نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (233)
سَاجٍ يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأُفُولِ وَالْكُرُورِ وَتَقَلُّبِ الْأَزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ وَإِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَمُدَّةِ وَكُلِّ إِحْصَاءٍ وَعِدَّةٍ تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ وَنِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ وَتَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ وَتَمَكُّنِ الْأَمَاكِنِ فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ وَإِلَى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ.
ابتداع المخلوقين
لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ وَلَا مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ وَصَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ لَيْسَ لِشَيْ ءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ وَلَا لَهُ بِطَاعَةِ شَيْ ءٍ انْتِفَاعٌ عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى.
منها : أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِيُّ وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَمُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ. بُدِئْتَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ وَوُضِعْتَ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَقْسُومٍ تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لَا تُحِيرُ دُعَاءً وَلَا تَسْمَعُ نِدَاءً ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا(1/233)


نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (234)
فَمَنْ هَدَاكَ لِاجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ هَيْهَاتَ إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقِينَ أَبْعَدُ.
164- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما اجتمع الناس شكوا ما نقموه على عثمان وسألوه مخاطبته لهم واستعتابه لهم فدخل عليه فقال :
إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَقَدِ اسْتَسْفَرُونِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ وَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ وَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْ ءٍ فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ وَلَا خَلَوْنَا بِشَيْ ءٍ فَنُبَلِّغَكَهُ وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) كَمَا صَحِبْنَا وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَلَا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ وَأَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى أَبِي رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا وَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالَا فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ فَإِنَّكَ وَاللَّهِ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمًى وَلَا تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ وَإِنَّ الطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ وَإِنَّ أَعْلَامَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ(1/234)


نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (235)
هُدِيَ وَهَدَى فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) يَقُولُ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلَا عَاذِرٌ فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَلَّا تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَقْتُولَ فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا وَيَبُثُّ الْفِتَنَ فِيهَا فَلَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً وَيَمْرُجُونَ فِيهَا مَرْجاً فَلَا تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلَالِ السِّنِّ وَتَقَضِّي الْعُمُرِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ كَلِّمِ النَّاسَ فِي أَنْ يُؤَجِّلُونِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهِمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَلَا أَجَلَ فِيهِ وَمَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِكَ إِلَيْهِ.
165- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يذكر فيها عجيب خلقة الطاوس :
خلقة الطيور
ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ وَمَوَاتٍ وَسَاكِنٍ وَذِي حَرَكَاتٍ(1/235)


نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (236)
وَ أَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ وَمَسَلِّمَةً لَهُ وَنَعَقَتْ فِي أَسْمَاعِنَا دَلَائِلُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَمَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الْأَطْيَارِ الَّتِي أَسْكَنَهَا أَخَادِيدَ الْأَرْضِ وَخُرُوقَ فِجَاجِهَا وَرَوَاسِيَ أَعْلَامِهَا مِنْ ذَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَهَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ مُصَرَّفَةٍ فِي زِمَامِ التَّسْخِيرِ وَمُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِي مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ وَالْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ كَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ وَرَكَّبَهَا فِي حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ وَمَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ فِي الْهَوَاءِ خُفُوفاً وَجَعَلَهُ يَدِفُّ دَفِيفاً وَنَسَقَهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا فِي الْأَصَابِيغِ بِلَطِيفِ قُدْرَتِهِ وَدَقِيقِ صَنْعَتِهِ فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي قَالَبِ لَوْنٍ لَا يَشُوبُهُ غَيْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِيهِ وَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ بِخِلَافِ مَا صُبِغَ بِهِ.
الطاوس
وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْكَمِ تَعْدِيلٍ وَنَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وَذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ إِذَا دَرَجَ إِلَى الْأُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ وَسَمَا بِهِ مُطِلًّا عَلَى رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ يَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ وَيَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ يُفْضِي كَإِفْضَاءِ(1/236)


نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (237)
الدِّيَكَةِ وَيَؤُرُّ بِمَلَاقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ أُحِيلُكَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مُعَايَنَةٍ لَا كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيفٍ إِسْنَادُهُ وَلَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ وَأَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِكَ ثُمَّ تَبِيضُ لَا مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِيَ مِنْ فِضَّةٍ وَمَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ دَارَاتِهِ وَشُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْيَانِ وَفِلَذَ الزَّبَرْجَدِ فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ قُلْتَ جَنًى جُنِيَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيعٍ وَإِنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْمَلَابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ الْحُلَلِ أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الْيَمَنِ وَإِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ الْمُكَلَّلِ يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ وَيَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَجَنَاحَيْهِ فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ وَأَصَابِيغِ وِشَاحِهِ فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلًا بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبِينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ وَيَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلَاسِيَّةِ وَقَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كَالْإِبْرِيقِ وَمَغْرِزُهَا إِلَى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْيَمَانِيَّةِ أَوْ(1/237)

41 / 105
ع
En
A+
A-