شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 215حديث عن إمرئ القيسو نختم هذا الفصل في الكنايات بحكاية رواها أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني قال أبو الفرج أخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني ابن عمي قال حدثنا أحمد بن عبد الله عن الهيثم بن عدي قال و حدثني عمي قال حدثنا محمد بن سعد الكراني قال حدثنا العمري عن الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة أميرا على العراق فأرسل إلى عشرة من وجوه أهل الكوفة أنا أحدهم فسرنا عنده فقال ليحدثني كل رجل منكم أحدوثة و ابدأ أنت يا أبا عمرو فقلت أصلح الله الأمير أ حديث حق أم حديث باطل قال بل حديث حق فقلت إن إمرأ القيس كان آلى ألية ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية و أربعة و اثنتين فجعل يخطب النساء فإذا سألهن عن هذا قلن أربعة عشر فبينا هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة صغيرة له كأنها البدر لتمه فأعجبته فقال لها يا جارية ما ثمانية و أربعة و اثنتان فقالت أما ثمانية فأطباء الكلبة و أما أربعة فأخلاف الناقة و أما اثنتان فثديا المرأة فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها و شرطت عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال فجعل لها ذلك و على أن يسوق إليها مائة من الإبل و عشرة أعبد و عشر وصائف و ثلاثة أفراس ففعل ذلك ثم بعث عبدا إلى المرأة و أهدى إليها معه نحيا من سمن و نحيا من عسل و حلة من عصب فنزل العبد على بعض المياه و نشر الحلة فلبسها فتعلقت بسمرة فانشقت و فتح النحيين فأطعم أهل الماء منهما فنقصا ثم قدم على المرأة و أهلها خلوف فسألها عن أبيها و أمها و أخيها و دفع إليها شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 216هديتها فقالت أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا و يبعد قريبا و أن أمي ذهبت تشق النفس نفسين و أن أخي ذهب يراعي الشمس و أن سماءكم انشقت و أن وعاءيكم نضبا. فقدم الغلام على مولاه فأخبره فقال أما قولها أن أبي ذهب يب بعيدا و يبعد(21/149)
قريبا فإن أباها ذهب يحالف قوما على قومه و أما قولها إن أمي ذهبت تشق النفس نفسين فإن أمها ذهبت تقبل امرأة نفساء و أما قولها إن أخي ذهب يراعي الشمس فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به و أما قولها إن سماءكم انشقت فإن البرد الذي بعثت به انشق و أما قولها إن وعاءيكم نضبا فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا فاصدقني فقال يا مولاي إني نزلت بماء من مياه العرب فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أني ابن عمك و نشرت الحلة و لبستها و تجملت بها فتعلقت بسمرة فانشقت و فتحت النحيين فأطعمت منهما أهل الماء فقال أولى لك ثم ساق مائة من الإبل و خرج نحوها و معه العبد يسقي الإبل فعجز فأعانه إمرؤ القيس فرمى به العبد في البئر و خرج حتى أتى إلى أهل الجارية بالإبل فأخبرهم أنه زوجها فقيل لها قد جاء زوجك فقالت و الله ما أدري أ زوجي هو أم لا و لكن انحروا له جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ففعلوا فأكل ما أطعموه فقالت اسقوه لبنا حازرا و هو الحامض فسقوه فشرب فقالت افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له فنام فلما أصبحت أرسلت إليه أني أريد أن أسألك فقال لها سلي عما بدا لك فقالت مم تختلج شفتاك قال من تقبيلي إياك فقالت مم يختلج كشحاك قال لالتزامي إياك قالت فمم يختلج فخذاك(21/150)
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 217قال لتوركي إياك فقالت عليكم العبد فشدوا أيديكم به ففعلوا. قال و مر قوم فاستخرجوا إمرأ القيس من البئر فرجع إلى حيه و ساق مائة من الإبل و أقبل إلى امرأته فقيل لها قد جاء زوجك فقالت و الله ما أدري أ زوجي هو أم لا و لكن انحروا جزورا و أطعموه من كرشها و ذنبها ففعلوا فلما أتوه بذلك قال و أين الكبد و السنام و الملحاء و أبى أن يأكل فقالت اسقوه لبنا حازرا فأتي به فأبى أن يشربه و قال فأين الضريب و الرثيئة فقالت افرشوا له عند الفرث و الدم ففرشوا له فأبى أن ينام و قال افرشوا لي عند التلعة الحمراء و اضربوا لي عليها خباء ثم أرسلت إليه هلم شريطتي عليك في المسائل الثلاث فأرسل إليها أن سلي عما شئت فقالت مم تختلج شفتاك فقال لشربي المشعشعات قالت فمم يختلج كشحاك قال للبسي الحبرات قالت فمم تختلج فخذاك قال لركضي المطهمات فقالت هذا زوجي لعمري فعليكم به فأهديت إليه الجارية. فقال ابن هبيرة حسبكم فلا خير في الحديث سائر الليلة بعد حديث أبي عمرو و لن يأتينا أحد منكم بأعجب منه فانصرفنا و أمر لي بجائزة شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 193حسبك ما أغناك به معاوية قال فهو إذن الحي و أنت الميت و مثل قولهم عظامي قولهم خارجي أي يفخر بغير أولية كانت له قال كثير لعبد العزيزأبا مروان لست بخارجي و ليس قديم مجدك بانتحال
