و روى معاذ بن جبل عن النبي ص قال تعلموا العلم فإن تعلمه خشية الله و دراسته تسبيح و البحث عنه جهاد و طلبه عبادة و تعليمه صدقة و بذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال و الحرام و بيان سبيل الجنة و المؤنس في الوحشة و المحدث في الخلوة و الجليس في الوحدة و الصاحب في الغربة و الدليل على السراء و المعين على الضراء و الزين عند الأخلاء و السلاح على الأعداء
و رئي واصل بن عطاء يكتب من صبي حديثا فقيل له مثلك يكتب من هذا فقال أما إني أحفظ له منه و لكني أردت أن أذيقه كأس الرئاسة ليدعوه ذلك إلى الازدياد من العلم. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 248و قال الخليل العلوم أقفال و السؤالات مفاتيحها. و قال بعضهم كان أهل الع يضنون بعلمهم عن أهل الدنيا فيرغبون فيه و يبذلون لهم دنياهم و اليوم قد بذل أهل العلم علمهم لأهل الدنيا فزهدوا فيه و ضنوا عنهم بدنياهم. و قال بعضهم ابذل علمك لمن يطلبه و ادع إليه من لا يطلبه و إلا كان مثلك كمن أهديت له فاكهة فلم يطعمها و لم يطعمها حتى فسدت(21/189)
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 487249وَ قَالَ ع شَرُّ الْإِخْوَانِ مَنْ تَكَلَّفُ لَهُإنما كان كذلك لأن الإخاء الصادق بينهما يوجب الانبساط و ترك التكلف فإذا احتيج إلى التكلف له فقد دل ذلك على أن ليس هناك إخاء صادق و من ليس بأخ صادق فهو من شر الإخوان. و روى ابن ناقيا في كتاب ملح الممالحة قال دخل الحسن بن سهل على المأمون فقال له كيف علمك بالمروءة قال ما أعلم ما يريد أمير المؤمنين فأجيبه قال عليك بعمرو بن مسعدة قال فوافيت عمرا و في داره صناع و هو جالس على آجرة ينظر إليهم فقلت إن أمير المؤمنين يأمرك أن تعلمني المروءة فدعا بآجرة فأجلسني عليها و تحدثنا مليا و قد امتلأت غيظا من تقصيره بي ثم قال يا غلام عندك شي ء يؤكل فقال نعم فقدم طبقا لطيفا عليه رغيفان و ثلاث سكرجات في إحداهن خل و في الأخرى مري ء و في الأخرى ملح فأكلنا و جاء الفراش فوضأنا ثم قال إذا شئت فنهضت متحفظا و لم أودعه فقال لي إن رأيت أن تعود إلي في يوم مثله فلم أذكر للمأمون شيئا مما جرى ما كان في اليوم الذي وعدني فيه لقياه شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 250سرت إليه فاستؤذن لي عليه فتلقاني على باب الدار فعانقني و قبل بين عيني و قدمني أمامه و مشى خلفي حتى أقعدني في الدست و جلس بين يدي و قد فرشت الدار و زينت بأنواع الزينة و أقبل يحدثني و يتنادمعي إلى أن حضرت وقت الطعام فأمر فقدمت أطباق الفاكهة فأصبنا منها و نصبت الموائد فقدم عليها أنواع الأطعمة من حارها و باردها و حلوها و حامضها ثم قال أي الشراب أعجب إليك فاقترحت عليه و حضر الوصائف للخدمة فلما أردت الانصراف حمل معي جميع ما أحضر من ذهب و فضة و فرش و كسوة و قدم إلى البساط فرس بمركب ثقيل فركبته و أمر من بحضرته من الغلمان الروم و الوصائف حتى سعوا بين يدي و قال عليك بهم فهم لك ثم قال إذا زارك أخوك فلا تتكلف له و اقتصر على ما يحضرك و إذا دعوته فاحتفل به و احتشد و لا تدعن ممكنا كفعلنا(21/190)
إياك عند زيارتك إيانا و فعلنا يوم دعوناك
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 488251وَ قَالَ ع فِي كَلَامٍ لَهُ إِذَا احْتَشَمَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَقَدْ فَارَقَهُليس يعني أن الاحتشام علة الفرقة بل هو دلالة و أمارة على الفرقة لأنه لو لم يحدث عنه ما يقتضي الاحتشام لانبسط على عادته الأولى فالانقباض أمارة المباينة. هذا آخر ما دونه الرضي أبو الحسن رحمه الله من كلام أمير المؤمنين ع في نهج البلاغة قد أتينا على شرحه بمعونة الله تعالى. و نحن الآن ذاكرون ما لم يذكره الرضي مما نسبه قوم إليه فبعضه مشهور عنه و بعضه ليس بذلك المشهور لكنه قد روي عنه و عزي إليه و بعضه من كلام غيره من الحكماء و لكنه كالنظير لكلامه و المضارع لحكمته و لما كان ذلك متضمنا فنونا من الحكمة نافعة رأينا ألا نخلي هذا الكتاب عنه لأنه كالتكملة و التتمة لكتاب نهج البلاغة. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 252و ربما وقع في بعضه تكرار يسير شذ عن أذهاننا التنبه له لطول الكتاب و تباعد أطرافه و قد عددنا ذلك كلمة كلمة فوجدناه ألف كلمة. فإن اعترضنا معترض و قال فإذا كنتم قد ررتم بأن بعضها ليس بكلام له فلما ذا ذكرتموه و هل ذلك إلا نوع من التطويل. أجبناه و قلنا لو كان هذا الاعتراض لازما لوجب ألا نذكر شيئا من الأشباه و النظائر لكلامه فالعذر هاهنا هو العذر هناك و هو أن الغرض بالكتاب الأدب و الحكمة فإذا وجدنا ما يناسب كلامه ع و ينصب في قالبه و يحتذي حذوه و يتقبل منهاجه ذكرناه على قاعدتنا في ذكر النظير عند الخوض في شرح نظيره. و هذا حين الشروع فيها خالية عن الشرح لجلائها و وضوحها و إن أكثرها قد سبقت نظائره و أمثاله و بالله التوفيق(21/191)
