ـ وما روي عن علي بن الحسين أنه قال: كانت في الأذان، وكان عمر لَمَّا خاف أَنْ يتثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا ، أمرهم فكفُّوا عنها(1).
ـ وما روي عن الإمام زيد بن علي عليهما السلام أنه قال: مما نقم المسلمون على عمر أنه نحى من النداء في الأذان حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ، وقد بَلَّغت العلماء أنه كان يؤذَّن بها لرسول اللّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حتى قبضه اللّه عز وجل، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتى مات، وطرفاً من ولاية عمر حتى نهى عنها (2).
ـ وما روي عن جعفر بن محمد الصادق، قال: كان في الأذان حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ، فنَقَّصها عُمَرُ(3).
ـ وذكر سعد الدين التفتازاني ـ وهو من علماء أهل السنة ـ في (حاشية شرح العضد) أن حي على خير العمل كان ثابتاً على عهد رسول اللّه (ص)، وأن عمر هو الذي أمر أن يكف الناس عن ذلك مخافة أن يتثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا على الصلاة (4).
وبما تقدم توصلت إلى أن الخلاف في هذه المسألة نشأ في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وأنه الذي اقترح تنحيتها من الأذان مبرراً ذلك بأن لايتثبط الناس عن الجهاد.
ثم تساءلت : هل الأذان خارج الدائرة المغلقة التي لايجوز فيها الاجتهاد ؟ وهل يمكن أن يكون مجرد نداء للصلاة تصح فيه الزيادة والنقصان ؟ وهل اقتراح الخليفة عمر مقبول ويجب العمل به ؟ هذه أسئلة لابد من الإجابة عليها.
والذي يظهر أن ألفاظَ الأذان ألفاظٌ شرعية توقيفية، لايجوز الزيادة فيها ولا النقصان منها إلا بأذن من الشرع، والأدلة على ذلك مبسوطة في كتب الفقه.
__________
(1) ـ انظر الحديث رقم (133) .
(2) ـ انظر الحديث رقم (174) .
(3) ـ انظر الحديث رقم (177) .
(4) ـ حكاه عنه في الروض النضير 1/542.(1/6)


والمبرر الذي استند إليه الخليفة قد يكون صحيحاً في نظره ولا يلزم غيرَه العمل بموجبه، ولاسيما أن المسلمين لم يتثبطوا عن الجهاد أيام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وهم يسمعون المؤذن ينادي بحي على خير العمل، ويسمعون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: (( اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ))، وهو حديث مشهور سوف يأتي أثناء الكتاب بتخريجه.
الإجابة الرابعة: تفيد أن هذه الجملة شرعت مع الأذان ولم تنسخ، وأن ألفاظه شرعية لايجوز الزيادة فيها ولا النقصان، وأن تنحية ما أثبته الشرع منه، أو إضافة ما ليس منه إليه، غير مقبول تحت أي مبرر.
وأصحاب هذه الإجابة هم جمهور الزيدية وجماعة من أهل السنة والإمامية(1)، وأدلتهم عليها كثيرة منها:
أ - جملة من الأحاديث المرفوعة الى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، منها: عدة روايات عن أبي محذورة (2)، ورواية عن أبي رافع (3)، ورواية عن جابر بن عبد اللّه(4)، ورواية عن بلال (5).
وعدة روايات تفيد أن الأذان شُرع ليلة الإسراء وفيه: حي على خير العمل(6).
__________
(1) ـ الإمامية متفقون على شرعية حي على خير العمل في الأذان، ولكنهم لايما نعون من زيادة أي لفظ في الأذان مثل : علي ولي الله.
(2) ـ أنظر الحديث رقم (1 ـ 8).
(3) ـ أنظر الحديث رقم (9).
(4) ـ أنظر الحديث رقم (10).
(5) ـ أنظر الحديث رقم (11).
(6) ـ أنظر الحديث رقم (2 ـ 17).(1/7)


رواية عن علي عليه السلام قال فيها: سمعت رسول اللّه (ص) يقول: (( إن خير أعمالكم الصلاة )) وأمر بلالاً أن يؤذن بحي على خير العمل (1).
ب - إصرار جماعة من الصحابة على ذكرها في أذانهم، وليسوا متهمين بالابتداع، ولايوجد لهم حامل على فعلها إلا الحرص على اتباع آثار الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم .
ج - إجماع أهل البيت عليهم السلام على ذكرها في أذانهم، وليس لهم حامل على ابتداعها.
قال في الروض النضير: وفي (كتاب السنام) مالفظه: الصحيح أن الأذان شرع بحي على خير العمل؛ لأنه اتفق على الأذان به يوم الخندق، ولأنه دعاء إلى الصلاة، وقد قال صلى اللّه عليه وآله وسلم : (( خير أعمالكم الصلاة )) (2).
ومن خلال ماتقدم يتضح أن الإجابة الرابعة أولى بالصحة، وأقرب إلى براءة الذمة.
موقف الصحابة من : حي على خير العمل
ومما يخطر ببال الباحث في هذه المسألة سؤال هام هو:
هل وافق جميع الصحابة على اجتهاد الخليفة عمر فيكون ذلك تقريراً منهم أو إجماعاً لايجوز مخالفته.
وبقليل من التأمل والبحث نجد أنه قد صح عن بعض الصحابة الذين عرفوا باقتفاء آثار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، والذين لايعدلون عن السنة إلى الرأي أنهم ثبتوا على التأذين بها حتى ماتوا، ومنهم:
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
__________
(1) ـ أخرجه الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد ـ خ ـ ، والقاضي زيد في شرح التحرير ـ خ ـ عن علي، وأورده الإمام يحيى في الانتصار وقال: هذا الخبر لايوازيه في صحته والعمل به إلا ماهو في كتاب اللّه تعالى لصحة سنده ومتنه. واحتج به الإمام المهدي في البحر 2/191، والجلال في ضوء النهار 1/468 وقال: إن أهل البيت صححوه. واحتج به الأمير الحسين في الشفاء ـ خ ـ، وذكره العلامة صلاح بن أحمد المهدي في شرح الهداية وصححه، واحتج به الشهيد السماوي في الغطمطم 4/442.
(2) ـ الروض النضير 1/542.(1/8)


