و يقولون إنه لصبح و إنه لطيب كله في النمام و يقولون ما زال يفتل له في الذروة و الغارب حتى أسمحت قرونته و هي النفس و الذروة أعلى السنام و الغارب مقدمه. و يقولون في الكناية عن الجاهل ما يدري أي طرفيه أطول قالوا ذكره و لسانه و قالوا هل نسب أبيه أفضل أم نسب أمه. و مثله لا يعرف قطانه من لطانه أي لا يعرف جبهته مما بين وركيه. و قالوا الحدة كنية الجهل و الاقتصاد كنية البخل و الاستقصاء كنية الظلم. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 197و قالوا للجائع عضه الصفر و عضه شجاع البطن. و قال الهذليأرد شجاع البطن قد تعلمينه و أوثر غرثى من عيالك بالطعم مخافة أن أحيا برغم و ذلة و للموت خير من حياة على رغمو يقولون زوده زاد الضب أي لم يزوده شيئا لأن الضب لا يشرب الماء و إنما يتغذى بالريح و النسيم و يأكل القليل من عشب الأرض. و قال ابن المعتز
يقول أكلنا لحم جدي و بطة و عشر دجاجات شواء بألبان و قد كذب الملعون ما كان زاده سوى زاد ضب يبلع الريح عطشانو قال أبو الطيب
لقد لعب البين المشت بها و بي و زودني في السير ما زود الضبا
و يقولون للمختلفين من الناس هم كنعم الصدقة و هم كبعر الكبش قال عمرو بن لجأ
و شعر كبعر الكبش ألف بينه لسان دعي في القريض دخيل
و ذلك لأن بعر الكبش يقع متفرقا. و قال بعض الشعراء لشاعر آخر أنا أشعر منك لأني أقول البيت و أخاه و تقول البيت و ابن عمه فأما قول جرير في ذي الرمة إن شعره
بعر ظباء و نقط عروس(21/154)
فقد فسره الأصمعي فقال يريد أن شعره حلو أول ما تسمعه فإذا كرر إنشاده ضعف لأن أبعار الظباء أول ما تشم توجد لها رائحة ما أكلت من الجثجاث و الشيح شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 198و القيصوم فإذا أدمت شمها عدمت تلك الرائحة و نقط العروس إذا غسلتها ذهبت. و يقولون أا للمختلفين أخياف و الخيف سواد إحدى العينين و زرق الأخرى و يقولون فيهم أيضا أولاد علات كالإخوة لأمهات شتى و العلة الضرة. و يقولون فيهم خبز كتاب لأنه يكون مختلفا قال شاعر يهجو الحجاج بن يوسف
أ ينسى كليب زمان الهزال و تعليمه سورة الكوثررغيف له فلكة ما ترى و آخر كالقمر الأزهر
و مثله
أ ما رأيت بني سلم وجوههم كأنها خبز كتاب و بقال
و يقال للمتساوين في الرداءة كأسنان الحمار قال الشاعر
سواء كأسنان الحمار فلا ترى لذي شيبة منهم على ناشئ فضلا
و قال آخر
شبابهم و شيبهم سواء فهم في اللؤم أسنان الحمار
و أنشد المبرد في الكامل لأعرابي يصف قوما من طيئ بالتساوي في الرداءة
و لما أن رأيت بني جوين جلوسا ليس بينهم جليس يئست من الذي أقبلت أبغي لديهم إنني رجل يئوس إذا ما قلت أيهم لأي تشابهت المناكب و الرءوقال فقوله ليس بينهم جليس هجاء قبيح يقول لا ينتجع الناس معروفهم شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 199فليس بينهم غيرهم و يقولون في المتساويين في الرداءة أيضا هما كحماري العبادي قيل له أي حماريك شر قال هذا ثم هذا و يقال في التساوي في الشر و الخير هم كأسنان المشط وقال وقعا كركبتي البعير و كرجلي النعامة. و قال ابن الأعرابي كل طائر إذا كسرت إحدى رجليه تحامل على الأخرى إلا النعام فإنه متى كسرت إحدى رجليه جثم فلذلك قال الشاعر يذكر أخاه
و إني و إياه كرجلي نعامة على ما بنا من ذي غنى و فقير(21/155)
و قال أبو سفيان بن حرب لعامر بن الطفيل و علقمة بن علاثة و قد تنافرا إليه أنتما كركبتي البعير فلم ينفر واحدا منهما فقالا فأينا اليمنى فقال كل منكما يمنى. و سأل الحجاج رجلا عن أولاد المهلب أيهم أفضل فقال هم كالحلقة الواحدة. و سئل ابن دريد عن المبرد و ثعلب فأثنى عليهما فقيل فابن قتيبة قال ربوة بين جبلين أي خمل ذكره بنباهتهما. و يكنى عن الموت بالقطع عند المنجمين و عن السعاية بالنصيحة عند العمال و عن الجماع بالوطء عند الفقهاء و عن السكر بطيب النفس عند الندماء و عن السؤال بالزوار عند الأجواد و عن الصدقة بما أفاء الله عند الصوفية. و يقال للمتكلف بمصالح الناس إنه وصي آدم على ولده و قد قال شاعر في هذا الباب