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 253الحكم المنسوبة شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 255الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب1- كان كثيرا ما يقول إذا فرغ من صلاة الليل أشهد أن السماوات و الأرض و ما بينهما آيات تدل عليك و شواهد تشهد بما إليه دعوت كل ما يؤدي عنك الحجة و يشهد لك بالربوبية موسوم بآثار نعمتك و معالم تدبيرك علوت بها عن خلقك فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر و كفاها رجم الاحتجاج فهي مع معرفتها بك و ولهها إليك شاهدة بأنك لا تأخذك الأوهام و لا تدركك العقول و لا الأبصار أعوذ بك أن أشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك لا إله إلا أنت واحدا أحدا فردا صمدا و نحن لك مسلمون
2- إلهي كفاني فخرا أن تكون لي ربا و كفاني عزا أن أكون لك عبدا أنت كما أريد فاجعلني كما تريد
3- ما خاف امرؤ عدل في حكمه و أطعم من قوته و ذخر من دنياه لآخرته
4- أفضل على من شئت تكن أميره و استغن عمن شئت تكن نظيره و احتج إلى من شئت تكن أسيره
5- لو لا ضعف اليقين ما كان لنا أن نشكو محنة يسيرة نرجو في العاجل سرعة زوالها و في الآجل عظيم ثوابها بين أضعاف نعم لو اجتمع أهل السماوات و الأرض على إحصائها ما وفوا بها فضلا عن القيام بشكرها
6- من علامات المأمون على دين الله بعد الإقرار و العمل الحزم في أمره و الصدق في قوله و العدل في حكمه و الشفقة على رعيته لا تخرجه القدرة إلى خرق و لا اللين إلى ضعف و لا تمنعه العزة من كرم عفو و لا يدعوه العفو إلى شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 256إضاعة حق و ليدخله الإعطاء في سرف و لا يتخطى به القصد إلى بخل و لا تأخذه نعم الله ببطر
7- الفسق نجاسة في الهمة و كلب في الطبيعة
8- قلوب الجهال تستفزها الأطماع و ترتهن بالأماني و تتعلق بالخدائع و كثرة الصمت زمام اللسان و حسم الفطنة و إماطة الخاطر و عذاب الحس(21/192)
9- عداوة الضعفاء للأقوياء و السفهاء للحلماء و الأشرار للأخيار طبع لا يستطاع تغييره
10- العقل في القلب و الرحمة في الكبد و التنفس في الرئة
11- إذا أراد الله بعبد خيرا حال بينه و بين شهوته و حجز بينه و بين قلبه و إذا أراد به شرا وكله إلى نفسه
12- الصبر مطية لا تكبو و القناعة سيف لا ينبو
13- رحم الله عبدا اتقى ربه و ناصح نفسه و قدم توبته و غلب شهوته فإن أجله مستور عنه و أمله خادع له و الشيطان موكل به
14- مر بمقبرة فقال السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات أنتم لنا فرط و نحن لكم تبع نزوركم عما قليل و نلحق بكم بعد زمان قصير اللهم اغفر لنا و لهم و تجاوز عنا و عنهم شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 25لحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا أحياء و أمواتا و الحمد لله الذي منها خلقنا و عليها ممشانا و فيها معاشنا و إليها يعيدنا طوبى لمن ذكر المعاد و قنع بالكفاف و أعد للحساب
15- إنكم مخلوقون اقتدارا و مربوبون اقتسارا و مضمنون أجداثا و كائنون رفاتا و مبعوثون أفرادا و مدينون حسابا فرحم الله امرأ اقترف فاعترف و وجل فعقل و حاذر فبادر و عمر فاعتبر و حذر فازدجر و أجاب فأناب و راجع فتاب و اقتدى فاحتذى و تأهب للمعاد و استظهر بالزاد ليوم رحيله و وجه سبيله و لحال حاجته و موطن فاقته فقدم أمامه لدار مقامه فمهدوا لأنفسكم على سلامة الأبدان و فسحة الأعمار فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني الهرم و أهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم و أهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء و اقتراب الفوت و مشارفة الانتقال و إشفاء الزوال و حفز الأنين و رشح الجبين و امتداد العرنين و علز القلق و قيظ الرمق و شدة المضض و غصص الجرض
16- ثلاث منجيات خشية الله في السر و العلانية و القصد في الفقر و الغنى و العدل في الغضب و الرضا(21/193)