نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (228)
بِنَبِيِّهِ وَالْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً وَلَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً وَأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ وَحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ وَصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ وَمُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَلَقَدْ كَانَ ( صلى الله عليه وآله ) يَأْكُلُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ وَيَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ وَيَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ وَيَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ يَا فُلَانَةُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَيِّبِيهِ عَنِّي فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَزَخَارِفَهَا فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً وَلَا يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً وَلَا يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ وَكَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) مَا يَدُلُّكُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وَعُيُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَزُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَكْرَمَ(1/228)


نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (229)
اللَّهُ مُحَمَّداً بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهِ الْعَظِيمِ بِالْإِفْكِ الْعَظِيمِ وَإِنْ قَالَ أَكْرَمَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ وَزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ وَاقْتَصَّ أَثَرَهُ وَوَلَجَ مَوْلِجَهُ وَإِلَّا فَلَا يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) عَلَماً لِلسَّاعَةِ وَمُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ وَمُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصاً وَوَرَدَ الْآخِرَةَ سَلِيماً لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ وَأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَقَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَ لَا تَنْبِذُهَا عَنْكَ فَقُلْتُ اغْرُبْ عَنِّي فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى.
161- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في صفة النبي وأهل بيته وأتباع دينه، وفيها يعظ بالتقوى :
الرسول وأهله وأتباع دينه
ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِي ءِ وَالْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي وَالْكِتَابِ الْهَادِي أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ(1/229)


نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (230)
عَلَا بِهَا ذِكْرُهُ وَامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ وَمَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ وَدَعْوَةٍ مُتَلَافِيَةٍ أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ وَبَيَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دَيْناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ وَيَكُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَالْعَذَابِ الْوَبِيلِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكُّلَ الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى جَنَّتِهِ الْقَاصِدَةَ إِلَى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ.
النصح بالتقوى
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً وَالْمَنْجَاةُ أَبَداً رَهَّبَ فَأَبْلَغَ وَرَغَّبَ فَأَسْبَغَ وَوَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا وَزَوَالَهَا وَانْتِقَالَهَا فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَأَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ فَغُضُّوا عَنْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ غُمُومَهَا وَأَشْغَالَهَا لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالَاتِهَا فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ وَالْمُجِدِّ الْكَادِحِ وَاعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ وَزَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزُّهُمْ وَانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ(1/230)


نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (231)
الْأَوْلَادِ فَقْدَهَا وَبِصُحْبَةِ الْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا لَا يَتَفَاخَرُونَ وَلَا يَتَنَاسَلُونَ وَلَا يَتَزَاوَرُونَ وَلَا يَتَحَاوَرُونَ فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ وَالْعَلَمَ قَائِمٌ وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ.
162- ومن كلام له ( عليه السلام ) لبعض أصحابه وقد سأله كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به فقال :
يَا أَخَا بَنِي أَسَدٍ إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وَحَقُّ الْمَسْأَلَةِ وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ أَمَّا الِاسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ وَنَحْنُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً وَالْأَشَدُّونَ بِالرَّسُولِ ( صلى الله عليه وآله ) نَوْطاً فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ وَالْحَكَمُ اللَّهُ وَالْمَعْوَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامَةُ.
وَ دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ * وَلَكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ
وَ هَلُمَّ الْخَطْبَ فِي ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ وَلَا غَرْوَ وَاللَّهِ فَيَا لَهُ خَطْباً يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ وَيُكْثِرُ(1/231)


نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (232)
الْأَوَدَ حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ وَسَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ وَجَدَحُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً فَإِنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَعَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ.
163- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
الخالق جل وعلا
الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ وَسَاطِحِ الْمِهَادِ وَمُسِيلِ الْوِهَادِ وَمُخْصِبِ النِّجَادِ لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ وَلَا لِأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَزَلْ وَالْبَاقِي بِلَا أَجَلٍ خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ حَدَّ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا لَا تُقَدِّرُهُ الْأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَالْحَرَكَاتِ وَلَا بِالْجَوَارِحِ وَالْأَدَوَاتِ لَا يُقَالُ لَهُ مَتَى وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِحَتَّى الظَّاهِرُ لَا يُقَالُ مِمَّ وَالْبَاطِنُ لَا يُقَالُ فِيمَ لَا شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى وَلَا مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ وَلَا كُرُورُ لَفْظَةٍ وَلَا ازْدِلَافُ رَبْوَةٍ وَلَا انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ فِي لَيْلٍ دَاجٍ وَلَا غَسَقٍ(1/232)

40 / 105
ع
En
A+
A-