شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 411قال فيذهب العشا بذلك. و من مذاهبهم اعتقادهم أن الورل و القنفذ و الأرنب و الظبي و اليربوع و النعام مراكب الجن يمتطونها و لهم في ذلك أشعار مشهورة و يزعمون أنهم يرون الجن و يظاهرونهم و يخاطبونهم و يشاهدون الغول و ربما جامعوها تزوجوها و قالوا إن عمرو بن يربوع تزوج الغول و أولدها بنين و مكثت عنده دهرا فكانت تقول له إذا لاح البرق من جهة بلادي و هي جهة كذا فاستره عني فإني إن لم تستره عني تركت ولدك عليك و طرت إلى بلاد قومي فكان عمرو بن يربوع كلما برق البرق غطى وجهها بردائه فلا تبصره و إلى هذا المعنى أشار أبو العلاء المعري في قوله يذكر الإبل و حنينها إلى البرق
طربن لضوء البارق المتعالي ببغداد وهنا ما لهن و ما لي سمت نحوه الأبصار حتى كأنها بناريه من هنا و ثم صوالي إذا طال عنها سرها لو رءوسها تمد إليه في صدور عوالي تمنت قويقا و الصراة أمامها تراب لها من أينق و جمال إذا لاح إيماض سترت وجوهها كأني عمرو و المطي س و كم هم نضو أن يطير مع الصبا إلى الشام لو لا حبسه بعقاليقالوا فغفل عمرو بن يربوع عنها ليلة و قد لمع البرق فلم يستر وجهها فطارت و قالت له و هي تطير
أمسك بنيك عمرو إني آبق برق على أرض السعالي آلق
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 412و منهم من يقول ركبت بعيرا و طارت عليه أي أسرعت فلم يدركها و عن هذا قال الشاعررأى برقا فأوضع فوق بكر فلا بك ما أسأل و لا أغاما
قال فبنو عمرو بن يربوع إلى اليوم يدعون بني السعلاة و لذلك قال الشاعر يهجوهم
يا قبح الله بني السعلاة عمرو بن يربوع شرار النات ليسوا بأبطال و لا أكياتفأبدل السين تاء و هي لغة قوم من العرب. و من مذاهبهم في الغول قولهم إنها إذا ضربت ضربة واحدة بالسيف هلكت فإن ضربت ثانية عاشت و إلى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله
فقالت ثن قلت لها رويدا مكانك إنني ثبت الجنان(20/247)
و كانت العرب تسمي أصوات الجن العزيف و تقول إن الرجل إذا قتل قنفذا أو ورلا لم يأمن الجن على فحل إبله و إذا أصاب إبله خطب أو بلاء حمله على ذلك و يزعمون أنهم يسمعون الهاتف بذلك و يقولون مثله في الجان من الحيات و قتله عندهم عظيم و رأى رجل منهم جانا في قعر بئر لا يستطيع الخروج فنزل و أخرجه منها على خطر عظيم و غمض عينيه لئلا يرى أين يدخل كأنه يريد بذلك التقرب إلى الجن. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 413و قال أبو عثمان الجاحظ و كانوا يسمون من يجاور منهم الناس عامرا و الجمع عمار فإن تعرض للصبيان فهو روح فإن خبث و تعرفهو شيطان فإن زاد على ذلك فهو مارد فإن زاد على ذلك في القوة فهو عفريت فإن طهر و لطف و صار خيرا كله فهو ملك و يفاضلون بينهم و يعتقدون مع كل شاعر شيطانا و يسمونهم بأسماء مختلفة قال أبو عثمان و في النهار ساعات يرى فيها الصغير كبيرا و يوجد لأوساط الفيافي و الرمال و الحرار مثل الدوي و هو طبع ذلك الوقت قال ذو الرمة
إذا قال حادينا لترنيم نبأة صه لم يكن إلا دوي المسامع
