باب ذكر دفن الميت والتعزية
[البكاء الضروري من الله سبحانه، وهو حزن القلب ونزول الدمع وما لا يملك من النشيج، ومن العبد الصوت والصراخ واللطم وسائر أفعال الجهال].
ويعجل بالميت إلى قبره سوى الغريق والمبرسم وصاحب الهدم فيتأنى بهم إلى الإياس، ويعمق القبر ثلاث أذرع ونصف، ومجاورة الصالحين به أولى وإلا دفن وحده، ويجوز الدفن في البيت.
وإذا وجد في القبر عظام رميمة حجز بينه وبينها، وينصب على القبر اللبن، ويكره الآجر إلا لضرورة، ويكره التجصيص والتسقيف لأنه زينة إلا قبور الأنبياء والأئمة والصلحاء المزوّرة، ويجوز تطيينها وطرح الرضراض عليها، وزيارة القبور مندوبة.
وتوضع الجنازة عند موضع الرجلين من القبر ويدخل من جهة رأسه ويسل سلاً رفيقاً، ويذكر اسم الله عند إدخاله، ويرش عليه بالماء، ويلحد الرجل امرأته، فإن لم يكن فأقرب المحارم، ويسجى قبرها إلى أن يهال التراب، ولا يسجى على الرجل، ولا يدفن جماعة في قبر واحد إلا لضرورة، فإن اضطروا جعلوا أفضلهم إلى القبلة، والمرأة خلف الرجل.
ويرسب من مات في البحر بعد تكفينه إذا خشي نتنه، وإن سقط مال في القبر ولم يمكن إخراجه إلا بنبش الميت نبش، وإن ابتلع قبل موته لؤلؤة وكان عليه دين يستغرق ما به وجب شق بطنه وإخراجها، وإن لم يستغرق جاز للوارث شقه وتركه.
ويجوز النقش في اللوح باسم الميت، وتنصب الأحجار للعلامة.(1/96)
ولا يتبع بمجمرة، ولا يدعى لأهل الذمة بالمغفرة، ولا تشهد جنائزهم، ويكره زرع أرض كانت مقبرة في الجاهلية، وإن كان يصح شراء الأرض التي فيها قبر جاهلي، وإن كان مقابر المسلمين أنكر على زارعها، فإذا زرع تصدق بالغلة؛ لأنه ملكها من وجه محظور.
ولا يجوز البناء على المقابر علواً ولا سفلاً ولا الغرس، فإن غرس وحصل ثمر صرف في مصالح القبور، وإن استغنت فلسائر المصالح، ولا تشرع إليها الكرم سواء أضر بها أم لا، وإن كان من قبور المسلمين في الأرض المبيعة صح البيع فيما سواه، وكان القبر عيباً وله رد المبيع إن شاء.
وإذا أظلت الشجرة على القبر فلمالكها الثمر وعليه إزالتها، فإن غصبت أرض وقبر فيها ميت جاز لصاحبها نقل الميت عنها واستحب له تركه.
ويجوز نقل القبر لمصلحة الميت لخيفة السيل وشبهه أو لمصلحة المسلمين ونفعهم.
وإذا خاف أهل الميت عليه ضرراً في قبره جاز نقله وعاد حكم القبر إلى الملك، إذ حرمة القبر قد سقطت بنقل الميت.
والتعزية قبل الجنازة وبعدها جائزة وهي بعد الدفن أحسن، والتعزية مرة واحدة، ويكره الجلوس على القبر وأن يوطأ ويتغوط أو ينام أو يصلى.(1/97)
كتاب الزكاة
باب وجوب الزكاة
إخراج الزكاة طاعة وليس بعبادة؛ لأن العبادة تذلل وإخراج الزكاة إلى الترفع أقرب.
والمعتبر في وجوب الزكاة حول الحول، ووقوع المطالبة من الإمام أو من يلي من قبله في وقت الإخراج، والاعتبار في النصاب بطرفي الحول دون وسطه، وزكاة الدين يتضيق وجوبها بقبضه.
والزكاة تجب في التركة قبل القسمة بين الورثة إذا حال الحول، وكذلك تجب في مال الغائب واليتيم والمجنون، وإذا كان لامرأة دين على زوجها وهو فوق النصاب وحال عليه الحول ثم أوصت بحقوق عليها منها زكاة هذا الدين، ثم ماتت ولم يدفع الزوج إلى الوصي إلا بعد سنين، وشرع الزوج في القضاء فإن الزكاة يجب تسليمها عند قضاء الدين، ولا فرق بين حال الحياة وحال الممات ولو أدى إلى استغراق المال، ثم تجب بعد ذلك الزكاة فيما بقي بعد إخراج الزكاة إلى أن تبلغ حداً ينقص عن النصاب، ومن ملك نصاباً من الحبوب بالزراعة فأخرج عشره ثم ملك زرعاً من جنسه في تلك السنة بعض نصاب أخرج نصيبه وضمه إلى الأول؛ لأن الجنس والحول والملك قد جمعه.
