باب ذكر أهل الصدقات
هم ثمانية أصناف كما هو مذكور في (التحرير)، والمؤلفة قلوبهم لا فرق بين أن يكونوا من أهل الذمة وأهل الكفر في جواز التألف إذا دعت إليه الضرورة، ويجوز إعطاء المجاهدين في سبيل الله وهم أولى من سائر الأصناف وسواء كانوا أغنياء أو فقراء، ووجوب الجهاد عليهم لا يمنعهم من أخذ ذلك كما لا يمنعهم من أخذ الغنيمة.
[(ح) وهو قول المؤيد بالله والناصر للحق خلاف قول السيد أبي طالب فإنه لا يعطي إلا بشرط الفقر].
(ص) ويجوز صرف شيء منها إلى المصالح المقربة إلى الله سبحانه كبناء المساجد، وإصلاح طرق المسلمين، وحفر آبارهم، وتكفين موتاهم، إذا فضل ذلك عن المجاهدين أو عن المساكين، ويجوز إعطاء أبناء السبيل وإن كان لهم في أوطانهم أموال سواء أمكنهم الاستقراض أم لا وصاروا كمن اغتصب السلطان ماله وحال بينه وبينه.
وإذا رأى الإمام صرف الصدقات إلى صنف واحد أو المساواة أو المفاضلة كان له ذلك، وكذلك في غير وقت الإمام.
ويجوز دفعها إلى ولي اليتيم لينفقها عليه إذا كان مؤتمناً، ويجوز دفعها إلى أم اليتيم لأجل اليتيم.
ومن له ولاية على اليتيم فله أن يأخذ عشر أرضه لنفسه إذا كان فقيراً، كما له أن يدفعها إلى غيره، وكذلك له دفعها إلى أولاده إذا كانوا فقراء، وأب الصغير إذا كان فاسقاً لم تزل ولايته عن إبنه وجاز دفع الزكاة إليه لولده الصغير [إذا كان أميناً فيه].(1/116)


باب ذكر من لا تحل له الصدقة
الذين لا تحل لهم الصدقة صنفان:
آل رسول الله - صلى الله عليه وآله - وهم: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس بن عبد المطلب، وآل الحرث بن عبد المطلب.
وتجوز لهم صدقة النفل والأضحية والصدقة المسبلة والأوقاف المطلقة، ومن اضطر منهم إلى تناول الصدقة تناول منها على سبيل القرض ما تدعوا إليه الضرورة إذا كان أكل الميتة تضره.
وكذلك معتق بني هاشم.
فأما توليهم عليها فيجوز بإجماع العترة والأمة، وإنما المحرم أخذ عمالتهم منها، فقد ولى أمير المؤمنين - عليه السلام - عبد الله بن العباس البصرة، وعبيد الله اليمن وقثم مكة والكل عشري.
ولا تحل للفاسق والمبطل والغني الذي يملك مما تجب فيه الزكاة، ويجوز للمرأة المسلمة أخذ الزكاة وإن كان زوجها غنياً، ويجوز لها دفع زكاتها إليه إن كان فقيراً، ويجوز دفعها إلى من لا يرثه من أقاربه وذوي أرحامه الذي لا تلزمه نفقتهم وهم أحق بها من غيرهم، فإن دفع زكاته إلى من لا تجوز له بالإجماع لم يجزه ووجب عليه إخراجها ثانياً سواءً علم أو جهل، وإن دفعها إلى من وقع الخلاف في جواز دفعها إليه معتقداً لجواز ذلك أو جاهلاً به وكان لا يمكنه السؤال عنه أجزاه ذلك، وإن كان بخلاف الوجهين وجب عليه إخراجها ثانياً.(1/117)


