أرد شجاع البطن قد تعلمينه و أوثر غيري من عيالك بالطعم
و من خرافات العرب أن الرجل منهم كان إذا أراد دخول قرية فخاف وباءها أو جنها وقف على بابها قبل أن يدخلها فنهق نهيق الحمار ثم علق عليه كعب أرنب كان ذلك عوذة له و رقية من الوباء و الجن و يسمون هذا النهيق التعشير قال شاعرهم
و لا ينفع التعشير أن حم واقع و لا زعزع و لا كعب أرنب
و قال الهيثم بن عدي خرج عروة بن الورد إلى خيبر في رفقه ليمتاروا فلما قربوا منها عشروا و عاف عروة أن يفعل فعلهم و قال شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 39لعمري لئن عشرت من خيفة الردى نهاق حمير إنني لجزوع فلا وألت تلك النفوس و لا أتت قفولا إلى الأوطان و هي جميع و قالوا إلا انهق لا تضرك خيبر و ذلك من فعل اليهود ولوالولوع بالضم الكذب ولع الرجل إذا كذب فيقال إن رفقته مرضوا و مات بعضهم و نجا عروة من الموت و المرض. و قال آخر
لا ينجينك من حمام واقع كعب تعلقه و لا تعشير
و يشابه هذا أن الرجل منهم كان إذا ضل في فلاة قلب قميصه و صفق بيديه كأنه يومئ بهما إلى إنسان فيهتدي قال أعرابي
قلبت ثيابي و الظنون تجول بي و ترمي برحلي نحو كل سبيل فلأيا بلأي ما عرفت جليتي و أبصرت قصدا لم يصب بدليلو قال أبو العملس الطائي
فلو أبصرتني بلوى بطان أصفق بالبنان على البنان فأقلب تارة خوفا ردائي و أصرخ تارة بأبي فلان لقلت أبو العملس قد دهاه من الجنان خالعة العناو الأصل في قلب الثياب التفاؤل بقلب الحال و قد جاء في الشريعة الإسلامية نحو ذلك في الاستسقاء شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 396و من مذاهب العرب أن الرجل منهم كان إذا سافر عمد إلى خيط فعقده في غصن شجرة أو في ساقها فإذا عاد نظر إلى ذلك الخيط فإن وجده بحاله علم زوجته لم تخنه و إن لم يجده أو وجده محلولا قال قد خانتني و ذلك العقد يسمى الرتم و يقال بل كانوا يعقدون طرفا من غصن الشجرة بطرف غصن آخر و قال الراجز(20/237)
هل ينفعنك اليوم إن همت بهم كثرة ما توصي و تعقاد الرتم
و قال آخر
خانته لما رأت شيبا بمفرقه و غره حلفها و العقد للرتم
و قال آخر
لا تحسبن رتائما عقدتها تنبيك عنها باليقين الصادق
و قال آخر
يعلل عمرو بالرتائم قلبه و في الحي ظبي قد أحلت محارمه فما نفعت تلك الوصايا و لا جنت عليه سوى ما لا يحب رتائمهو قال آخر
ما ذا الذي تنفعك الرتائم إذ أصبحت و عشقها ملازم و هي على لذاتها تداوم يزورها طب الفؤاد عارم بكل أدواء النساء عالو قد كانوا يعقدون الرتم للحمى و يرون أن من حلها انتقلت الحمى إليه و قال الشاعر
حللت رتيمة فمكثت شهرا أكابد كل مكروه الدواء
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 397و قال ابن السكيت إن العرب كانت تقول إن المرأة المقلات و هي التي لا يعيش لها ولد إذا وطئت القتيل الشريف عاش ولدها قال بشر بن أبي خازمتظل مقاليت النساء تطأنه يقلن أ لا يلقى على المرء مئزر
و قال أبو عبيدة تتخطاه المقلات سبع مرات فذلك وطؤها له. و قال ابن الأعرابي يمرون به و يطئون حوله و قيل إنما كانوا يفعلون ذلك بالشريف يقتل غدرا أو قودا. و قال الكميت
و تطيل المرزآت المقاليت إليه القعود بعد القيام
و قال الآخر
تركنا الشعثمين برمل خبت تزورهما مقاليت النساء
