهن بعض منه - صلى الله عليه وآله - وما وقع من إنكاح كثير منهن للصحابة ومن بعدهم فلأمور عارضة تبيح المحظورات كما في سائر ما يحصل من تناول مال الغير والميتة وقتل المتترس به من أولاد المسلمين في الحرب خيفة فوات الكافرين والفاسقين وما أشبهه.
والجارية الموقوفة يزوجها الواقف في حياته، والمهر لمن له منافعها وكذلك أرش الجناية.
وولاية النكاح إلى العصبة فإن عدموا فإلى الحاكم، وإذا زوج أحد الشركاء الجارية صح كالمرأة إذا كان لها وليان في درجة واحدة.
[حاشية: قوله: وإذا زوج أحد الشركاء الجارية الأولى في هذه المسألة أن لا يصح النكاح ولا يشبه مثله الوليين].
وإذا عقد على المرأة وليان مستويان في القرب على سواء برضاها بطل هذان العقدان؛ لأن كل واحد منهما ليس هو بالثبوت أولى من الآخر، فإن كانت صغيرة وعقد عليها أبوها صح العقد.(1/154)


وإذا استناب الأب والجد نائبين ووقع العقدان في وقت واحد بطل العقدان جميعاً، فإن كان أحد العقدين من الوليين غير الأب أو الجد متقدماً وهما جميعاً برضاها والتبس أيهما المتقدم فإن حكم هذين العقدين يرتفع لمجرد اللبس على ما نرى، فإن دخل بها كل واحد منهما وجب لها النصف من المسمى والنصف من مهر المثل ويسقط الحد عن الزوجين مع الجهل بالتحريم لأجل الشبهة، ويلحق النسب ويجب الاستبراء.
وأما الميراث فإن ماتا جميعاً فلها الميراث من كل واحد منهما، وإن مات أحدهما استحقت الإرث منه، وإن ماتت هي كان ما يستحقانه من الإرث مصروفاً إلى بيت المال؛ لأنه مال لا مالك له معين.
وأما حكم التحريم بعد الدخول وقبله فأحكامها مختلفة، فقبل الدخول لا تحرم عليه أمها ولا ابنتها ولا تحرم هي على أولادهما وآبائهما، وأما مع الدخول فإنه تحرم عليه ابنتها للخبر الوارد عن النبي صلى الله عليه، وتحرم على أولادهما وآبائهما، وتحرم الأم، وتوجب حرمة المصاهرة كالنكاح الصحيح.(1/155)

31 / 97
ع
En
A+
A-