وردت عن الإمام علي عليه السلام جملة من الروايات التي تفيد أنه كان يلازم التأذين بها، وأورد الحافظ أبو عبدالله العلوي شطرا منها في (كتاب الأذان)، منها: رواية من طريق يحيى بن زيد(1)، عن آبائه، ورواية من طريق محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى(2)، ورواية من طريق ضميرة(3)، ورواية من طريق عمر بن علي بن أبي طالب(4)، ورواية من طريق الأصبغ بن نُباتة(5)، وغيرها(6).
الحسن، والحسين، وعقيل بن أبي طالب، وابن عباس، وعبداللّه بن جعفر
روى الحافظ أبو عبد اللّه العلوي عن عُبيدة السلماني، قال: كان علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعقيل بن أبي طالب، وابن عباس، وعبداللّه بن جعفر، ومحمد بن الحنفية، يؤذنون إلى أَنْ فارقوا الدنيا، فيقولون: حَيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ .. ويقولون: لم تزل في الأذان (7).
عبداللّه بن عمر
تواتر عنه أنه كان يؤذن بها، وصح ذلك عند الجميع، وروى ذلك عنه مشاهير أصحابه والرواة عنه، منهم: نافع، وعطاء (8)، وابن سيرين (9)،
وبشر بن عذلوق (10).
__________
(1) ـ أنظر الحديث رقم (69) .
(2) ـ أنظر الحديث رقم (70) .
(3) ـ أنظر الحديث رقم (73) .
(4) ـ أنظر الحديث رقم (74) .
(5) ـ أنظر الحديث رقم (75) .
(6) ـ أنظر الحديث رقم (76 ـ 83) .
(7) ـ انظر الحديث رقم (107) .
(8) ـ أورد الحافظ أبو عبد اللّه مؤلف كتاب (الأذان بحي على خير العمل)كثيراً من الروايات عن ابن عمر من طريق نافع وعطاء، فراجعها وتخريجها هناك.
(9) ـ أنظر السنن الكبرى للبيهقي 1/424.
(10) ـ أنظر السنن الكبرى 1/424.(1/9)


وروى الحافظ زين الدين العراقي عن الإمام علاء الدين مغلطاي في كتاب (التلويح شرح الجامع الصحيح) أنه قال مالفظه: (( أما حي على خير العمل فذكر ابن حزم أنه صح عن عبد اللّه بن عمر، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف أنهما كانا يقولان في أذانهما حي على خير العمل، وقال مغلطاي: وكان علي بن الحسين يقولها (1) )).
وقال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير: وروى ابن حزم في (كتاب الإجماع) عن ابن عمر أنه كان يقول في أذانه حي على خير العمل (2).
وقال: (( بحثت عن هذين الإسنادين في حي على خير العمل فوجدتهما صحيحين إلى ابن عمر وزين العابدين (3) )).
وقال المحقق الجلال: (( وصحح ابن دقيق العيد وغيره أن ابن عمر وعلي بن الحسين ثبتا على التأذين بها إلى أن ماتا (4) )).
ومن المختصر من شرح ابن دقيق العيد على العمدة مالفظه: (( وقد صح بالسند الصحيح أن زين العابدين وعبد اللّه بن عمر أذنا بحي على خير العمل إلى أن
ماتا )) (5).
موقف التابعين من حي على خير العمل
التابعون هم أكثر الناس تأثراً بما كان عليه الصحابة وأقرب إلى معرفة ماكان عليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ـ بعد الصحابة ـ ورغم أن التابعين عاشوا تحت ظل الدولة الأموية التي كان أذانها الرسمي مبتوراً فقد عَبَّر جما عة منهم عن قناعتهم بشرعية حي على خير العمل في الأذان، فقد رُوي الأذان بحي على خير العمل عن كوكبة من كبار التابعين، منهم:
علي بن الحسين زين العابدين، وقد تقدم عن ابن حزم، وابن الوزير وابن دقيق العيد تصحيح الرواية عنه، وأورد الحافظ أبو عبد اللّه العلوي عنه في كتاب الأذان جملة من الروايات، منها رواية: محمد الباقر، ومسلم بن أبي مريم، وجعفر بن محمد الصادق بطرق كثيرة.
__________
(1) ـ الروض النضير 1/542.
(2) ـ الروض النضير 1/542.
(3) ـ الروض النضير 1/542.
(4) ـ ضوء النهار 1/468.
(5) ـ الروض النضير 1/542.(1/10)

2 / 40
ع
En
A+
A-