باب ذكر زكاة ما أخرجت الأرض
الزكاة واجبة فيما يكال من تمر وحب وفاكهة إذا بلغ النصاب، فما سقي منه سيحاً أو بماء السماء أو بعلاً من الشجر ففيه العشر، وما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر، وما سقي في بعض السنة سيحاً وفي بعضها بالدوالي فبالحساب، ويراعى الأغلب فيحكم به.
ونصاب المكيل خمسة أوسق ولا يضم صنف إلى صنف، والصاع ثلث مكوك العراق خمسة أرطال وثلث بالكوفي، والصاع أربعة أمداد، والكرَّ ستون قفيزاً، والقفيز ثلاثة مكاكي، والوزن تقريب لأن الحبوب تختلف في الخفة والثقل.
والخضروات زكاتها تجب إذا كان الخارج منها في السنة يساوي مائتي درهم كالزعفران والقطن وغيره وسواءً خرج دفعة أو دفعات في السنة في ضم الجنس إلى جنسه، وتزكيته بعد بلوغ النصاب، ولا يضم جنس إلى غيره، وما لم يعلم فيه نص بكيل ولا وزن يعتبر فيه بحالة البلد التي هو فيها، ويجب العشر في ورق التوت إذا بلغت قيمته مائتي درهم، والأولى إخراج العين من العين، وإن أخرج القيمة أجزاه.
وإن احتاج إلى التمر والعنب رطباً قدر أنه لو يبس بلغ النصاب فتجب فيه الزكاة وإن نقص لم تجب، والواحات مخدومة.
وإذا حصل له زروع فأخرج زكاتها ثم بقيت عنده سنين كثيرة لم يلزمه فيها شيء آخر، وإذا ضاع أو هلك ما يجب فيه الحق في الجرين ونحوه بغير تقصير في حفظه لم يجب ضمان الصدقة.(1/106)


وإذا أنبت الحنطة والشعير والذرة والباقلا وسائر ما يجب فيه العشر بنفسه، فإن كان في ماله وجبت فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً، وإن كان في الأرض المباحة فهو لمن أخذه وعليه الخمس، ومن اشترى بقلاً فتجب في يد المشتري فعليه العشر دون البائع.
والأرز إذا بلغ بقشره خمسة أوسق وجب فيه العشر، وكذلك العلس بقشره لأنه يدخر بقشره فأشبه التمر مع نواه والزبيب مع عجمه.
وزكاة التمر تجب عند زهوه وهو اصفرار الأصفر واحمرار الأحمر، وفي ذلك الوقت يجوز بيعه، ولو اعتبر غير ذلك لأدى إلى تلف أموال الله تعالى فكان خلاف دينه، وقوله تعالى: ?وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ?[الأنعام:141] منسوخ؛ لأنه قبل آية الصدقة، وكان إطعام المساكين والفقراء غير مقدر بقدر فنسخته آية الصدقة، ذكره جدنا عبد الله بن الحسين العالم في كتابه في (الناسخ والمنسوخ).
ومن كان يرى وجوب العشر في الخضروات ولم يخرجه حتى تغير اجتهاده إلى سقوطه وجب عليه العشر لما مضى دون ما يستقبله؛ لأن التزامه للمذهب أولاً كالحكم بوجوب الحق فلا يسقط إلا بالدفع، وإذا قبل قول المفتي تعين عليه العمل به، وإن تغير اجتهاد المجتهد بعد ذلك ولا يعدل إلى اجتهاد مجتهد آخر لأنه قد تعين عليه بدخوله فيه.(1/107)


