نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (258)
179- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد سأله ذعلب اليماني فقال هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين فقال ( عليه السلام ) أ فأعبد ما لا أرى، فقال وكيف تراه، فقال :
لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ وَلَكِنْ تُدْرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ قَرِيبٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ مُلَابِسٍ بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرَ مُبَايِنٍ مُتَكَلِّمٌ لَا بِرَوِيَّةٍ مُرِيدٌ لَا بِهِمَّةٍ صَانِعٌ لَا بِجَارِحَةٍ لَطِيفٌ لَا يُوصَفُ بِالْخَفَاءِ كَبِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ بَصِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْحَاسَّةِ رَحِيمٌ لَا يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ تَعْنُو الْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ وَتَجِبُ الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِهِ.
180- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في ذم العاصين من أصحابه :
أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَقَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ وَعَلَى ابْتِلَائِي بِكُمْ أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ وَإِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ إِنْ أُمْهِلْتُمْ خُضْتُمْ وَإِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ وَإِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ وَإِنْ أُجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَّةٍ نَكَصْتُمْ. لَا أَبَا لِغَيْرِكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ وَالْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ الْمَوْتَ أَوِ الذُّلَّ لَكُمْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ جَاءَ يَومِي وَلَيَأْتِيَنِّي لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَبَيْنِكُمْ وَأَنَا لِصُحْبَتِكُمْ قَالٍ وَبِكُمْ غَيْرُ كَثِيرٍ لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ مَا(1/258)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (259)
دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَلَا حَمِيَّةٌ تَشْحَذُكُمْ أَ وَلَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَةٍ وَلَا عَطَاءٍ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمْ تَرِيكَةُ الْإِسْلَامِ وَبَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَى الْمَعُونَةِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَطَاءِ فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضًى فَتَرْضَوْنَهُ وَلَا سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَإِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ إِلَيَّ الْمَوْتُ قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ وَفَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ وَعَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ وَسَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ لَوْ كَانَ الْأَعْمَى يَلْحَظُ أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ وَأَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنَ الْجَهْلِ بِاللَّهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ وَمُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ.
181- وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ ( عليه السلام ) وَقَدْ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْلَمُ لَهُ عِلْمَ أَحْوَالِ قَوْمٍ مِنْ جُنْدِ الْكُوفَةِ قَدْ هَمُّوا بِاللِّحَاقِ بِالْخَوَارِجِ وَكَانُوا عَلَى خَوْفٍ مِنْهُ ( عليه السلام ) فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ قَالَ لَهُ أَ أَمِنُوا فَقَطَنُوا أَمْ جَبَنُوا فَظَعَنُوا فَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ ظَعَنُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ الْأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ وَصُبَّتِ السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ وَهُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ وَمُتَخَلٍّ(1/259)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (260)
عَنْهُمْ فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْهُدَى وَارْتِكَاسِهِمْ فِي الضَّلَالِ وَالْعَمَى وَصَدِّهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَجِمَاحِهِمْ فِي التِّيهِ.
182- وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ ( عليه السلام ) رُوِيَ عَنْ نَوْفٍ الْبَكَالِيِّ قَالَ خَطَبَنَا بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) بِالْكُوفَةِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى حِجَارَةٍ نَصَبَهَا لَهُ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيُّ وَعَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ وَحَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفٌ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ لِيفٍ وَكَأَنَّ جَبِينَهُ ثَفِنَةُ بَعِيرٍ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
حمد اللّه واستعانته
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إِلَيْهِ مَصَائِرُ الْخَلْقِ وَعَوَاقِبُ الْأَمْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَنَيِّرِ بُرْهَانِهِ وَنَوَامِي فَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّهِ قَضَاءً وَلِشُكْرِهِ أَدَاءً وَإِلَى ثَوَابِهِ مُقَرِّباً وَلِحُسْنِ مَزِيدِهِ مُوجِباً وَنَسْتَعِينُ بِهِ اسْتِعَانَةَ رَاجٍ لِفَضْلِهِ مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِهِ وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ مُعْتَرِفٍ لَهُ بِالطَّوْلِ مُذْعِنٍ لَهُ بِالْعَمَلِ وَالْقَوْلِ وَنُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً وَأَنَابَ إِلَيْهِ مُؤْمِناً وَخَنَعَ لَهُ مُذْعِناً وَأَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً وَعَظَّمَهُ مُمَجِّداً وَلَاذَ بِهِ رَاغِباً مُجْتَهِداً.
اللّه الواحد
لَمْ يُولَدْ سُبْحَانَهُ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً وَلَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً(1/260)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (261)
هَالِكاً وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَلَا زَمَانٌ وَلَمْ يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ بَلْ ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا مِنْ عَلَامَاتِ التَّدْبِيرِ الْمُتْقَنِ وَالْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِلَا عَمَدٍ قَائِمَاتٍ بِلَا سَنَدٍ دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ طَائِعَاتٍ مُذْعِنَاتٍ غَيْرَ مُتَلَكِّئَاتٍ وَلَا مُبْطِئَاتٍ وَلَوْ لَا إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِذْعَانُهُنَّ بِالطَّوَاعِيَةِ لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ وَلَا مَسْكَناً لِمَلَائِكَتِهِ وَلَا مَصْعَداً لِلْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلَاماً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ الْأَقْطَارِ لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَلَا اسْتَطَاعَتْ جَلَابِيبُ سَوَادِ الْحَنَادِسِ أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ تَلَأْلُؤِ نُورِ الْقَمَرِ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ غَسَقٍ دَاجٍ وَلَا لَيْلٍ سَاجٍ فِي بِقَاعِ الْأَرَضِينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ وَلَا فِي يَفَاعِ السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ وَمَا يَتَجَلْجَلُ بِهِ الرَّعْدُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَمَا تَلَاشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ الْأَنْوَاءِ وَانْهِطَالُ السَّمَاءِ وَيَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَمَقَرَّهَا وَمَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَمَجَرَّهَا وَمَا يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا وَمَا تَحْمِلُ الْأُنْثَى فِي بَطْنِهَا.(1/261)
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (262)
عود إلى الحمد
وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كُرْسِيٌّ أَوْ عَرْشٌ أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ جَانٌّ أَوْ إِنْسٌ لَا يُدْرَكُ بِوَهْمٍ وَلَا يُقَدَّرُ بِفَهْمٍ وَلَا يَشْغَلُهُ سَائِلٌ وَلَا يَنْقُصُهُ نَائِلٌ وَلَا يَنْظُرُ بِعَيْنٍ وَلَا يُحَدُّ بِأَيْنٍ وَلَا يُوصَفُ بِالْأَزْوَاجِ وَلَا يُخْلَقُ بِعِلَاجٍ وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيماً وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ عَظِيماً بِلَا جَوَارِحَ وَلَا أَدَوَاتٍ وَلَا نُطْقٍ وَلَا لَهَوَاتٍ بَلْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً أَيُّهَا الْمُتَكَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّكَ فَصِفْ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَجُنُودَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فِي حُجُرَاتِ الْقُدُسِ مُرْجَحِنِّينَ مُتَوَلِّهَةً عُقُولُهُمْ أَنْ يَحُدُّوا أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ فَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالصِّفَاتِ ذَوُو الْهَيْئَاتِ وَالْأَدَوَاتِ وَمَنْ يَنْقَضِي إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ ظَلَامٍ وَأَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ نُورٍ.
الوصية بالتقوى
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمُ الْمَعَاشَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ( عليه السلام ) الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وَعَظِيمِ الزُّلْفَةِ فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتْهُ قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ الْمَوْتِ وَأَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْهُ(1/262)