باب ذكر كيفية استيفاء الزكاة وإخراجها
لا يجوز إخراج الزكاة ولا شيء من الحقوق إلا برأي الإمام أو من يكون من قبله، فإن أخرجها جهلاً سقط عنه الإثم لجهله ما لم يكن متمكناً من السؤال والإستفتاء ولزمه الضمان، وإن كان أخرجها عالماً بوجوب دفعها إلى الإمام أو قصّر في السؤال أثم وضمن.
وأما الآخذ لها فإن كان أخذها معتقداً لجواز الأخذ في عصر الإمام كان رده لأنه خلاف المعلوم من دين النبي - صلى الله عليه وآله - ضرورة، وإن أخذها مع علمه بأنه لا يجوز له الأخذ كان فسقاً؛ لأن المعلوم لكل المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في الأموال التي مصرفها إلى الإمام إلا عن أمر ولي الأمر وإن اختلفوا في تعيين ما يجب مصرفه إلى الإمام وما لا يجب، ولا لكون من نأ عن بلد الإمام أو عن تمكنه معذوراً في إخراج الواجب إلى سواه أو نائبه فإن صرف من دون ذلك كان للإمام أو نائبه المطالبة بالغرامة.(1/121)


ويستحب للنائب الإشعار بالمطالبة ولا أوجبه بعد ظهور الدعوة، وإذن الإمام لواحد من الدافع أو القابل إذن لهما إذا علما الإذن، وإن علم الدافع دون الآخذ لم يجز له الآخذ حتى يعلم، فإن أخبره الدافع بالإذن وصدقه في خبره جاز له الأخذ، وإن اتهمه لم يجز وسواء كان المخبر الآخذ أو المعطي جاز الأخذ والإعطاء مع غلبة الظن إلى صدقه، ولا خلاف أن من بعد أو قرب من الإمام وغلبت عليه الظلمة يجب عليه أن يلتزم طاعة الإمام في جميع أموره ويسلم الحقوق إليه، وإنما الخلاف في الذهب والفضة وما جانسهما، فعندنا يجب تسليمه إلى الإمام، وسبب غموض ذلك قلة هذا الجنس في عصر النبي -صلى الله عليه وآله- وإلا فدليل ذلك ظاهر في حديث العباس وخالد بن الوليد وسؤال العمال لهما زكاة أموالهما وهي ذهب وفضة وتجارة، ولم يسألوا إلا ما علموا أن النبي -صلى الله عليه وآله- يطلبه، وأحكام الله سبحانه لا تسقط بعصيان أهل البلد، وما يؤخذ ممن امتنع من الزكاة فحكمه حكمها؛ لأن النية فيه نية الإمام إلا المصرح بالجبر والتشبيه فماله كالفيء لكفره.
ومن عزل زكاته بأمر وكيل الإمام فضاعت أجزته، وكذلك إن شك في ضياعها وإن كان عزلها بغير إذن فهو ضامن.
ومن وكل غيره في إخراج الحقوق عنه فالزكاة أولاها وإن عرف منه خلاف ذلك لم يخرجها لأنها طاعة تفتقر إلى النية إلا أن يأمره الإمام أو نائبه بذلك جاز ذلك وأجزى.
ومن ملك مائة دينار وعليه دين مثلها وحضر الغريم والمصدق فمن طالبه أولاً أعطاه ما يجب له، وإن طالباه معاً فأي الأمرين فعل أجزاه ولم يأثم لاستوائهما في الوجوب وتعذر الجمع.(1/122)


ومن وجبت عليه زكاة فاحتال وبادر بسلعة تنقص قيمتها عن النصاب أو قضا ديناً بأكثر من القيمة لينقص النصاب لم يجز له ذلك ولم يقبل منه المصدق ما فعله بل يشدد عليه فيه ويأخذه منه، وإن كان في غير زمان الإمام أثم ولم يخلص عند الله تعالى، وكذلك لو تواهب اثنان ثمرة ماليهما لإسقاط الزكاة لم يجز.
والتحيل في إسقاط الأعشار والزكوات على وجهين:
إما أن يقول: دفعت إليك هذه الدنانير وغيرها لمظالمي على أن تردها علي، فهذا لا يصح ولا يملكه الفقير.
وإما أن يقول على أن تهبها ليّ وتصدق بها علي صح دفعها وملكها وأسقطت ما على الدافع وكان الفقير مخيراً بين أن يهب أو لا يهب لأنه شرط ما لا يصح إلا بعد الملك وهو الهبة والصدقة وكذلك البيع وما جانسه.
فأما إذا شرط ما يوجب رفع العقد لم يصح الرفع ولم يملك الفقير ولم يسقط الواجب، فإن شرط قبل الدفع ولم يجز له ذكر حالة الدفع، بل كان في الضمير فإنه يكره ويأثم فاعله ويملكه الفقير ويسقط عن الدافع، ولو كان على فقيرين مظالم وحقوق ثم دفع كل واحد منهما ما يملكه إلى صاحبه عن مظالمه ورده الآخر عن مظالم نفسه وكرر ذلك حتى يستغرق جميع مظالمهما صح ذلك ما لم يقع بينهما شرط يفسد ذلك.
والتحيل في إسقاط حقوق الآدميين قبل لزومها جائز.
وأما في الزكاة وسائر حقوق الله تعالى فلا يجوز؛ لأن فاعله عند ذلك حكمه حكم مانع الصدقة.(1/123)


