باب ذكر صلاة الجمعة
يجب حضور الجمعة على من كان في الميل فما دونه إلى الموضع المجمع.
وإقامة الجمعة في المساجد المبنية قبل مذهب المطرفية جائز ولسبل المسجد حيطة، وتصح الجمعة برجلين وامرأة، ومن سمع الخطبة وهو خارج المسجد أو ما يلزم منها كان مجمعاً عند من يرى بالسماع.
وإذا بنى جماعة مسجداً في صحراء لزمتهم الجمعة فيه وإلا فهي لا تجب إلا في المساجد، ويجوز التجميع في مسجدين إذا كان بينهما ميل فما فوقه، وإذا حضر مع الإمام رجل وامرأتان صليت الجمعة؛ لأن الخطاب عام متناول للرجال والنساء.
وإذا شرع الخطيب في الخطبة فتفرق الناس ولم يبق معه سوى اثنين صحّت الجمعة؛ لأنها بنيت على الصحة فلا يفسدها زوال بعض شروطها، كما أن أصل شروطها الإمام، فلو نعي وهو في الخطبة أتمها جمعة.
وتصح الجمعة لمن لم يسمع الخطبتين إذا سمعهما سواه؛ لأن صحة الجمعة باقية في الأصل، وفقده لسماعها يجري مجرى فقده لسماع إحداهما.
وتعليل أصحابنا أنها بمنزلة ركعتين لا يستقيم عندهم إذ قد أوجبوها على المسافر.
[(ح) هذا إنما يلزم من يقول إن فرض المسافر ركعتان].
(ص) ولأنهما لو كانتا بمثابة ركعتين لكان من لم يسمع الأولى يصلي ثلاثاً والإجماع على خلافه.
وإن تفرقوا بعد الخطبة مضى الإمام في صلاته ولا يُقدر ذلك إلا إذا أزعجهم أمر مهم هم والإمام.(1/81)
[(ح) واتفق له - عليه السلام - أنه صلى الجمعة في مدينة صنعاء ووقعت هزة في المسجد عظيمة فنفر الناس من الصلاة وهو في صلاته فأتمها جمعة وحده ولم يقطعها، واستفتاه من قطعها فقال: يعيدونها جمعة لأنها لزمت بالدخول فيها، فأعادوها جمعة فرادى].
(ص) فإذا كان كذلك ولم تتخلل بين الخطبتين والصلاة أعمال كثيرة تخرجهم عن بابهم لم تلزمهم إعادة الخطبة وصلوا، وإن تخلل أعمال كثيرة استحببنا للإمام إعادة الخطبة من غير إيجاز؛ لأنهما فرضان كل واحد منهما على حياله.
وإذا نفر الثالث عن الخطبة لزم الخطيب الاستمرار وعلى من نفر الإثم؛ لأن حضور الجمعة يلزم بسماع النداء والإستماع للخطبة يلزم بحضور المسجد، فمن فرط أتي من قبل نفسه، ولا تجب إعادة الخطبة إذا عاد الثالث.
ومن تكلم والإمام يخطب أثم ولم تفسد صلاته، فإن كان يذكر الله تعالى والصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله - لم يأثم ولم تفسد، ونائب الإمام أولى من غيره بإقامة الجمعة، وإن لم يكن جاز لغيره أن يقيمها إن خشي فوتها، وصاحب العمل أولى بالإمامة في جهة عمله.
ومن علم أو غلب على ظنه أنه يصلح لأمرٍ من أمور الدين لزمه، وذلك لأن الله تعالى قد أمر بالمعاونة على البر والتقوى، فإن كان من ذلك إقامة جمعة لزمه طلب الولاية من الإمام.
وإذا فرغ الخطيب وقد دخل وقت العصر صلى الظهر وبطلت الجمعة لفوات الوقت.
[(ح) المراد بذلك إذا كان قبل الشروع في الجمعة].(1/82)
ومن أدرك ركعة من الجمعة فقد أدركها، ويجهر في الثانية، وإن دخل وقت العصر وهو في صلاة الجمعة أتمها جمعة، ولا يقيم الجمعة صبي، ويجوز الإئتمام فيها بالأعمى والعبد المأذون له، ولا يلتفت الخطيب يميناً ولا يساراً، وإن نفر عنه الناس جملة [وهو يخطب] أتمها ظهراً؛ لأنه لا مستمع هناك.
وإذا مات الخطيب في أثناء الخطبة استؤنفت، وكذلك إن خطب واحد فمات أو أغمي عليه وجب الاستئناف ولم يكن لهم أن يستخلفوا لأن ذلك إليه دونهم.
(ح) لأنهم لا يشاركونه في الخطبة فلهذا لم يكن لهم الإستخلاف بخلاف الصلاة فإن لهم أن يستخلفوا رجلاً؛ لأنهم مشاركون للإمام فيها.
