أبو أمامة بن سهل بن حنيف، وهو تابعي ولد على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فقد روي عن صَدَقَة بن يسار، قال: كنت فيما بين مكة والمدينة فصحبتُ رجلاً صحبته سائر يومي لم أدرِ من هو؛ فإذا هو أبو أُمَاَمة بن سهل بن حُنَيف، فسمعته يؤذن، في أذانه: حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ(1).
ذكر المحب الطبري إمام الشافعية في عصره في كتابه المسمى بـ(إحكام الأحكام) مالفظه: (( ذكر الحيعلة بحي على خير العمل عن صدقة بن يسار عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه كان إذا أذن قال: حي على خير العمل. أخرجه سعيد بن منصور (2) )).
قال سيخنا العلامة المجتهد: بدر الدين بن أمير الدين الحوثي حفظه اللّه:
(( أنه ـ يعني أبا أمامة ـ أنصاري ولد على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وذلك يقرب إلى أنه إنما فعله لرواية أهل بلده الذين كانو يسمعون الأذان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وربما كان يسمعه هو وإن كان صغيرا أختلف في صحبته، فهذا لايمنع سماع الأذان وتعقله لتكراره كل يوم ورفع صوت المؤذن به )) (3).
هذا وقد روي الأذان بحي على خير العمل عن : جما عة من التابعين كالسائب المكي، ومحمد بن الحنفية، ومحمد الباقر، وعمر بن علي بن أبي طالب، وزيد بن علي، وجعفر بن محمد، وغيرهم، ذكر الرواية عنهم الحافظ أبو عبدالله العلوي في كتاب الأذان.
وبهذا يتبين أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين لم يوافقوا عمر على اجتهاده في تنحية (حي على خير العمل) من الأذان، وأن من أبرز المتحفظين على اجتهاده ابنه عبد اللّه بن عمر.
أهل البيت وحي على خير العمل
__________
(1) ـ قال البيهقي في السنن الكبرى 1/424: وروى ذلك ـ يعني الأذان بحي على خير العمل ـ عن أبي أمامة.
(2) ـ الروض النضير 1/541.
(3) ـ تحرير الأفكار 506.(1/11)
يلمس المتتبع في كتب أهل البيت عليه السلام تأييداً ملحوظاً لإثبات حي على خير العمل حتى لايكاد يوجد مخالف في ذلك، حتى أولئك الذين اشتهروا بالتأثر بالتيار السني كالحافظ محمد بن إبراهيم الوزير(1) والعلامة الجلال(2).
وقال محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني: إن صح إجماع أهل البيت ـ يعني على شرعية حي على خير العمل ـ فهو حجة ناهضة (3).
وقال المقبلي: ولو صح ما ادعي من وقوع إجماع أهل البيت على ذلك ـ يعني على شرعية حي على خير العمل ـ لكان أوضح حجة (4) .
وبهذا أكدوا حجية إجماع أهل البيت وتحفظو على صحت وقوعه، ونحن نورد ما يدل على أنه قدروي إجماعهم في عدة عصور، وذلك فيما يلي:
قال عُبيدة السلماني (المتوفى 72 هـ): كان علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعقيل بن أبي طالب، وابن عباس، وعبد اللّه بن جعفر، ومحمد بن الحنفية، يؤذنون إلى أَنْ فارقوا الدنيا، فيقولون: حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ .. ويقولون: لم تزل في الأذان (5).
ـ قال الإمام أبو جعفر الباقر (المتوفى 114 هـ) : أذاني وأذان آبائي النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وعليٍ، والحسنِ، والحسينِ، وعليِ بن الحسين: حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ، حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ (6). وهذه رواية لإجماعهم.
ـ وقال الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد (المتوفى 260 هـ): أجمع آل رسول اللّه على أن في الأذان والإقامة: حي على خير العمل، وأن ذلك عندهم سنة (7) .
__________
(1) ـ روى السيد الهادي بن إبراهيم الوزير عن أخيه الحافظ محمد بن إبراهيم أنه كان يؤذن بحي على خير العمل. أنظر مقدمة العواصم والقواصم 1/48.
(2) ـ أنظرضوء النهار 1/468.
(3) ـ منحة الغفار المطبوع في هامش ضوء النهار 1/468.
(4) ـ المنار 1/146.
(5) ـ كتاب الحديث رقم (107).
(6) ـ كتاب احديث رقم (108).
(7) ـ الجامع الكافي ـ خ ـ.(1/12)
وقال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى 411 هـ): مذهب يحيى عليه السلام ـ يعني الهادي ـ وعامة أهل البيت (ع) التأذين بحي على خير العمل(1).
وقال القاضي زيد بن محمد الكلاري ـ وهو من أتباع المؤيد بالله ـ: التأذين به ـ أي بحي على خير العمل ـ إجماع أهل البيت لايختلفون فيه، ولم يرو عن أحد منهم منعه وإنكاره، وإجماعهم عندنا حجة يجب اتباعها (2).
وقال الإمام محمد بن المطهر (المتوفى 728 هـ): ويؤذن بحي على خير العمل، والوجه في ذلك إجماع أهل البيت (3) .
وقال الإمام يحيى بن حمزة (المتوفى 749 هـ): هو رأي أئمة العترة القاسمية والناصرية لايختلفون فيه وأنه كان ثابتاً في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم (4).
وقال الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى (المتوفى 840 هـ): العترة جميعاً وأخير قولي الشافعي: ومنهما ـ أي الأذان والإقامة ـ حي على خير العمل (5) .