و قال الآخر
بنفسي التي تمشي المقاليت حوله يطاف له كشحا هضيما مهشما
و قال آخر
تباشرت المقالت حين قالوا ثوى عمرو بن مرة بالحفير
و من تخيلات العرب و خرافاتها أن الغلام منهم كان إذا سقطت له سن أخذها بين السبابة و الإبهام و استقبل الشمس إذا طلعت و قذف بها و قال يا شمس أبدليني بسن أحسن منها و ليجر في ظلمها إياتك أو تقول إياؤك و هما جميعا شعاع الشمس قال طرفة شرح نهج البلاغة ج : 19 ص :98
سقته إياة الشمس
و إلى هذا الخيال أشار شاعرهم بقوله
شادن يجلو إذا ما ابتسمت عن أقاح كأقاح الرمل غربدلته الشمس من منبته بردا أبيض مصقول الأشر
و قال آخر(20/238)
و أشنب واضح عذب الثنايا كأن رضابه صافي المدام كسته الشمس لونا من سناها فلاح كأنه برق الغمامو قال آخر
بذي أشر عذب المذاق تفردت به الشمس حتى عاد أبيض ناصعا
و الناس اليوم في صبيانهم على هذا المذهب. و كانت العرب تعتقد أن دم الرئيس يشفي من عضة الكلب الكلب. و قال الشاعر
بناة مكارم و أساة جرح دماؤهم من الكلب الشفاء
و قال عبد الله بن الزبير الأسدي
من خير بيت علمناه و أكرمه كانت دماؤهم تشفي من الكلب
و قال الكميت
أحلامكم لسقام الجهل شافية كما دماؤكم تشفي من الكلب
و من تخيلات العرب أنهم كانوا إذا خافوا على الرجل الجنون و تعرض الأرواح شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 399الخبيثة له نجسوه بتعليق الأقذار عليه كخرقة الحيض و عظام الموتى قالوا و أنفع من ذلك أن تعلق عليه طامث عظام موتى ثم لا يراها يومه ذلك و أنشدوا للمزق العبدي
فلو أن عندي جارتين و راقيا و علق أنجاسا على المعلق
قالوا و التنجيس يشفي إلا من العشق قال أعرابي
يقولون علق يا لك الخير رمة و هل ينفع التنجيس من كان عاشقا
و قالت امرأة و قد نجست ولدها فلم ينفعه و مات
نجسته لو ينفع التنجيس و الموت لا تفوته النفوس
و كان أبو مهدية يعلق في عنقه العظام و الصوف حذر الموت و أنشدوا
أتوني بأنجاس لهم و منجس فقلت لهم ما قدر الله كائن
و من مذاهبهم أن الرجل منهم كان إذا خدرت رجله ذكر من يحب أو دعاه فيذهب خدرها. و روي أن عبد الله بن عمر خدرت رجله فقيل له ادع أحب الناس إليك فقال يا رسول الله. و قال الشاعر
على أن رجلي لا يزال امذلالها مقيما بها حتى أجيلك في فكري
و قال كثير
إذا مذلت رجلي ذكرتك أشتفي بدعواك من مذل بها فيهون
و قال جميل
و أنت لعيني قرة حين نلتقي و ذكرك يشفيني إذا خدرت رجلي
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 400و قالت امرأةإذا خدرت رجلي دعوت ابن مصعب فإن قلت عبد الله أجلى فتورها
و قال آخر
صب محب إذا ما رجله خدرت نادى كبيشة حتى يذهب الخدر(20/239)
و قال المؤمل
و الله ما خدرت رجلي و لا عثرت إلا ذكرتك حتى يذهب الخدر
و قال الوليد بن يزيد
أثيبي هائما كلفا معنى إذا خدرت له رجل دعاك
و نظير هذا الوهم أن الرجل منهم كان إذا اختلجت عينه قال أرى من أحبه فإن كان غائبا توقع قدومه و إن كان بعيدا توقع قربه. و قال بشر
إذا اختلجت عيني أقول لعلها فتاة بني عمرو بها العين تلمع
و قال آخر
إذا اختلجت عيني تيقنت أنني أراك و إن كان المزار بعيدا
و قال آخر
إذا اختلجت عيني أقول لعلها لرؤيتها تهتاج عيني و تطرف