ومن أخرج الزكاة في وقت الإمام إلى الفقراء وأجاز ذلك له نائب الإمام صحت الإجازة إن لم تتقدم المطالبة بها، ويجوز إخراج النقد عن صدقة المواشي؛ لأنه يجوز أخذ ابن لبون عن ابنة مخاض تقويماً كذلك نقداً.
ولا يجوز إخراج الخبيث، وهو الأدون عن الأعلى للنص الشريف.
ويجوز لنائب الإمام أخذ الزكاة من مال الأيتام ما دام مجتمعاً لم يقسم إذا كان نصاباً ويأخذ من أملاكهم فوق الزكاة إذا أمره الإمام لصلاح رآه من دفع عدو وشبهه، وإذا أخذ مما لا تجب فيه الزكاة بنية الزكاة بأمر الإمام معونة جاز ذلك ولم تكن زكاة.
ومن كان له حق في بيت المال لم يجز له أن يحتسب بزكاته إلا أن يقبضها الإمام ثم يسلمها إليه، ويصح الإكراه على الزكاة، ويصح أخذها من دون نية من الملاك، ولهذا تجب في مال اليتيم والمجنون وساقط التكليف ويلزم ذلك الإمام ووليه.
وقد أخرج علي - عليه السلام - زكاة أموال آل أبي رافع وهم يتامى في حجره فلما بلغوا وُزِنَت أموالهم فنقصت، فقال علي - عليه السلام -: احسبوا صدقتها لما مضى من السنين، فحسبوا فوجدوا الناقص الصدقة بغير زيادة ولا نقصان، فقال: ((أترون عند علي بن أبي طالب مالاً لأيتام تجب فيه الصدقة لا يخرجها)) ولأن الإجماع منعقد أن الإمام إذ أكره الرعية على الصدقة ونووها ظلماً ولم ينووها طاعة فإنه لا يجب عليهم قضاؤها.
ولا يجوز للإمام ولا نائبه خلط الصدقات والأخماس والمظالم والخراج والجزية إلا لضرورة إلا الزكاة فإنها لا تخلط بحال.(1/124)


والحقوق التي تتعلق بالباري سبحانه: كالعشر، والزكاة، والمظلمة، وما يجري مجراها، وأموال اليتامى، والأوقاف، وغير ذلك لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن الإمام أو نائبه ولا فرق بين الوكيل والوصي في أنه لا يجوز التصرف لهما إلا بإذن؛ لأن قوة أيديهما لا تبلغ قوة يد الموصي والموكل، فإذا لم يجز للموصي والموكل التصرف إلا بإذن الإمام أو نائبه فالوصي والوكيل إلى الإذن أحوج.
والحقوق الواجبة إذا كانت مؤقتة بوقت لزم تأديتها في وقتها، وما ليس بمؤقت فعند ذكره إلى الإمام أو عامله إن كان في الزمان.
[(ح) يريد تأدية الحقوق الموقتة وغير الموقتة إلى الإمام أو نائبه، وما كانت مؤقتة عند ذلك الوقت وما كانت غير موقتة عند التذكر].
(ص) ولا ينتظر في ذلك مطالبة الإمام لأنه قد يلزم الإنسان ما لا يعلمه الإمام ولا واليه ويتضيق ذلك عليه عند من يقول بالتراخي والفور لأن نَفاق الإمام على الفور فهو مضيق في الحالات إلا أن يعلم غنى الإمام عن المال جاز التمهل إلى مؤامرته.
(ح) [يقول عليه السلام: أنه] أي يتضيق أداء هذه الحقوق إلى الإمام على من وجبت عليه على قول من يقول إن أداء ذلك على الفور، وعلى قول من يقول أن أداءها على التراخي أيضاً؛ لأن الاعتبار بحاجة الإمام [وإنفاقه هذه الحقوق على أهلها].
(ص) ومن وكل غيره بإخراج زكاة ماله مطلقاً ولم يعين مالاً بعينه كان له إخراج الزكاة من الحاصل ومما يحدث بعد الوكالة، وإن وكله بإخراج زكاة مالٍ معين لم يخرج من الحادث، ولا يفتقر الوكيل إلى نية في إخراج الزكاة وإنما النية للموكل.(1/125)

25 / 97
ع
En
A+
A-