و قال أبو عثمان أيضا في الذين يذكرون عزيف الجن و تغول الغيلان إن أثر هذا الأمر و ابتداء هذا الخيال أن القوم لما نزلوا بلاد الوحش عملت فيهم الوحشة و من انفرد و طال مقامه في البلاد الخلاء استوحش و لا سيما مع قلة الأشغال و فقد المذاكرين و الوحدة لا تقطع أيامها إلا بالتمني و الأفكار و ذلك أحد أسباب الوسواس. و من عجائب اعتقادات العرب و مذاهبها اعتقادهم في الديك و الغراب و الحمامة و ساق حر و هو الهديل و الحية فمنهم من يعتقد أن للجن بهذه الحيوانات تعلقات و منهم من يزعم أنها نوع من الجن و يعتقدون أن سهيلا و الزهرة الضب و الذئب و الضبع مسوخ و من أشعارهم في مراكب الجن قول بعضهم في قنفذ رآه ليلا(20/248)
فما يعجب الجنان منك عدمتهم و في الأسد أفراس لهم و نجائب أ يسرج يربوع و يلجم قنفذ لقد أعوزتكم ما علمت النجائب شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 414فإن كانت الجنان جنت فبالحرى لا ذنب للأقوام و الله غالو من الشعر المنسوب إلى الجن
و كل المطايا قد ركبنا فلم نجد ألذ و أشهى من ركوب الأرانب و من عضر فوط عن لي فركبته أبادر سربا من عطاء قواربو قال أعرابي يكذب بذلك
أ يستمع الأسرار راكب قنفذ لقد ضاع سر الله يا أم معبد
و من أشعارهم و أحاديثهم في رواية الجن و خطابهم و هتافهم ما رواه أبو عثمان الجاحظ لسمير بن الحارث الضبي
و نار قد حضأت بعيد وهن بدار لا أريد بها مقاماسوى تحليل راحلة و عين أكالئها مخافة أن تناماأتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجن قلت عموا ظلاما
و يزعمون أن عمير بن ضبيعة رأى غلمانا ثلاثة يلعبون نهارا فوثب غلام منهم فقام على عاتقي صاحبه و وثب الآخر فقام على عاتقي الأعلى منهما فلما رآهم كذلك حمل عليهم فصدمهم فوقعوا على ظهورهم و هم يضحكون فقال عمير بن ضبيعة فما مررت يومئذ بشجرة إلا و سمعت من تحتها ضحكا فلما رجع إلى منزله مرض أربعة أشهر. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 415و حكى الأصمعي عن بعضهم أنه خرج هو و صاحب له يسيران فإذا غلام على الطريق فقالا له من أنت قال أنا مسكين قد قطع بي فقال أحدهما لصاحبه أردفه خلفك فأردفه فالتفت الآخر إليه فرأى فمه يتأجج ناراشد عليه بالسيف فذهبت النار فرجع عنه ثم التفت فرأى فمه يتأجج نارا فشد عليه فذهبت النار ففعل ذلك مرار فقال ذلك الغلام قاتلكما الله ما أجلدكما و الله ما فعلتها بآدمي إلا و انخلع فؤاده ثم غاب عنهما فلم يعلما خبره. و قال أبو البلاد الطهوي و يروى لتأبط شرا(20/249)
لهان على جهينة ما ألاقي من الروعات يوم رحى بطان لقيت الغول تسري في ظلام بسهب كالعباءة صحصحان فقلت لها كلانا نقض أرض أخو سفر فخلي لي مكاني فشدت شدة نحوي فأهوى لها كفى بمصقول يماني فقالت زد فقلت رويد إني على أمثالها ثبت الجو الذين يروون هذا الشعر لتأبط شرا يروون أوله