فكأن آدم عند قرب وفاته أوصاك و هو يجود بالحوباءببنيه أن ترعاهم فرعيتهم و كفيت آدم عيلة الأبناء(21/156)
و يقولون فلان خليفة الخضر إذا كان كثير السفر قال أبو تمام شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 20خليفة الخضر من يربع على وطن أو بلدة فظهور العيس أوطاني بغداد أهلي و بالشام الهوى و أنا بالرقتين و بالفسطاط إخواني و ما أظن النوى ترضى بما صنعت حتى تبلغ بي أقصى خراساو يقولون للشي ء المختار المنتخب هو ثمرة الغراب لأنه ينتفي خير الثمر. و يقولون سمن فلان في أديمه كناية عمن لا ينتفع به أي ما خرج منه يرجع إليه و أصله أن نحيا من السمن انشق في ظرف من الدقيق فقيل ذلك قال الشاعر ترحل فما بغداد دار إقامة و لا عند من أضحى ببغداد طائل محل ملوك سمنهم في أديمهم و كلهم من حلية المجد عاطل فلا غرو أن شلت يد المجد و العلى و قل سماح من رجال و نائل إذا غضغض البحر الغطامط ماءه فليس عجيبا أن تغيض الجداو يقولون لمن لا يفي بالعهد فلان لا يحفظ أول المائدة لأن أولها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و يقولون لمن كان حسن اللباس و لا طائل عنده هو مشجب و المشجب خشبة القصار التي يطرح الثياب عليها قال ابن الحجاج
لي سادة طائر السرور بهم يطرده اليأس بالمقاليع مشاجب للثياب كلهم و هذه عادة المشاقيع جائزتي عندهم إذا سمعوا شعري هذا كلام مطبو شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 201و إنهم يضحكون إن ضحكوا مني و أبكي أنا من الجوو قال آخر
إذا لبسوا دكن الخزوز و خضرها و راحوا فقد راحت عليك المشاجب
و روي أن كيسان غلام أبي عبيدة وفد على بعض البرامكة فلم يعطه شيئا فلما وافى البصرة قيل له كيف وجدته قال وجدته مشجبا من حيث ما أتيته وجدته. و يكنون عن الطفيلي فيقولون هو ذباب لأنه يقع في القدور قال الشاعر
أتيتك زائرا لقضاء حق فحال الستر دونك و الحجاب و لست بواقع في قدر قوم و إن كرهوا كما يقع الذبابو قال آخر
و أنت أخو السلام و كيف أنتم و لست أخا الملمات الشدادو أطفل حين يجفى من ذباب و ألزم حين يدعى من قراد(21/157)
و يكنون عن الجرب بحب الشباب قال الوزير المهلبي
يا صروف الدهر حسبي أي ذنب كان ذنبي علة خصت و عمت في حبيب و محب دب في كفيه يا من حبه دب بقلبي فهو يشكو حر حب و شكاتي حر و يكنون عن القصير القامة بأبي زبيبة و عن الطويل بخيط باطل و كانت كنية مروان بن الحكم لأنه كان طويلا مضطربا قال فيه الشاعر
لحا الله قوما أمروا خيط باطل على الناس يعطي من يشاء و يمنع
و في خيط باطل قولان أحدهما أنه الهباء الذي يدخل من ضوء الشمس في الكوة شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 202من البيت و تسميه العامة غزل الشمس و الثاني أنه الخيط الذي يخرج من في العنكبوت و تسميه العامة مخاط الشيطان. و تقول العرب للملقو لطيم الشيطان. و كان لقب عمربن سعيد الأشدق لأنه كان ملقوا. و قال بعضهم لآخر ما حدث قال قتل عبد الملك عمرا فقال قتل أبو الذبان لطيم الشيطان وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. و يقولون للحزين المهموم يعد الحصى و يخط في الأرض و يفت اليرمع قال المجنون
عشية ما لي حيلة غير أنني بلقط الحصى و الخط في الدار مولع أخط و أمحو كل ما قد خططته بدمعي و الغربان حولي وقعو هذا كالنادم يقرع السن و البخيل ينكت الأرض ببنانه أو بعود عند الرد قال الشاعر
عبيد إخوانهم حتى إذا ركبوا يوم الكريهة فالآساد في الأجم يرضون في العسر و الإيسار سائلهم لا يقرعون على الأسنان من ندمو قال آخر في نكت الأرض بالعيدان
قوم إذا نزل الغريب بدارهم تركوه رب صواهل و قيان لا ينكتون الأرض عند سؤالهم لتطلب العلات بالعيدانو يقولون للفارغ فؤاد أم موسى. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 203و يقولون للمثري من المال منقرس و ذلك أن علة النقرس أكثر ما تعتري أهل الثروة و التنعم. حكى المبرد قال كان الحرمازي في ناحية عمرو بن مسعدة و كان يجري عليه فخرج عمرو بن مسعدة إلى الشام و تخلف الحرمي ببغداد فأصابه النقرس فقال(21/158)