باب ذكر صلاة الجماعة
صلاة الجماعة سنة مؤكدة، وهي تفتقر إلى الفقه أكثر من افتقارها إلى القرآن فيقدم من يجمعها، وفضل الجماعة على الفرادى كفضل الجمعة على سائر الأيام، ويصلي المطلق خلف المقيد إذا كان القيد لا يمنعه من الصلاة، ولا يصلي المفترض خلف المتنفل، ولا القائم خلف القاعد، ولا المتوضئ خلف المتيمم، ولا الرجل خلف الصبي والمرأة، ولا السليم خلف من به سلس البول.
[ولا تجوز الصلاة خلف الفاسق، فإن لم يعلم بفسقه إلا بعد ذلك لم تجب عليه إعادة الصلاة إذا كان بعد خروج الوقت، وذكره [كلمة غير مفهومة في المخطوطة(أ)] من ذلك شروحاً]*.
ومن عليه خمس صلوات فما دونها فإنه لا يؤم حتى يقضي، وإن كان أكثر من ذلك جاز أن يؤم ثم يقضي.
(ح) ومثله ذكر محمد بن الحسن، وكذلك أبو القاسم البستي لمذهب الناصر للحق أنه لا يجب الترتيب فيما فوق خمس صلوات.
(ص) وإذا كان أكثر المؤتمين راضياً بإمامته جازت، وإن كره الأكثر كره له أن يصلي بهم، [وتجوز صلاة المسافر خلف المقيم كصلاة الخوف]، ويجب على المأموم نية الإئتمام، ولا يجب على الإمام نية الإمامة، وإن أحدث الإمام في الأخريين فقدم أمياً يؤم بهم جاز إذا كانت الصلاة جهراً، فإن كانت مخافتة ولم يجهر الإمام لم يجز تقديم الأمي بحال.
(ح) [قوله: فقدم أمياً يؤم بهم ...إلى آخره] وذلك لأن الإمام إذا كان قد قرأ في الأولين صح بناء على أن القراءة تجب في ركعة واحدة، وإذا كان المستخلف أمياً لم يضر ذلك، ومثله ذكر صاحب (الوافي) ونص في (التحرير) أنه لا يصح (من غير فرق) [ونصره أبو العباس].(1/66)
(ص) ويكره ارتفاع المؤتمين، وإن كانوا أسفل لم تجزهم الصلاة، ويجوز أن يصلي بالنساء المحارم وحدهن دون الأجانب.
[(ح) وهذا خلاف ظاهر قول أصحابنا إلا ما ذكره الهادي -عليه السلام- في حق النافلة، أما هاهنا أطلق ولم يفصل بين الفرض والنفل]*.
(ص) وتؤم بالنساء أعفهن، وتقف وسطهنّ، وتكون أقرأوهنّ وأفقههنّ، فإن لم يتسع الصف اصطففن صفاً ثانياً.
(ح) وذكر الشيخ أبو جعفر أنهنّ يقفن خلف الرجال صفاً واحداً.
وذكر صاحب (الهداية) و(المسفر) أنه يجوز أن يقفن خلف الرجال صفوفاً، ومثله حكى القاضي يوسف عن الشيخ أبي القاسم.
وذكر الشيخ أبو ثابت أنهنّ يقفن خلف الرجال صفوفاً، [ويقفن خلف النساء صفاً واحداً].
(ص) ويجوز الوقوف على يسار الإمام للضرورة وكذلك خلفه، والصبي يصل الجناح لخبر ابن عباس.
والنساء إذا تخللن صفوف الرجال فسدت صلاتهن وصلاة من عن يمينهن ويسارهن وخلفهن.
(ح) [ذكر في آخر هذا الباب هذا إذا كانوا عالمين بدخولهن في الصلاة، فإن لم يعلموا لم تفسد]، وإذا تخلل الرجال صفوف النساء لا تفسد عليهن لأنها لا تنافي الصلاة ولا هي معصية منهن، ومن ائتم الظهر بمن يصلي العصر لم تصح لاختلاف الفرضين، ومن فتح على الإمام لم تفسد صلاته فرضاً كانت صلاته أو نفلاً، ومن صلى خلف من يرى أن الحجامة لا تنقض الوضوء صحت صلاته؛ لأن الإمامة بمنزلة الحكم على من يخالف مذهبه وكذلك الحكم في نظائره.(1/67)
وإذا كبر مع الإمام واحد ولم يكبر الآخران حتى فرغ من الركوع صحت له الركعة دونهما؛ لأنهما لم يلحقا إلا في ركن ثان وهما واصلان لجناحه لأنهما في مقدمات الصلاة من النية والاصطفاف، ولا يكون منفرداً والحال هذه.
ولا يجوز الإئتمام بمن يقول بقدم القرآن؛ لأنه إثبات قديم مع الله سبحانه، ولا خلف من يعتقد إمامة المبطلين؛ لأن الأمة أجمعت على وجوب عدالة الإمام، وإذا سبق المأموم الإمام بشيء لا تبطل به صلاته انتظره حتى يلحقه، وإذا بطلت صلاة الإمام بما لا ينقض وضوءه قدم من شاء أو استأنف الصلاة بهم وبنوا معه على أول صلاتهم أو أتموا منفردين.