ألا من مبلغ فتيات جهم بما لاقيت عند رحى بطان بأني قد لقيت الغول تلوي بمرت كالصحيفة صحصحان فصدت فانتحيت لها بعضب حسام غير مؤتشب يماني فقد سراتها و البرك منها فخرت لليدين و للجران فقالت ثن قلت لها رويدا مكانك إنني ثبت الج شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 416و لم أنفك مضطجعا لديها لأنظر مصبحا ما ذا دهاني إذا عينان في رأس دقيق كرأس الهر مشقوق اللسان و ساقا مخدج و لسان كلب و ثوب من عباء أو شو قال البهراني
و تزوجت في الشبيبة غولا بغزال و صدقتي زق خمر
و قال الجاحظ أصدقها الخمر لطيب ريحها و الغزال لأنه من مراكب الجن و قال أبو عبيد بن أيوب العنبري أحد لصوص العرب
تقول و قد ألممت بالإنس لمة مخضبة الأطراف خرس الخلاخل أ هذا خدين الغول و الذئب و الذي يهيم بربات الحجال الهراكل رأت خلق الدرسين أسود شاحبا من القوم بساما كريم الشمائل تعود من آبائه فتكاتهم و إطعامهم في كل غبراء شامل إذا صاد صيدا لفه بضرامه وشيكا و لم ينغلي المراجل و نهسا كنهس الصقر ثم مراسه بكفيه رأس الشيخة المتمايلو من هذه الأبيات
إذا ما أراد الله ذل قبيلة رماها بتشتيت الهوى و التخاذل و أول عجز القوم عما ينوبهم تقاعدهم عنه و طول التواكل و أول خبث الماء خبث ترابه و أول لؤم القوم لؤم الحلائ شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 417و هذا الشعر من جيد شعر العرب و إنما كان غرضنا منه متعلقا بأوله و ذكرنا سائره لما فيه من الأدب. و قال عبيد بن أيوب أيضا في المعنى الذي نحن بصددهو صار خليل الغول بعد عداوة صفيا و ربته القفار البسابس
و قال أيضا(20/250)
فلله در الغول أي رفيقة لصاحب قفر في المهامة يذعرأرنت بلحن بعد لحن و أوقدت حوالي نيرانا تلوح و تزهر
و قال أيضا
و غولا قفرة ذكر و أنثى كأن عليهما قطع البجاد
و قال أيضا
فقد لاقت الغزلان مني بلية و قد لاقت الغيلان مني الدواهيا
و قال البهراني في قتل الغول
ضربت ضربة فصارت هباء في محاق القمراء آخر شهر
و قال أيضا يزعم أنه لما ثنى عليها الضرب عاشت
فثنيت و المقدار يحرس أهله فليت يميني يوم ذلك شلت
و قال تأبط شرا يصف الغول و يذكر أنه راودها عن نفسها فامتنعت عليه فقتلها
فأصبحت و الغول لي جارة فيا جارة أنت ما أغولا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 418و طالبتها بضعها فالتوت فكان من الرأي أن تقتلافجللتها مرهفا صارما أبان المرافق و المفصلافطار بقحف ابنة الجن ذا شقاشق قد أخلق المحملافمن يك يسأل عن جارتي فإن لها باللوى منزلاعظاءة أرض لها حلتان من ورق الطلح لم تغزلاو كنت إذا هممت ابتهلت و أحرى إذا قلت أن أفعلا
و من أعاجيبهم أنهم كانوا إذا طالت علة الواحد منهم و ظنوا أن به مسا من الجن لأنه قتل حية أو يربوعا أو قنفذا عملوا جمالا من طين و جعلوا عليها جوالق و ملئوها حنطة و شعيرا و تمرا و جعلوا تلك الجمال في باب جحر إلى جهة المغرب وقت غروب الشمس و باتوا ليلتهم تلك فإذا أصبحوا نظروا إلى تلك الجمال الطين فإن رأوا أنها بحالها قالوا لم تقبل الدية فزادوا فيها و إن رأوها قد تساقطت و تبدد ما عليها من الميرة قالوا قد قبلت الدية و استدلوا على شفاء المريض و ضربوا بالدف قال بعضهم
قالوا و قد طال عنائي و السقم احمل إلى الجن جمالات و ضم فقد فعلت و السقام لم يرم فبالذي يملك برئي أعتصمو قال آخر(20/251)