ولا يجوز إعطاؤها المطرفية، والظاهر أنه إجماع المسلمين؛ لأن الخلاف وقع في الفساق وفي أولاد الذميين، فأما المرتدون فلا خلاف أنه لا يجوز دفعها إليهم، ولا خلاف أن كثيراً مما يعتقدونه ردة عند جميع المسلمين كنفيهم موت الأطفال والأمراض والأرزاق والقضاء عن الله تعالى سبحانه، وردهم لكثير من محكم القرآن، وإنكارهم لكثير من الأجسام أن تكون مخلوقة لله سبحانه مقصودة، ويجوز دفعها إلى أولاد المشبهة الأصاغر ونسائهم وبناتهم الذين لا يسمع منهم تشبيه.
ويجوز للإمام أن يعطي الغني من الزكاة وأن يعطي الفقير فوق النصاب؛ لأن أمر الأموال إليه، فإذا أعطى جاز الأخذ، إذ المقصود بالأموال تقوية للدين وظهور أمر المسلمين وذلك يكون بمال الله تعالى، وما ذكر عن الرسول صلى الله عليه من منع الغني عنها فهو المسلم الذي لا معونة له في الجهاد ولا غنا له في الإسلام وأهله، وكذلك القوي؛ لأنه قال: ((لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة سوي)) وإلا فالمعلوم أنه - صلى الله عليه وآله - كان خيار صحابته الأشداء الأقوياء في دين الله، وكانت مادتهم من مال الله كعمر بن الخطاب وغيره.
ومن قبل شيئاً من الزكاة لأن ينتفع به من لا تجوز له الزكاة لم يجز ذلك ولا وجه له عندنا في الجواز بل هو يوصل إلى المحظور، وإن فعله فاعل بغير موآطأة لمضرة علم نزولها بمن لا تجوز له الزكاة وقصد دفع المضرة بذلك عنه لوجه الله تعالى فهو مأجور ولا إثم عليه، ولو جاز لغير ذلك لم يقع حصر فما به أحد إلا وهو يجد من يقبل له.(1/118)


ومن تجوز له أخذ الصدقة فلا يحل له في وقت الإمام أن يأخذ إلا ما قدر له؛ لأن الأمر فيها في زمن الإمام إليه فلا يجوز أخذ شيء منها بغير إذنه وسواء كان في بلد ينفذ فيها حكمه أو لا ينفذ، ولو جاز أن يكون الناس فوضى في وقت الإمام فما الحاجة إليه إذن.
ومن أعطى الفقراء شيئاً من الواجبات وكان بأمر الإمام أو نائبه جاز، وإن كان بغير إذنه ولا إذن واليه فالمعطون ظلمة والآخذون أثمة، وإن كان في غير وقت الإمام فله أن يأخذ منها دون النصاب وما لا يكون به غنياً.
[(ح) فرق - عليه السلام - في جواز أخذ الصدقات قدر النصاب أو فوقه بين أن يكون الدافع إماماً أو رب المال].
(ص) وليس للفقير أن يأخذ الزكاة أجرة لحفظ الغلة في الجرين؛ لأن الاستئجار بها لا يصح، ومن أذن له الإمام في تناول شيء من الواجبات لم يجز له أخذ واجب نفسه لنفسه.
ولا يجوز صرف شيء من الحقوق إلى أهل الاضطرار إلا بإذن الإمام؛ لأن المجاهدين إذا اضطروا واضطر الضعفاء كان إيثار المجاهدين بالمال أولى وإن انتهى حال الضعفاء إلى التلف؛ لأنهم حماة حوزة الإسلام ورعاة سرح الدين ولا قوام لهم إلا بالمال، وحفظ الدين أولى من حفظ النفوس؛ لأن الواجب حفظ النفس بالمال وحفظ الدين بمجموع النفس والمال، (ولا تكون خشيته لتلف) المال أو تلف نفسه قبل الإخراج عذراً في صرفه إلى غير الإمام أو واليه؛ لأن الشرع ورد بالمنع من التصرف في الحقوق الواجبة إلا بإذن الإمام أو من يلي من قبله.(1/119)


والمؤلفة إن وفوا بما شرط عليهم حل لهم ذلك، وإن عصوا فكذلك يحل لهم ويسألون عنه في القيامة كسائر الحلال من النعم والأموال التي خولهم الله تعالى.
ومن ترك الجهاد مع التمكن لم يجز له أخذ الواجبات ولا كرامة له عند الله سبحانه وعندنا، ولا عذر له في ترك الجهاد لأجل أولاد أو طلب علم.(1/120)

24 / 97
ع
En
A+
A-