نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (415)
43- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامله على أردشير خُرة :
بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْ ءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَخُيُولُهُمْ وَأُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ لَكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَلَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلَا تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَلَا تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا أَلَا وَإِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَقِبَلَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا الْفَيْ ءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَيَصْدُرُونَ عَنْهُ.
44- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى زياد ابن أبيه وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه :
وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَيَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرْءَ(1/415)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (416)
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ وَيَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَنَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ وَالنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ.
فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ قَالَ : شَهِدَ بِهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَلَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِهِ حَتَّى ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ.
قال الرضي : قوله ( عليه السلام ) الواغل هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم وليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا والنوط المذبذب هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره واستعجل سيره.
45- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها قوله :
أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ(1/416)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (417)
مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِي ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَلَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَأَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَغَيْرِ فَدَكٍ وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا(1/417)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (418)
الْعَسَلِ وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :
وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ * وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَالرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَالنَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَأَبْطَأُ خُمُوداً. وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ وَاللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا وَسَأَجْهَدُ(1/418)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (419)
فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ.
وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ آخِرُهُ :
إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَمَضَامِينُ اللُّحُودِ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَقَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَأُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي وَمُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَلَا صَدَرَ هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ وَمَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ وَالسَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَالدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَلَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي وَايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَلَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ(1/419)