وإذا تصرفت امرأة في جميع زروع زوجها بالطحن والخبز وغيره ولم تكن تخرج العشر فلا ضمان عليها لأنه كالإذن لها بإتلافه، فإن أوجب الحاكم الضمان على الزوجة أو المشتري نظر فإن كان الإمام أو نائبه أخذه منهما سقط الواجب لولايتهما العامة، فإن دفعا إلى الفقير ينظر، فإن كان بإذن الزارع جاز وسقط الواجب عنه أيضاً، وإن كان بغير إذنه لم يسقط الواجب عنه ويلزمه إخراجه أيضاً.
ويجوز للضيف الأكل من خبز من لم يخرج عشره، وكذلك إذا وهب له جاز قبوله سواء كان كله أو بعضه.
(ح) قوله: ويجوز للضيف.....إلى آخره، المراد به إذا اختار العدول إلى قيمته لأنه لو لم يختر العدول إلى القيمة لم يجز تناوله على الصحيح من أقوال الجميع. [وقد ذكر مثله القاضي زيد].
(ص) وإذا غلب على ظن الوارث أن أباه لم يخرج العشر في حياته لزمه في نصيبه ما يخصه إن رأى وجوب ذلك وهو مكلف باجتهاد نفسه، ومن مات بعد إدراك الغلة وتمكن الأداء للعشر أو الزكاة وعليه دين مستغرق لماله لبني آدم وجب عليه إخراج العشر أو الزكاة قبل الدين ثم يخرج الدين بعد ذلك؛ لأن الأعشار والزكوات بعد تعيين الأداء تصير في حكم الخارج عن ملكه، وإنما كان له إخراج بدله وبعد موته لا خيار له.
[(ح) وهذه المسألة مستقيمة على أصل الهادي - عليه السلام - لأن الوجوب يتعلق بالعين، فإذا بلغ الحد الذي يجب الحق في حياته صار للفقراء شركاً معه في هذا المال، فكأنه مات عن مال مشترك بينه وبين غيره فكان الغير أولى بنصيبه من المال من غريم الشريك الميت فكذلك هذا.(1/108)


ألا ترى أنه لو باع ما يجب فيه العشر كله قبل إخراج العشر فإن البيع لا ينعقد بعقد العشر، وكذلك لا يصح الرهن لأنه رهن المشاع على مذهب الهادي، ذكره أبو العباس.
وأما على طريقته - عليه السلام - يجب أن لا يكون مقدماً، بل يجب أن يكون مؤخراً لأنه صحح الهبة في الكل كما ذكر هاهنا والله أعلم].
(ص) ولا يطعم الرجل ضيفه من زكاته لأنه إباحة وليس بتمليك، وكذلك إبراء الفقير من الدين لأنه إسقاط وليس بتمليك، ولهذا لا يجوز صرفها إلى المساجد والطرق إلا أن يقبضها الإمام أو المصدق.(1/109)


باب ذكر أحكام الأرضين
الأرض البيضاء في وقت الإمام أمرها إليه ولا يملكها متحجرها إلا بإذنه، فإذا صرفها إلى رجل ملكها وإن شرط تملكها بالاستقامة وجبت الاستقامة، وله أن يبيعها وأن يكون عنياً بها ولم يجز له أخذ الزكاة إلا بإعطاء الإمام.
ومن اجتبى أرضاً بيضاء أو جاهلية وكان في غير زمن الإمام فهي له وعليه في غلاتها العشر إذا بلغت النصاب، وإن كان في زمن الإمام وأحياها بإذنه فهي له، وعليه العشر أيضاً، وإن كان بغير إذنه لم تملَّك وكان أمرها إلى الإمام.
وأما وضع الخراج على أهله (فهو على قدر) ما يراه الإمام والأولى فيه ما ذكره في (التحرير).
والخراج يشبه الكرا من وجه، وهو أنه يتعلق بالمنفعة؛ لأن الأرض السبخة لا خراج عليها ولهذا يختلف الخراج باختلاف المنافع في القلة والكثرة كالأجرة، ولأنه لو عطلها مع التمكن من زراعتها لزمه الخراج كالمستأجرة.
وأما وجه المخالفة فهو أن الخراج يصرف إلى المصالح وتعتبر فيه النية كالعشر وليس كذلك الأجرة، فإن الغلة إذا تلفت بآفة سماوية سقط الخراج، ولا تسقط الأجرة، وأرض خيبر كانت مقسمة على ثمانية عشر سهماً، وتنقلت فيها الأملاك فمن كان في يده شيء فهو أولى به إلا الكتيبة فهي لنا أهل البيت لا حق لأحد فيها.(1/110)

22 / 97
ع
En
A+
A-