و كانوا إذا خرجوا إلى الأسفار أوقدوا نارا بينهم و بين المنزل الذي يريدونه و لم يوقدوها بينهم و بين المنزل الذي خرجوا منه تفاؤلا بالرجوع إليه. و من مذاهبهم المشهورة تعليق كعب الأرنب قال ابن الأعرابي قلت لزيد بن كثوة أ تقولون إن من علق عليه كعب أرنب لم تقربه جنان الدار و لا عمار الحي قال إي و الله و لا شيطان الخماطة و لا جار العشيرة و لا غول القفر و قال إمرؤ القيس شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 40أ يا هند لا تنكحي بوهة عليه عقيقته أحسبامرسعة بين أدباقه به عسم يبتغي أرنباليجعل في رجله كعبها حذار المنية أن يعطباو الخماطة شجرة و العشيرة تصغير العشرة و هي شجرة أيضا. و قال أبو محلم كانت العرب تعلق على الصبي سن ثعلب و سن هرة خوفا من الخطفة و النظرة و يقولون إن جنية أرادت صبي قوم فلم تقدر عليه فلامها قومها من الجن في ذلك فقالت تعتذر إليهم
كأن عليه نفره ثعالب و هرره و الحيض حيض السمرةو السمرة شي ء يسيل من السمر كدم الغزال و كانت العرب إذا ولدت المرأة أخذوا من دم السمر و هو صمغه الذي يسيل منه ينقطونه بين عيني النفساء و خطوا على وجه الصبي خطا و يسمى هذا الصمغ السائل من السمر الدودم و يقال بالذال المعجمة أيضا و تسمى هذه الأشياء التي تعلقعلى الصبي النفرات. قال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي إن بعض العرب قال لأبي إذا ولد لك ولد فنفر عنه فقال له أبي و ما التنفير قال غرب اسمه فولد له ولد فسماه قنفذا و كناه أبا العداء قال و أنشد أبي
كالخمر مزج دوائها منها بها تشفي الصداع و تبرئ المنجودا(20/242)
قال يريد أن القنفذ من مراكب الجن فداوى منهم ولده بمراكبهم. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 405و من مذاهبهم أن الرجل منهم كان إذا ركب مفازة و خاف على نفسه من طوارق الليل عمد إلى وادي شجر فأناخ راحلته في قرارته و عقلها و خط عليها خطا ثم قال أعوذ بصاحب هذا الوادو ربما قال بعظيم هذا الوادي و عن هذا قال الله سبحانه في القرآن وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً. و استعاذ رجل منهم و معه ولد فأكله الأسد فقال
قد استعذنا بعظيم الوادي من شر ما فيه من الأعادي فلم يجرنا من هزبر عادو قال آخر
أعوذ من شر البلاد البيد بسيد معظم مجيدأصبح يأوي بلوى زرد ذي عزة و كاهل شديد
و قال آخر
يا جن أجراع اللوى من عالج عاذ بكم ساري الظلام الدالج لا ترهقوه بغوي هائجو قال آخر
قد بت ضيفا لعظيم الوادي المانعي من سطوة الأعادي راحلتي في جاره و زاديو قال آخر
هيا صاحب الشجراء هل أنت مانعي فإني ضيف نازل بفنائكا
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 406و إنك للجنان في الأرض سيد و مثلك آوى في الظلام الصعالكو من مذاهبهم أن المسافر إذا خرج من بلده إلى آخر فلا ينبغي له أن يلتفت فإنه إذا التفت عاد فلذلك لا يلتفت إلا العاشق الذي يريد العود قال بعضهم
دع التلفت يا مسعود و ارم بها وجه الهواجر تأمن رجعة البلد
و قال آخر أنشده الخالع
عيل صيري بالثعلبية لما طال ليلي و ملني قرنائي كلما سارت المطايا بنا ميلا تنفست و التفت ورائيهذان البيتان ذكرهما الخالع في هذا الباب و عندي أنه لا دلالة فيهما على ما أراد لأن التلفت في أشعارهم كثير و مرادهم به الإبانة و الإعراب عن كثرة الشوق و التأسف على المفارقة و كون الراحل عن المنزل حيث لم يمكنه المقام فيه بجثمانه يتبعه بصره و يتزود من رؤيته كقول الرضي رحمه الله(20/243)
و لقد مررت على طلولهم و رسومهم بيد البلى نهب فوقفت حتى ضج من لغب نضوي و لج بعذلي الركب و تلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلو ليس يقصد بالتلفت هاهنا التفاؤل بالرجوع إليها لأن رسومها قد صارت نهبا ليد البلى فأي فائدة في الرجوع إليها و إنما يريد ما قدمنا ذكره من الحنين و التذكر لما مضى من أيامه فيها و كذلك قول الأول شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 40تلفت نحو الحي حتى وجدتني وجعت من الإصغاء ليتا و أخدعا
و مثل ذلك كثير و قال بعضهم في المذهب الأول