وقال العلامة صلاح بن أحمد بن المهدي (المتوفى 1048 هـ): أجمع أهل البيت على التأذين بحي على خير العمل (6) .
وقال العلامة الشرفي (المتوفى 1055 هـ): وعلى الجملة فهو ـ أي الأذان بحي على خير العمل ـ إجماع أهل البيت، وإنما قطعه عمر(7).
وقال العلامة المحقق الحسن بن أحمد الجلال (المتوفى 1084 هـ) ـ بعد أن ذكر اتفاق العترة على التأذين بحي على خير العمل ـ: وإجماع العترة وعلي عليهم السلام معصومان عن تعمد البدعة (8) .
__________
(1) ـ شرح التجريد ـ خ ـ.
(2) ـ شرح القاضي زيد للتحرير ـ خ ـ.
(3) ـ المنهج الجلي شرح مسند الإمام زيد بن علي 1/77 ـ خ ـ.
(4) ـ الانتصار ـ خ ـ.
(5) ـ البحر الزخار 2/191.
(6) ـ شرح الهداية 294 ـ خ ـ.
(7) ـ ضياء ذوي الأبصار ـ خ ـ 1/61.
(8) ـ ضوء النهار 1/469.(1/13)
وقال الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي ( المتوفى (1319 هـ): اعلم أن التأذين بحي على خير العمل مذهب العترة عليهم السلام قاطبة (1).
وقال شيخنا السيد العلامة مجد الدين حفظه الله: وقد صح إجماع أهل البيت عليهم السلام على الأذان بحي على خير العمل(2).
هذا إضافة إلى أن كل من عُرف بأنه من أتباع أهل البيت في أي بلد، أوعلى أي مذهب، أو في أي عصر، يقول في أذانه حي على خير العمل.
روايات الأذان في كتب الحديث
عندما نرجع إلى كتب الحديث عند أهل السنة نجد أن رواية حي على خير العمل نادرة فيها، فيا تُرى ماهي الأسباب ؟
ويبدولي أن من أهم الأسباب: أن الخليفة عمر بن الخطاب حين نحى هذه اللفظة نحاها بشكل رسمي وأمر عالٍ، وصنع كصنيعه كل من وَلِيَ الخلافة من بعده، إلا عليا (ع) ـ فقد ثبت أنه كان ومؤذنوه يقولونها في أذانهم ـ، ولهذلك درج الناس علي تنحيتها، ونشأت الأجيال على ذلك، وحين رُوي للناس أن النبي كان يؤذن للصلاة لم يتبادر إلى أذهانهم إلا الصيغة المألوفة المسموعة، فرووها كذلك ظنا منهم بأن الأذان روي كذلك، وهذا يحدث في كل زمان ومكان، فإن للدول الأثر الكبير في صياغة ثقافة الشعوب وتوجيهها.
إضافة إلى إحتمال آخر، وهو أن المحدثين ربما حذفوا هذه اللفظة من كتبهم مراعاة لما درج عليه الناس أو مخافة من السلطان، فهذا الطحاوي وهو من كبار الحفاظ سمع منه الرواة رواية الأذان وفيها (حي على خير العمل ) ونقلوها عنه كذلك (3)، وحين ألف كتابه (شرح معاني الآثار) أورد تلك الرواية متجنباً ذكر حي على خير العمل، هذا إذا لم نفرض أن أحد النُّسَّاخ نحاها من كتاب الطحاوي ظناً منه بأنها مدرجة لأنها غير معروفة بالنسبة له.
__________
(1) ـ الموعضة الحسنة تحت الطبع.
(2) ـ المنهج الأقوم في الرفع والضم 35.
(3) ـ أنظر حديث رقم (5) من الكتاب والتعليق عليه.(1/14)
ويشهد لذلك أن كبار المحدثين كالبخاري ومسلم قد تجنبا إيراد رواية الأذان بكامل ألفاظه رغم نقلهما لكثير من المسائل التي هي أقل شأناً من الأذان، وليس لصنيعهما مبرر معقول تَسْكُن إليه النفس إلا أن لفظ الأذان بالصيغة المسموعة في عصرهما ـ وهي المحذوف منها حي على خير العمل ـ لم يثبت عندهما، فاكتفيا بما صح واتفق عليه، وهو أنه كان يُؤَذَّنُ في عصر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جملة.
ثم قلت في نفسي: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تشتهر هذه اللفظة في الأذان كما اشتهر تنحيتها ؟
وبأدنى تأمل عرفت أن للدول أثر في ترويج ماتريد، وأن معظم أهل البيت عاشوا مشردين في كل سهل وجبل، وحوربت أفكارهم بكل الوسائل، في حين أن ذلك الأذان معروف مشهور بينهم، كشهرة الأذان المبتور عند علماء الدول.
إلى هذا توصلت والله أعلم، والحمدلله رب العالمين.
****
ترجمة المؤلف
الشريف الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب العلوي الشجري الكوفي.
ولد في شهر رجب سنة (367 هـ) في الكوفة عاصمة المحدثين وملتقى الحفاظ، ونشأ تحت رعاية والده الذي كانت له عناية برواية الحديث، فأسمعه الحديث منذ صباه، وتعلق قلبه بتحصيل العلوم وتوجه عند المراهقة إلى حلقات الدرس ومجالس العلماء، فَبَكَّر إلى سماع الحديث، وأدرك كوكبة من الحفاظ، وجملة من تلامذة الحافظ الشهير أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة، وحمل عنهم الحديث وفنون الرواية.(1/15)