[(ح) أي: إذا ملكه بالزراعة أو الشراء أو الهبة أو الإرث قبل الإدراك].
(ص) ومن أجر ضياعه إجارة فاسدة من قوم متفرقين ومنهم من لا يخرج الزكاة ومنهم من لا تجب عليه في حصته الزكاة إن الزكاة تجب عليه فيما علم أن زارعه لم يخرج زكاته منه ممن كانت تجب عليه.(1/98)
(ح) [قال محمد بن أسعد أبقاه الله:] فهذه المسألة صحيحة على قول من يوجب إخراج العشر من العين، وعلى قول من يجوز العدول؛ لأنه إذا لم يخرج أصلاً فقد تحقق لصاحب الأرض أن [ما في يده] فيه حق للفقراء يلزمه إخراجه، فإذا أخرجه فله الرجوع بقدر ما أخرج إلى الزارع، ومثله حصل القاضي زيد لمذهب المؤيد بالله وأصحابنا لمذهب الناصر للحق، قالوا: إنه لا خلاف أن الوجوب يتعلق بالعين، وإنما له جواز العدول عنها، فإذا لم يخرج ولم يختر العدول عنها إلى غيرها فالعشر أو الزكاة باقية، ومن تناول ذلك كله أو اشتراه على هذا الوجه فهو متناول للعشر فوجب عليه إخراجه. [ذكره محمد بن أسعد أيده الله].
[والأولى على قول من يقول بجواز العدول إلى القيمة أنه لا يلزمه شيء، لأن إخراج الزارع زرعه عن ملكه كاختيار القيمة والعدول إليها؛ لأن ذلك استهلاك حكمي، فإن الاستهلاك الحسي ينقلب إلى القيمة عند الجميع، والاستهلاك الحكمي يجب أن يكون عدولاً إلى القيمة وينتقل الحق إلى الذمة عند من يقول به].
(ص) وتجب الصدقة في غلة أوقاف المساجد وأمواله لعموم الأخبار.
[(ح) ومثله ذكر السيد أبو العباس لمذهب يحيى -عليه السلام- والأستاذ أبو يوسف لمذهب الناصر للحق عليه السلام].
(ص) ولا تجب فيما اجتمع في يد الإمام من بيت المال؛ لأنه لا مالك له معين بخلاف المسجد.
ومن دفن ماله في بلد الشرك وضاع ثم وجده لم تجب زكاته إلا في الوقت الذي وجده فيه؛ لأنها ليست بمظنة حفظ، بل موضع تلف وإياس.(1/99)
وإذا أبرأت المرأة زوجها من مهرها لم تجب عليها زكاته؛ لأنها لم تقبض شيئاً ولا شيء على زوجها أيضاً، فإن قبضت ثوباً يساوي خمسين عن ألف وجب عليها إيفاء الزكاة لما مضى؛ لأنها استوفت بقبض الثوب.
ومن تصرف في بعض ما وجبت فيه الزكاة والخمس تعين الحق كله في الباقي، وإذا أخرجت الأرض خمسة أوسق لشريكين لم تجب عليهما زكاة إلا أن يكون موروثاً باقياً على شياعه لم يقسم لأنه كالباقي على ملك الميت.
ومن أوصى بمقدار ما تجب فيه الزكاة للحج ثم حال الحول قبل الاستئجار فإن الزكاة واجبة.
[(ح) ومثله أشار الشيخ في (الكافي) وذكر علي بن أصفهان في (الكفاية) أنه لا يجب].
(ص) ولا يختلف حكمه لأجل ما علق به من الوصية وليس بأكثر من أن يكون في يد الموصى له فالزكاة لازمة فيه لاجتماع شرطي الزكاة فيه.
وإذا أخذ من زرعه قبل بدو صلاحه ما نقص عن النصاب إن المأخوذ لا تجب فيه الزكاة ما لم تبلغ قيمته مائتي درهم.
[(ح) ومثله ذكر الشيخ في (الكافي) وذكر علي بن أصفهان].
وأرش الخطأ إن كان يلزم العاقلة فلا زكاة فيه، وإن كان يلزم إنساناً معيناً معترفاً بذلك وجبت فيه الزكاة لأنه بمنزلة الدين.
وعلى التجار ربع عشر مال التجارة، وتجب زكاة ما ضاع من المال في بلد المسلمين إذا وجد لما مضى من السنين ، فإن كان في دار الشرك زكاه في وقت رجوعه إليه.
وذكر أيضاً - عليه السلام - أن الكنز إذا دفن في دار الحرب ثم رجع إلى دار الإسلام ثم أخذه بعد أعوامٍ وجب عليه زكاته لما مضى؛ لأن ملكه باقٍ.(1/100)