فيا ليت إن الجن جازوا جمالتي و زحزح عني ما عناني من السقم و يا ليتهم قالوا انطنا كل ما حوت يمينك في حرب عماس و في سلم أعلل قلبي بالذي يزعمونه فيا ليتني عوفيت في ذلك الزع شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 419و قال آخرأرى أن جنان النويرة أصبحوا و هم بين غضبان علي و آسف حملت و لم أقبل إليهم حمالة تسكن عن قلب من السقم تالف و لو أنصفوا لم يطلبوا غير حقهم و من لي من أمثالهم بالتناصف تغطوا بثوب الأرض عني و لو بدوا لأصبحت منهم آمنا غير خاو كانوا إذا غم عليهم أمر الغائب و لم يعرفوا له خبرا جاءوا إلى بئر عادية أو جفر قديم و نادوا فيه يا فلان أو يا أبا فلان ثلاث مرات و يزعمون أنه إن كان ميتا لم يسمعوا صوتا و إن كان حيا سمعوا صوتا ربما توهموه وهما أو سمعوه من الصدى فبنوا عليه عقيدتهم قال بعضهم
دعوت أبا المغوار في الجفر دعوة فما آض صوتي بالذي كنت داعياأظن أبا المغوار في قعر مظلم تجر عليه الذاريات السوافيا
و قال
و كم ناديته و الليل ساج بعادي البئار فما أجابا
و قال آخر
غاب فلم أرج له إيابا و الجفر لا يرجع لي جواباو ما قرأت مذ نأى كتابا حتى متى أستنشد الركاباعنه و كل يمنع الخطابا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 420و قال آخرأ لم تعلمي أني دعوت مجاشعا من الجفر و الظلماء باد كسورهافجاوبني حتى ظننت بأنه سيطلع من جوفاء صعب خدورهالقد سكنت نفسي و أيقنت أنه سيقدم و الدنيا عجاب أمورها
و قال آخر
دعوناه من عادية نضب ماؤها و هدم جاليها اختلاف عصورفرد جوابا ما شككت بأنه قريب إلينا بالإياب يصير
أقوى في البيت الثاني و سكن نضب ضرورة كما قال
لو عصر منه البان و المسك انعصر
و من أعاجيبهم أنهم كانوا في الحرب ربما أخرجوا النساء فيبلن بين الصفين يرون أن ذلك يطفئ نار الحرب و يقودهم إلى السلم. قال بعضهم
لقونا بأبوال النساء جهالة و نحن نلاقيهم ببيض قواضب
و قال آخر
بالت نساء بني خراشة خيفة منا و أدبرت الرجال شلالا(20/252)


و قال آخر
بالت نساؤهم و البيض قد أخذت منهم مآخذ يستشفى بها الكلب
و هذان البيتان يمكن أن يراد بهما أن النساء يبلن خيفة و ذعرا لا على المعنى الذي نحن في ذكره فإذن لا يكون فيهما دلالة على المراد. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 421و قال الآخرهيهات رد الخيل بالأبوال إذا غدت في صور السعالي
و قال آخر
جعلوا السيوف المشرفية منهم بول النساء و قل ذاك غناء
فأما ذكرهم عزيف الجن في المفاوز و السباسب فكثير مشهور كقول بعضهم
و خرق تحدث غيطانه حديث العذارى بأسرارها
و قال آخر
و دوية سبسب سملق من البيد تعزف جنانها
و قال الأعشى
و بهماء تعزف جناتها مناهلها آجنات سدم
و قال
و بلدة مثل ظهر الترس موحشة للجن بالليل في حافاتها زجل
و قال آخر
ببيداء في أرجائها الجن تعزف
و قال الشرقي بن القطامي كان رجل من كلب يقال له عبيد بن الحمارس شجاعا و كان نازلا بالسماوة أيام الربيع فلما حسر الربيع و قل ماؤه و أقلعت أنواؤه تحمل إلى وادي تبل فرأى روضة و غديرا فقال روضة و غدير و خطب يسير و أنا لما شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 422حويت مج فنزل هناك و له امرأتان اسم إحداهما الرباب و الأخرى خولة فقالت له خولة
أرى بلدة قفرا قليلا أنيسها و إنا لنخشى إن دجا الليل أهلها
و قالت له الرباب
أرتك برأيي فاستمع عنك قولها و لا تأمنن جن العزيف و جهلها
فقال مجيبا لهما
أ لست كميا في الحروب مجربا شجاعا إذا شبت له الحرب محرباسريعا إلى الهيجا إذا حمس الوغى فأقسم لا أعدو الغدير منكبا
ثم صعد إلى جبل تبل فرأى شيهمة و هي الأنثى من القنافذ فرماها فأقعصها و معها ولدها فارتبطه فلما كان الليل هتف به هاتف من الجن
يا ابن الحمارس قد أسأت جوارنا و ركبت صاحبنا بأمر مفظع و عقرت لقحته و قدت فصيلها قودا عنيفا في المنيع الأرفع و نزلت مرعى شائنا و ظلمتنا و الظلم فاعله وخيم المرتع فلنطرقنك بالذي أوليتنا شر يجيئك ما له من مدفأجابه ابن الحمارس(20/253)


