نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (268)
مِنْ ذُلٍّ وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اسْتَنْصَرَكُمْ وَلَهُ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَاسْتَقْرَضَكُمْ وَلَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللَّهِ فِي دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَأَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ وَأَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَصَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَنَصَباً ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلَى نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
184- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله للبرج بن مسهر الطائي وقد قال له بحيث يسمعه "لا حكم إلا للّه"، وكان من الخوارج :
اسْكُتْ قَبَحَكَ اللَّهُ يَا أَثْرَمُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ ظَهَرَ الْحَقُّ فَكُنْتَ فِيهِ ضَئِيلًا شَخْصُكَ خَفِيّاً صَوْتُكَ حَتَّى إِذَا نَعَرَ الْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ الْمَاعِزِ.(1/268)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (269)
185- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يحمد اللّه فيها ويثني على رسوله ويصف خلقا من الحيوان :
حمد اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ وَلَا تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ وَلَا تَرَاهُ النَّوَاظِرُ وَلَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وُجُودِهِ وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ وَارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ وَقَامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ وَعَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ وَبِمَا وَسَمَهَا بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَبِمَا اضْطَرَّهَا إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى دَوَامِهِ وَاحِدٌ لَا بِعَدَدٍ وَدَائِمٌ لَا بِأَمَدٍ وَقَائِمٌ لَا بِعَمَدٍ تَتَلَقَّاهُ الْأَذْهَانُ لَا بِمُشَاعَرَةٍ وَتَشْهَدُ لَهُ الْمَرَائِي لَا بِمُحَاضَرَةٍ لَمْ تُحِطْ بِهِ الْأَوْهَامُ بَلْ تَجَلَّى لَهَا بِهَا وَبِهَا امْتَنَعَ مِنْهَا وَإِلَيْهَا حَاكَمَهَا لَيْسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً وَلَا بِذِي عِظَمٍ تَنَاهَتْ بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً بَلْ كَبُرَ شَأْناً وَعَظُمَ سُلْطَاناً.
الرسول الأعظم
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّفِيُّ وَأَمِينُهُ الرَّضِيُّ ( صلى الله عليه وآله )(1/269)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (270)
أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ وَظُهُورِ الْفَلَجِ وَإِيضَاحِ الْمَنْهَجِ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا وَحَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ دَالًّا عَلَيْهَا وَأَقَامَ أَعْلَامَ الِاهْتِدَاءِ وَمَنَارَ الضِّيَاءِ وَجَعَلَ أَمْرَاسَ الْإِسْلَامِ مَتِينَةً وَعُرَى الْإِيمَانِ وَثِيقَةً.
منها في صفة خلق أصناف من الحيوان
وَ لَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَلَكِنِ الْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ وَالْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ أَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَأَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ وَفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَالْبَشَرَ انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَلَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَلَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ وَلَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ وَلَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا فِي عُلْوِهَا وَسُفْلِهَا وَمَا فِي الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا وَمَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَلَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا وَبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ(1/270)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (271)
وَ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ وَلَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْ ءٍ وَغَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ وَمَا الْجَلِيلُ وَاللَّطِيفُ وَالثَّقِيلُ وَالْخَفِيفُ وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ.
خلقة السماء والكون
وَ كَذَلِكَ السَّمَاءُ وَالْهَوَاءُ وَالرِّيَاحُ وَالْمَاءُ فَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ وَالْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَاخْتِلَافِ هَذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَفَجُّرِ هَذِهِ الْبِحَارِ وَكَثْرَةِ هَذِهِ الْجِبَالِ وَطُولِ هَذِهِ الْقِلَالِ وَتَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغَاتِ وَالْأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ فَالْوَيْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ وَجَحَدَ الْمُدَبِّرَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَلَا لِاخْتِلَافِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيمَا ادَّعَوْا وَلَا تَحْقِيقٍ لِمَا أَوْعَوْا وَهَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ أَوْ جِنَايَةٌ مِنْ غَيْرِ جَانٍ.
خلقة الجرادة
وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ وَأَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ وَجَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِيَّ وَفَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِيَّ وَجَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِيَّ وَنَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ وَمِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ يَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهِمْ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّهَا(1/271)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (272)
وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا وَتَقْضِيَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وَخَلْقُهَا كُلُّهُ لَا يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَيُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَوَجْهاً وَيُلْقِي إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَضَعْفاً وَيُعْطِي لَهُ الْقِيَادَ رَهْبَةً وَخَوْفاً فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ أَحْصَى عَدَدَ الرِّيشِ مِنْهَا وَالنَّفَسِ وَأَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى النَّدَى وَالْيَبَسِ وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَأَحْصَى أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَهَذَا عُقَابٌ وَهَذَا حَمَامٌ وَهَذَا نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَكَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَأَنْشَأَ السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا وَعَدَّدَ قِسَمَهَا فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَأَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا.
186- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في التوحيد وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة :
مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ وَلَا حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ وَلَا إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ وَلَا صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَتَوَهَّمَهُ كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ وَكُلُّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ فَاعِلٌ لَا بِاضْطِرَابِ آلَةٍ مُقَدِّرٌ لَا بِجَوْلِ فِكْرَةٍ غَنِيٌّ لَا بِاسْتِفَادَةٍ لَا تَصْحَبُهُ الْأَوْقَاتُ وَلَا(1/272)