تلفت أرجو رجعة بعد نية فكان التفاتي زائدا في بلائياأ أرجو رجوعا بعد ما حال بيننا و بينكم حزن الفلا و الفيافيا
و قال آخر و قد طلق امرأته فتلفتت إليه
تلفت ترجو رجعة بعد فرقة و هيهات مما ترتجي أم مازن أ لم تعلمي أنى جموح عنانه إذا كان من أهواه غير ملاينو من مذاهبهم إذا بثرت شفة الصبي حمل منخلا على رأسه و نادى بين بيوت الحي الحلا الحلا الطعام الطعام فتلقي له النساء كسر الخبز و إقطاع التمر و اللحم في المنخل ثم يلقي ذلك للكلاب فتأكله فيبرأ من المرض فإن أكل صبي من الصبيان من ذلك الذي ألقاه للكلاب تمرة أو لقمة أو لحمة أصبح و قد بثرت شفته و أنشد لامرأة
أ لا حلا في شفة مشقوقه فقد قضى منخلنا حقوقه(20/244)
و من مذاهبهم أن الرجل منهم كان إذا طرفت عينه بثوب آخر مسح الطارف عين المطروف سبع مرات يقول في الأولى بإحدى جاءت من المدينة و في الثانية باثنتين جاءتا من المدينة و في الثالثة بثلاث جئن من المدينة إلى أن يقول في السابعة بسبع جئن من المدينة فتبرأ عين المطروف. شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 408و فيهم من يقول بإحدى من سبع جئن من المدينة باثنتين من سبع إلى أن يقول بسبع من سبع. و من مذاهبهم أن المرأة منهم كان إذا عسر عليها خاطب النكاح نشرت جانبا من شعرها و كحلت إحدى عينيها مخالفة للشعر المنشور و حجلت على إحدى رجليها يكون ذلك ليلا و تقول يا لكاح أبغي النكاح قبل الصباح فيسهل أمرها و تتزوج عن قرب قال رجل لصديقه و قد رأى امرأة تفعل ذلك
أ ما ترى أمك تبغي بعلا قد نشرت من شعرها الأقلاو لم توف مقلتيها كحلا ترفع رجلا و تحط رجلاهذا و قد شاب بنوها أصلا و أصبح الأصغر منهم كهلاخذ القطيع ثم سمها الذلا ضربا به تترك هذا الفعلا
و قال آخر
قد كحلت عينا و أعفت عينا و حجلت و نشرت قريناتظن زينا ما تراه شينا
و قال آخر
تصنعي ما شئت أن تصنعي و كحلي عينيك أو لا فدعي ثم احجلي في البيت أو في المجمع ما لك في بعل أرى من مطمعو من مذاهبهم كانوا إذا رحل الضيف أو غيره عنهم و أحبوا ألا يعود كسروا شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 409شيئا من الأواني وراءه و هذا مما تعمله الناس اليوم أيضا قال بعضهمكسرنا القدر بعد أبي سواح فعاد و قدرنا ذهبت ضياعا
و قال آخر
و لا نكسر الكيزان في أثر ضيفنا و لكننا نقفيه زادا ليرجعا
و قال آخر
أما و الله إن بني نفيل لحلالون بالشرف اليفاع أناس ليس تكسر خلف ضيف أوانيهم و لا شعب القصاعو من مذاهبهم قولهم إن من ولد في القمراء تقلصت غرلته فكان كالمختون و يجوز عندنا أن يكون ذلك من خواص القمر كما أن من خواصه إبلاء الكتان و إنتان اللحم و(20/245)
قد روي عن أمير المؤمنين ع إذا رأيت الغلام طويل الغرلة فاقرب به من السؤدد و إذا رأيته قصير الغرلة كأنما ختنه القمر فابعد به
و قال إمرؤ القيس لقيصر و قد دخل معه الحمام فرآه أغلف
إني حلفت يمينا غير كاذبة لأنت أغلف إلا ما جنى القمر
و من مذاهبهم التشاؤم بالعطاس قال إمرؤ القيس
و قد اغتدى قبل العطاس بهيكل
و قال آخر شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 41و خرق إذا وجهت فيه لغزوة مضيت و لم يحبسك عنه العواطس
و من مذاهبهم قولهم في الدعاء لا عشت إلا عيش القراد يضربونه مثلا في الشدة و الصبر على المشقة و يزعمون أن القراد يعيش ببطنه عاما و بظهره عاما و يقولون إنه يترك في طينة و يرمى بها الحائط فيبقى سنة على بطنه و سنة على ظهره و لا يموت قال بعضهم
فلا عشت إلا كعيش القراد عاما ببطن و عاما بظهر
و من مذاهبهم كانت النساء إذا غاب عنهن من يحببنه أخذن ترابا من موضع رجله كانت العرب تزعم أن ذلك أسرع لرجوعه. و قالت امرأة من العرب و اقتبضت من أثره
يا رب أنت جاره في سفره و جار خصييه و جار ذكره
و قالت امرأة
أخذت ترابا من مواطئ رجله غداة غدا كيما يئوب مسلما
و من مذاهبهم أنهم كانوا يسمون العشا في العين الهدبد و أصل الهدبد اللبن الخاثر فإذا أصاب أحدهم ذلك عمد إلى سنام فقطع منه قطعة و من الكبد قطعة و قلاهما و قال عند كل لقمة يأكلها بعد أن يمسح جفنه الأعلى بسبابته
فيا سناما و كبد ألا اذهبا بالهدبدليس شفاء الهدبد إلا السنام و الكبد(20/246)