يا مدعي ظلمي و لست بظالم اسمع لديك مقالتي و تسمع إن كنتم جنا ظلمتم قنفذا عقرت فشر عقيرة في مصرع لا تطمعوا فيما لدي فما لكم فيما حويت و حزته من مطمفأجابه الجني
يا ضارب اللقحة بالعضب الأفل قد جاءك الموت و أوفاك الأجل
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 423و ساقك الحين إلى جن تبل فاليوم أقويت و أعيتك الحيفأجابه ابن الحمارس
يا صاحب اللقحة هل أنت بجل مستمع مني فقد قلت الخطل و كثرة المنطق في الحرب فشل هيجت قمقاما من القوم بطل ليث ليوث و إذا هم فعل لا يرهب الجن و لا الإنس أجل من كان بالعقوة من جن تقال فسمعهما شيخ من الجن فقال لا و الله لا نرى قتل إنسان مثل هذا ثابت القلب ماضي العزيمة فقام ذلك الشيخ و حمد الله تعالى ثم أنشد
يا ابن الحمارس قد نزلت بلادنا فأصبت منها مشربا و منامافبدأتنا ظلما بعقر لقوحنا و أسأت لما أن نطقت كلامافاعمد لأمر الرشد و اجتنب الردى إنا نرى لك حرمة و ذماماو اغرم لصاحبنا لقوحا متبعا فلقد أصبت بما فعلت أثاما
فأجابه ابن الحمارس
الله يعلم حيث يرفع عرشه أني لأكره أن أصيب أثاماأما ادعاؤك ما ادعيت فإنني جئت البلاد و لا أريد مقامافأسمت فيها مالنا و نزلتها لأريح فيها ظهرنا أيامافليغد صاحبكم علينا نعطه ما قد سألت و لا نراه غراما
ثم غرم للجن لقوحا متبعا للقنفذ و ولدها. و هذه الحكاية و إن كانت كذبا إلا أنها تتضمن أدبا و هي من طرائف شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 424أحاديث العرب فذكرناها لأدبها و إمتاعها و يقال إن الشرقي بن القطامي كان يصنع أشعارا و ينحلها غيره. فأما مذهب العرب في أن ل شاعر شيطانا يلقي إليه الشعر فمذهب مشهور و الشعراء كافة عليه قال بعضهم
إني و إن كنت صغير السن و كان في العين نبو عني فإن شيطاني أمير الجن يذهب بي في الشعر كل فنو قال حسان بن ثابت(20/254)