(ص) وإذا ابتدأ بالخطبة قبل الزوال أعادها والصلاة ويجتزي غير الإمام بالعبد عن الجمعة، والجمعة هي الأصل والظهر بدل عنها، والصلاة الوسطى هي العصر، ومن لا تجب عليه الجمعة جاز له أن يصلي الظهر في بيته قبل الجمعة وبعدها، وإن كان من تجب عليه الجمعة لم يجزه الظهر قبل تجميع الإمام، ويخطب قائماً، وإن ترك الصلاة على النبي -صلى الله عليه وآله- فسدت خطبته، ويجوز أن يستخلف في صلاة الجمعة، ويبدأ بالجمعة قبل الكسوف والاستسقاء والجنازة إذا خشي فوتها، ويبدأ من سائرها بما خشي فوتها.
والجمعة واجبة في الأمصار والقرى، وإذا ازدحم الناس فلم يتمكن بعضهم إلا بالإيماء للسجود جاز للضرورة.
[(ح) والأولى ما ذكره في (باب الأماكن) أنه يجب عليهم الخروج؛ لأن لصلاة الجمعة بدلاً وهو الظهر].
(ص) ويجوز تخطي الصفوف لمن كان له مكان راتب ما لم يضر بأحد.(1/83)
باب ذكر صلاة السفر
وإذا مر المسافر ببلده جائزاً بها انقطع حكم السفر، وإن أتم من كان فرضه القصر عامداً عالماً بوجوبه وجبت الإعادة في الوقت وبعد خروجه، فإن كان ظناً أعاد في الوقت لا غير.
والواصل إلى الإمام صلاته مقرونة بإذنه ولا حكم لنيته في نفسه، فإن كان مأذوناً له في المقام في بلدته ووصل إلى الإمام مسلما أو لغير ذلك من الأشغال ولم يتحدد من الإمام ما يوجب وقوفه فله ما نوى من قصر أو تمام.
والوطن هو المنزل دون الأملاك، وإذا كان البلد متصلاً بين المحلين منه دون الميل أو الميل فهو في حكم البلد الواحد وأسفله وأعلاه سواء.
ومن كان ساكناً في بلد فخربت وانتقل إلى غيرها ثم مر بها، إنه ما دام عازماً على سكناها في سنته تلك أو في سنة من يوم خطرت السكنى بباله كان مستوطناً لها ويتم فيها صلاته خراباً وعمراناً، وإن كان لا يطمع في سكناها تلك السنة أو في سنة من يوم خطرت السكنى بباله فإنه يقصر فيها، وإن قال: إن عمرت [سكنت فيها] فلا تأثير لذلك.
ومن افتتح الصلاة وهو في سفينة وسارت وهو في الصلاة ميلاً إنه يتبع حكم النية في الإبتداء؛ لأن الحكم قد لزمه بعقد النية بتمام أو قصر، ويكون مقيماً بنية إقامة عشر.
والرجل يكون مستوطناً بوطن امرأته والقصر واجب، ويستوي في ذلك البر والبحر، والأمن والخوف، والطاعة والمعصية، وأقل مسافته بريد، وأوله عند تواري تفصيل البيوت دون جملتها، ومن لم ينو الإقامة ولا السفر فالأصل في المسافر السفر، ويعتبر في المسير المعتاد دون سرعة البحر ونحوه.(1/84)
ومن دخل ميل بلده أتم سواءً أراد الدخول أو لم يرد، والمسافر يكون مقيماً بالنية ولا يكون المقيم مسافراً بالنية، ويقصر في الطريق الأطول إلا أن يقصد التعويج للقصر، ومن شك في مسافة القصر فعليه الإتمام لأنه الأصل، فإن تبين له أن القصر كان واجباً لم يعد ما صلى، وإذا تبين أنه مما لا يجب فيه القصر وقد كان قصر أعاد الصلاة.
والأخبار خمسة أقسام:
الأول: ما تحصل به الضرورة ولا يتعين حال المخبرين في القلة والكثرة كالإخبار بالحروب والحوادث والبلدان.
والثاني: يحصل به العلم الاستدلالي وهو المتواتر فيعين فيه كثرة المخبرين وعدالتهم وأن لا يتوهم فيهم التواطء على ذلك.
والثالث: ما تلقته الأمة بالقبول بأن ينقله واحد عن جماعة أو جماعة عن واحد ولا ينكره أحد منهم فهو دون المتواتر ويحصل به الظن الأقوى وهو فوق الآحاد كخبر الإجماع وما أشبهه.
والرابع: الآحاد وهو ما ينقله واحد عن واحد أو جماعة، ويقع فيه الخلاف بين الأمة فيوجب العمل دون العلم.
والخامس: ما ورد من الأخبار معارضاً للكتاب والسنة المعلومة فيجب رده.(1/85)