و هذا الوهم باق في الناس اليوم. و من مذاهبهم أن الرجل منهم كان إذا عشق و لم يسل و أفرط عليه العشق حمله شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 401رجل على ظهره كما يحمل الصبي و قام آخر فأحمى حديدة أو ميلا و كوى به بين أليتيه فيذهب عشقه فيما يزعمون. و قال أعرابيكويتم بين رانفتي جهلا و نار القلب يضرمها الغرام
و قال آخر
شكوت إلى رفيقي اشتياقي فجاءاني و قد جمعا دواءو جاءا بالطبيب ليكوياني و لا أبغي عدمتهما اكتواءو و لو أتيا بسلمى حين جاءا لعاضاني من السقم الشفاء
و استشهد الخالع على هذا المعنى بقول كثير
أ غاضر لو شهدت غداة بنتم حنو العائدات على وسادي أويت لعاشق لم ترحميه بواقدة تلذع بالزنادهذا البيت ليس بصريح في هذا الباب و يحتمل أن يكون مراده فيه المعنى المشهور المطروق بين الشعراء من ذكر حرارة الوجد و لذعه و تشبيهه بالنار إلا أنه قد روى في كتابه خبرا يؤكد المقصد الذي عزاه و ادعاه و هو عن محمد بن سليمان بن فليح عن أبيه عن جده قال كنت عند عبد الله بن جعفر فدخل عليه كثير و عليه أثر علة فقال عبد الله ما هذا بك قال هذا ما فعلت بي أم الحويرث ثم كشف عن ثوبه و هو مكوي و أنشد
عفا الله عن أم الحويرث ذنبها علام تعنيني و تكمي دوائياو لو آذنوني قبل أن يرقموا بها لقلت لهم أم الحويرث دائيا(20/240)
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 402و من أوهامهم و تخيلاتهم أنهم كانوا يزعمون أن الرجل إذا أحب امرأة و أحبته فشق برقعها و شقت رداءه صلح حبهما و دام فإن لم يفعلا ذلك فسد حبهما قال سحيم عبد بني الحسحاسو كم قد شفقنا من رداء محبر و من برقع عن طفلة غير عابس إذا شق برد شق بالبرد برقع دواليك حتى كلنا غير لابس نروم بهذا الفعل بقيا على الهوى و إلف الهوى يغري بهذي الوساوو قال آخر
شققت ردائي يوم برقة عالج و أمكنني من شق برقعك السحقافما بال هذا الود يفسد بيننا و يمحق حبل الوصل ما بيننا محقا
و من مذاهبهم أنهم كانوا يرون أن أكل لحوم السباع تزيد في الشجاعة و القوة و هذا مذهب طبي و الأطباء يعتقدونه قال بعضهم
أبا المعارك لا تتعب بأكلك ما تظن أنك تلفى منه كرارافلو أكلت سباع الأرض قاطبة ما كنت إلا جبان القلب خوارا
و قال بعض الأعراب و أكل فؤاد الأسد ليكون شجاعا فعدا عليه نمر فجرحه
أكلت من الليث الهصور فؤاده لأصبح أجرى منه قلبا و أقدمافأدرك مني ثأره بابن أخته فيا لك ثأرا ما أشد و أعظما
و قال آخر
إذا لم يكن قلب الفتى غدوة الوغى أصم فقلب الليث ليس بنافع
شرح نهج البلاغة ج : 19 ص : 403و ما نفع قلب الليث في حومة الوغى إذا كان سيف المرء ليس بقاطو من مذاهبهم أن صاحب الفرس المهقوع إذا ركبه فعرق تحته اغتلمت امرأته و طمحت إلى غيره و الهقعة دائرة تكون بالفرس و ربما كانت على الكتف في الأكثر و هي مستقبحة عندهم قال بعضهم لصاحبه
إذا عرق المهقوع بالمرء أنعظت حليلته و ازداد حر عجانها
فأجابه صاحبه
قد يركب المهقوع من ليس مثله و قد يركب المهقوع زوج حصان
و من مذاهبهم أنهم كانوا يوقدون النار خلف المسافر الذي لا يحبون رجوعه يقولون في دعائهم أبعده الله و أسحقه و أوقد نارا أثره قال بعضهم
صحوت و أوقدت للجهل نارا و رد عليك الصبا ما استعارا(20/241)