إذا ما ترعرع فينا الغلام فما إن يقال له من هوه إذا لم يسد قبل شد الإزار فذلك فينا الذي لا هوه و لي صاحب من بني الشيصبان فطورا أقول و طوار هوو كانوا يزعمون أن اسم شيطان الأعشى مسحل و اسم شيطان المخبل عمرو و قال الأعشى
دعوت خليلي مسحلا و دعوا له جهنام جدعا للهجين المذمم
و قال آخر
لقد كان جني الفرزدق قدوة و ما كان فينا مثل فحل المخبل و لا في القوافي مثل عمرو و شيخه و لا بعد عمرو شاعر مثل مسحلو قال الفرزدق يصف قصيدته
كأنها الذهب العقيان حبرها لسان أشعر خلق الله شيطانا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 425و قال أبو النجمإني و كل شاعر من البشر شيطانه أنثى و شيطاني ذكر
و أنشد الخالع فيما نحن فيه لبعض الرجاز
إن الشياطين أتوني أربعه في غلس الليل و فيهم زوبعه
و هذا لا يدل على ما نحن بصدده من أمر الشعر و إلقائه إلى الإنسان فلا وجه لإدخاله في هذا الموضع. و من مذاهبهم أنهم كانوا إذا قتلوا الثعبان خافوا من الجن أن يأخذوا بثأره فيأخذون روثة و يفتونها على رأسه و يقولون روثة راث ثائرك. و قال بعضهم
طرحنا عليه الروث و الزجر صادق فراث علينا ثأره و الطوائل
و قد يذر على الحية المقتولة يسير رماد و يقال لها قتلك العين فلا ثأر لك و في أمثالهم لمن ذهب دمه هدرا و هو قتيل العين قال الشاعر
و لا أكن كقتيل العين وسطكم و لا ذبيحة تشريق و تنحار
فأما مذهبهم في الخرزات و الأحجار و الرقى و العزائم فمشهور فمنها السلوانة و يقال السلوة و هي خرزة يسقى العاشق منها فيسلو في زعمهم و هي بيضاء شفافة قال الراجز
لو أشرب السلوان ما سليت ما بي غنى عنكم و إن غنيت(20/255)


السلوان جمع سلوانة. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 426و قال اللحياني السلوانة تراب من قبر يسقى منه العاشق فيسلو و قال عروة بن حزامجعلت لعراف اليمامة حكمه و عراف نجد إن هما شفياني فقالا نعم نشفي من الداء كله و قاما مع العواد يبتدران فما تركا من رقية يعرفانها و لا سلوة إلا و قد سقيانو قال آخر
سقوني سلوة فسلوت عنها سقى الله المنية من سقاني
أي سلوت عن السلوة و اشتد بي العشق و دام و قال الشمردل
و لقد سقيت بسلوة فكأنما قال المداوي للخيال بها ازدد
و من خرزاتهم الهنمة تجتلب بها الرجال و تعطف بها قلوبهم و رقيتها أخذته بالهنمة بالليل زوج و بالنهار أمه. و منها الفطسة و القبلة و الدردبيس كلها لاجتلاب قلوب الرجال قال الشاعر
جمعن من قبل لهن و فطسة و الدردبيس تمائما في منظم فانقاد كل مشذب مرس القوى لحبالهن و كل جلد شيظمو قيل الدردبيس خرزة سوداء يتحبب بها النساء إلى بعولتهن توجد في القبور العادية و رقيتها أخذته بالدردبيس تدر العرق اليبيس و تذر الجديد كالدريس و أنشد
قطعت القيد و الخرزات عني فمن لي من علاج الدردبيس
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 427و أصل الدردبيس الداهية و نقل إلى هذه لقوة تأثيرها. و من خرزاتهم القرزحلة أنشد ابن الأعرابيلا تنفع القرزحلة العجائزا إذا قطعن دونها المفاوزا
و هي من خرز الضرائر إذا لبستها المرأة مال إليها بعلها دون ضرتها. و منها خرزة العقرة تشدها المرأة على حقويها فتمنع الحبل ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق. و منها الينجلب و رقيتها أخذته بالينجلب فلا يرم و لا يغب و لا يزل عند الطنب. و منها كرار مبنية على الكسر و رقيتها يا كرار كريه إن أقبل فسريه و إن أدبر فضريه من فرجه إلى فيه. و منها الهمرة و رقيتها يا همرة اهمريه من استه إلى فيه و ماله و بنيه. و منها الخصمة خرزة للدخول على السلطان و الخصومة تجعل تحت فص الخاتم أو في زر القميص أو في حمائل السيف قال بعضهم(20/256)

8 / 69
ع
En
A+
A-