(ح) وفيه إشارة إلى أنه لو بطلت صلاته بما ينقض وضوءه لم يصح منه الإستخلاف، [وبطلت صلاتهم أيضاً، وذكر أسفل من ذلك ما يخالف هذا وهو قوله: إذا مات الإمام ...إلى آخره. وقوله: إذا استأنف الصلاة بهم، يدل من مذهبه أنه يجوز تقديم من لم يشارك الإمام في الصلا خلافاً لما ذكره في (التحرير)، ونصره الأخوان وأبو العباس أنه لا بد أن يكون من يستخلف قد شارك الإمام في الصلاة. ذكره محمد بن أسعد داعي أمير المؤمنين].
(ص) فإذا أحصر الإمام عن القراءة وكان قد قرأ ما يجزيه منفرداً أجزت الجميع، فإن تمكنوا من الفتح عليه لزمهم ذلك؛ لأنه من المعاونة التي فرضها الله تعالى، وإن لم يتمكنوا من الفتح عليه صلوا فرادى؛ لأن ذلك كالعذر في خروجهم.(1/68)
وإذا انكشفت عورة الإمام بمقدار تأدية ركن فسدت صلاته وصلاتهم، وإن كان دون ذلك وستر العورة لم تفسد عليه ولا عليهم، ولا فرق بين أن يتمكن من ستر عورته أو لا يتمكن في بطلان صلاتهم، هذا إذا انكشفت عورته بمقدار ركن حتى أخذ في ركن آخر.
وإذا قعد الإمام لعذر لزمه الإستخلاف عليهم، فإن تعذر أتموا منفردين، فإن ائتموا به قاعداً فسدت صلاتهم سواء في أول الوقت وآخره في حقه وحقهم، وإنما كان خاصاً لرسول الله صلى الله عليه، وإذا مات الإمام لم تفسد عليهم ولهم تقديم أحدهم أو الصلاة منفردين.
ومن استخلفه الإمام وكان لاحقاً في الثانية لم يجب عليه القعود لتشهدهم؛ لأنه لا يجب عليهم ولا هو مشروع عليه فجاز للجميع تركه ويجلس في الثالثة لهم جميعاً فإذا أتموا قام فأتم ركعة، ومتى قعد الإمام وجب على المؤتم القعود اتباعاً له، ومتى قام وقعدوا فأدركوه قائماً فقد أساءوا ولا شيء عليهم، والاصطفاف مع الجهال في الجماعة لا يفسده، وإذا سبق بقراءته إمامه في المخافتة أعاد القراءة إن شاء وإن شاء سكت وانتظر فراغه، وإن سهى الإمام عن القعود للتشهد الأول تابعه المأموم كيف ما فعل، وإن قام للخامسة لم يسلموا حتى يعلموا حاله وإن عاد سلم بهم وإن استمر سلموا بأنفسهم، وإن تابعوه متعمدين وهو ساهٍ فذلك أفضل لأنه السنة، وإن كان أحد المؤتمين يلحن لم يفسد على صاحبه، والمخالفة للإمام في المسنون لا يوجب بطلان الصلاة.
والصلاة خلف الفاسق لا تصح، فإن جهل المأموم حاله أو ظن جوازها خلفه لم يعد بعد الوقت، فإن تعمد مخالفة مذهبه وصلى خلفه لم تصح.(1/69)
ومن صلح للإمامة فلم يؤم بمسلمين مثله أثم؛ لأنها من معالم الدين، وإن عرض أمرٌ يوجب خروج المؤتم عن الإئتمام والإئتمام لنفسه جاز له ذلك، كما فعل الأنصاري مع معاذ ولم يأمره رسول الله - صلى الله عليه وآله - بالإعادة.
وصلاة المسافر خلف المقيم جائزة كصلاة الخوف لضرورة القضاء سواءً خرج بعد الأولين أو الأخريين، ولا بد أن يسبق الإمام بجزء من القول أو الفعل.
[(ح) يعني في ابتداء الصلاة عند الشروع فيها].
(ص) فإن سبقه المأموم بقليل أو كثير فسدت صلاته بخلاف الأركان في وسط الصلاة.
وإذا اشترك الإمام والمأموم في قولهما: الله، ثم سبق الإمام بآخر الركن وتبعه المؤتم صح الإئتمام، فإن سبقه الإمام بقوله: الله، ثم اشتركا في آخر الركن صح أيضاً، فإن اشتركا في الاسم والصفة جميعاً لم يصح الإئتمام، وكذلك إن اشتركا في الاسم وسبقه المأموم بالصفة (لم تصح صلاته).
فأما سائر الأركان سوى تكبيرة الإفتتاح فإن المؤتم إذا أدرك الإمام في آخر الركن الأول أو في الركن الثاني قبل أن يأتي منه بأقل ما يلزمه فهو في حكم من لم يخرج من الركن الأول فيصح ائتمامه، وإذا سبقه الإمام بالسجدة الثانية ولحقه وقد استوى جالساً صح ائتمامه أو قائماً فكذلك؛ لأن السجدتين بمنزلة الركن الواحد فكأنه شاركه في الجميع.
وإذا ترك الإمام الجهر وهو والمؤتم يريان وجوبه لزم المؤتم أن يفتح عليه، فإن انتظره لعله يتذكر جاز، فإن بلغ الرابعة ولم يذكر جهر المأموم، فإن تيقظ الإمام فقرأ كان على المأموم الإمساك والاستماع وما لم يركع فله أن يقول.(1/70)