و يكنون عن العزيز و عن الذليل أيضا فيقولون بيضة البلد فمن يقولها للمدح يذهب إلى أن البيضة هي الحوزة و الحمى يقولون فلان يحمي بيضته أي يحمي حوزته و جماعته و من يقولها للذم يعني أن الواحدة من بيض النعام إذا فسدت تركها أبواها في البلد و ذهبا عنها قال الشاعر في المدح
لكن قائله من لا كفاء له من كان يدعى أبوه بيضة البلد
و قال الآخر في الذم
تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا و ابنا نزار فأنتم بيضة البلد(21/151)
و يقولون للشي ء الذي يكون في الدهر مرة واحدة هو بيضة الديك قال بشار يا أطيب الناس ريقا غير مختبر إلا شهادة أطراف المساويك قد زرتنا زورة في الدهر واحدة ثني و لا تجعليها بيضة الديكو يكنون عن الثقيل بالقذى في الشراب قال الأخطل يذكر الخمر و الاجتماع عليها
و ليس قذاها بالذي قد يضيرها و لا بذباب نزعه أيسر الأمرو لكن قذاها كل جلف مكلف أتتنا به الأيام من حيث لا ندري
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 194فذاك القذى و ابن القذى و أخو القذى فإن له من زائر آخر الدهو يكنون أيضا عنه بقدح اللبلاب قال الشاعر
يا ثقيلا زاد في الثقل على كل ثقيل أنت عندي قدح اللبلاب في كف العليلو يكنون عنه أيضا بالقدح الأول لأن القدح الأول من الخمر تكرهه الطبيعة و ما بعده فدونه لاعتياده قال الشاعر
و أثقل من حضين باديا و أبغض من قدح أول
و يكنون عنه بالكانون قال الحطيئة يهجو أمه
تنحي فاقعدي عني بعيدا أراح الله منك العالميناأ غربالا إذا استودعت سرا و كانونا على المتحدثينا
قالوا و أصله من كننت أي سترت فكأنه إذا دخل على قوم و هم في حديث ستروه عنه و قيل بل المراد شدة برده. و يكنون عن الثقيل أيضا برحى البزر قال الشاعر
و أثقل من رحى بزر علينا كأنك من بقايا قوم عاد
و يقولون لمن يحمدون جواره جاره جار أبي دواد و هو كعب بن مامة الإيادي كان إذا جاوره رجل فمات وداه و إن هلك عليه شاة أو بعير أخلف عليه فجاوره أبو دواد الإيادي فأحسن إليه فضرب به المثل. و مثله قولهم هو جليس قعقاع بن شور و كان قد قدم إلى معاوية فدخل عليه و المجلس غاص بأهله ليس فيه مقعد فقام له رجل من القوم و أجلسه مكانه فلم شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 195يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم معاوية و معاوية يخاطبه حتى أمر له بمائة ألف درهم فأحضرت إليه فجعلت إلى جانبه فلما قام قال للرجل القائم له من مكانه ضمها إليك ف لك بقيامك لنا عن مجلسك فقيل فيه(21/152)
و كنت جليس قعقاع بن شور و لا يشقى بقعقاع جليس ضحوك السن إن نطقوا بخير و عند الشر مطراق عبوسأخذ قوله و لا يشقى بقعقاع جليس من
قول النبي ص هم القوم لا يشقى بهم جليسهم
و يكنون عن السمين من الرجال بقولهم هو جار الأمير و ضيف الأمير و أصله أن الغضبان بن القبعثرى كان محبوسا في سجن الحجاج فدعا به يوما فكلمه فقال له في جملة خطابه إنك لسمين يا غضبان فقال القيد و الرتعة و الخفض و الدعة و من يكن ضيف الأمير يسمن. و يكني الفلاسفة عن السمين بأنه يعرض سور حبسه و ذلك أن أفلاطون رأى رجلا سمينا فقال يا هذا ما أكثر عنايتك بتعريض سور حبسك. و نظر أعرابي إلى رجل جيد الكدنة فقال أرى عليك قطيفة محكمة قال نعم ذاك عنوان نعمة الله عندي. و يقولون للكذاب هو قموص الحنجرة و أيضا هو زلوق الكبد و أيضا لا يوثق بسيل بلقعه و أيضا أسير الهند لأنه يدعي أنه ابن الملك و إن كان من أولاد السفلة. و يكنى عنه أيضا بالشيخ الغريب لأنه يحب أن يتزوج في الغربة فيدعي أنه ابن خمسين سنة و هو ابن خمس و سبعين. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 196و يقولون هو فاختة البلد من قول العر
أكذب من فاختة تصيح فوق الكرب و الطلع لم يبد لها هذا أوان الرطبو قال آخر في المعنى
حديث أبي حازم كله كقول الفواخت جاء الرطب و هن و إن كن يشبهنه فلسن يدانينه في الكذبو يكنون عن النمام بالزجاج لأنه يشف على ما تحته قال الشاعر
أنم بما استودعته من زجاجة يرى الشي ء فيها ظاهرا و هو باطنو يكنون عنه بالنسيم من قول الآخر و إنك كلما استودعت سرا أنم من النسيم على الرياض(21/153)