و الشعر للنابغة فالتفت إلي الأخطل فقال إن أمير المؤمنين إنما سألني عن أشعر أهل زمانه و لو سألني عن أشعر أهل الجاهلية كنت حريا أن أقول كما قلت أو شبيها به فقلت في نفسي ثلاث على وافد أهل العراق. قال أبو الفرج و قد وجدت هذا الخبر أتم من هذه الرواية ذكره أحمد بن الحارث الخراز في كتابه عن المدائني عن عبد الملك بن مسلم قال كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أنه ليس شي ء من لذة الدنيا إلا و قد أصبت منه و لم يبق شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 163عندي شي ء ألذ من مناقلة الإخوان الحديث و قبلك عامر الشعبي فابعث به إلي الحجاج الشعبي فجهزه و بعث به إليه و قرظه و أطراه في كتابه فخرج الشعبي حتى إذا كان بباب عبد الملك قال للحاجب استأذن لي قال من أنت قال أنا عامر الشعبي قال يرحمك الله قال ثم نهض فأجلسني على كرسيه فلم يلبث أن خرج إلي فقال ادخل يرحمك الله فدخلت فإذا عبد الملك جالس على كرسي و بين يديه رجل أبيض الرأس و اللحية جالس على كرسي فسلمت فرد علي السلام فأومأ إلي بقضيبه فجلست عن يساره ثم أقبل على ذلك الإنسان الذي بين يديه فقال له من أشعر الناس فقال أنا يا أمير المؤمنين قال الشعبي فأظلم ما بيني و بين عبد الملك فلم أصبر أن قلت و من هذا الذي يزعم أنه أشعر الناس يا أمير المؤمنين فعجب عبد الملك من عجلتي قبل أن يسألني عن حالي فقال هذا الأخطل فقلت يا أخطل أشعر و الله منك الذي يقول
هذا غلام حسن وجهه مستقبل الخير سريع التمام(21/114)


الأبيات قال فاستحسنها عبد الملك ثم رددتها عليه حتى حفظها فقال الأخطل من هذا يا أمير المؤمنين قال هذا الشعبي فقال و الجيلون ما استعذت بالله من شر إلا من هذا أي و الإنجيل صدق و الله يا أمير المؤمنين النابغة أشعر مني قال الشعبي فأقبل عبد الملك حينئذ علي فقال كيف أنت يا شعبي قلت بخير يا أمير المؤمنين فلا زلت به ثم ذهبت لأصنع معاذير لما كان من خلافي مع ابن الأشعث على الحجاج فقال مه إنا لا نحتاج إلى هذا المنطق و لا تراه منا في قول و لا فعل حتى تفارقنا ثم أقبل علي فقال ما تقول في النابغة قلت يا أمير المؤمنين قد فضله عمر بن الخطاب شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 164في غير موطن على جميع الشعراء ثم أنشدته الشعر الذي كان عمر يعجب به من شعره و قد تقدم ذكره قال فأقبل عبد الملك على الأخطل فقال له أ تحب أن لك قياضا بشعرك شعر أحد من العرب أم تحب أنك قلته قال لا و الله يا أمير مؤمنين إلا أني وددت أني كنت قلت أبياتا قالها رجل منا ثم أنشده قول القطامي
إنا محيوك فاسلم أيها الطلل و إن بليت و إن طالت بك الطيل ليس الجديد به تبقى بشاشته إلا قليلا و لا ذو خلة يصل و العيش لا عيش إلا ما تقر به عين و لا حال إلا سوف تنتقل إن ترجعي من أبي عثمان منجحة فقد يهون على المستنجح العمل و الناس من يلق خيرا قائلون له ماهي و لأم المخطئ الهبل قد يدرك المتأني بعض حاجته و قد يكون مع المستعجل الزللقال الشعبي فقلت قد قال القطامي أفضل من هذا قال و ما قال قلت قال
طرقت جنوب رحالنا من مطرق ما كنت أحسبها قريب المعنق(21/115)


إلى آخرها فقال عبد الملك ثكلت القطامي أمه هذا و الله الشعر قال فالتفت إلى الأخطل فقال يا شعبي إن لك فنونا في الأحاديث و إنما لي فن واحد فإن رأيت ألا تحملني على أكتاف قومك فأدعهم حرضا فقلت لا أعرض لك في شي ء من الشعر أبدا فأقلني هذه المرة فقال من يتكفل بك لت شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 165أمير المؤمنين فقال عبد الملك هو علي أنه لا يعرض لك أبدا ثم قال عبد الملك يا شعبي أي نساء الجاهلية أشعر قلت الخنساء قال و لم فضلتها على غيرها قلت لقولهاو قائلة و النعش قد فات خطوها لتدركه يا لهف نفسي على صخرألا هبلت أم الذين غدوا به إلى القبر ما ذا يحملون إلى القبر
فقال عبد الملك أشعر منها و الله التي تقول
مهفهف أهضم الكشحين منخرق عنه القميص بسير الليل محتقرلا يأمن الدهر ممساه و مصبحه من كل أوب و إن يغز ينتظر(21/116)


قال ثم تبسم عبد الملك و قال لا يشقن عليك يا شعبي فإنما أعلمتك هذا لأنه بلغني أن أهل العراق يتطاولون على أهل الشام و يقولون إن كان غلبونا على الدولة فلم يغلبونا على العلم و الرواية و أهل الشام أعلم بعلم أهل العراق من أهل العراق ثم ردد علي أبيات ليلى حتى حفظتها ثم لم أزل عنده أول داخل و آخر خارج فكنت كذلك سنين و جعلني في ألفين من العطاء و جعل عشرين رجلا من ولدي و أهل بيتي في ألف ألف ثم بعثني إلى أخيه عبد العزيز بمصر و كتب إليه يا أخي قد بعثت إليك بالشعبي فانظر هل رأيت قط مثله. قال أبو الفرج الأصبهاني في ترجمة أوس بن حجر إن أبا عبيدة قال كان أوس شاعر مضر حتى أسقطه النابغة قال و قد ذكر الأصمعي أنه سمع أبا عمرو بن العلاء يقول كان أوس بن حجر فحل العرب فلما نشأ النابغة طأطأ منه. و قال محمد بن سلام في كتاب طبقات الشعراء و قال من احتج للنابغة كان أحسنهم شرح نهج البغة ج : 20 ص : 166ديباجة شعر و أكثرهم رونق كلام و أجزلهم بيتا كأن شعره كلام ليس بتكلف و المنطق على المتكلم أوسع منه على الشاعر لأن الشاعر يحتاج إلى البناء و العروض و القوافي و المتكلم مطلق يتخير الكلام كيف شاء قالوا و النابغة نبغ بالشعر بعد أن احتنك و هلك قبل أن يهتر. قلت و كان أبو جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد العلوي البصري يفضل النابغة و استقرأني يوما و بيدي ديوان النابغة قصيدته التي يمدح بها النعمان بن المنذر و يذكر مرضه و يعتذر إليه مما كان اتهم به و قذفه به أعداؤه و أولها
كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا و همين هما مستكنا و ظاهراأحاديث نفس تشتكي ما يريبها و ورد هموم لو يجدن مصادراتكلفني أن يغفل الدهر همها و هل وجدت قبلي على الدهر ناصرا
يقول هذه النفس تكلفني ألا يحدث لها الدهر هما و لا حزنا و ذلك مما لم يستطعه أحد قبلي.
أ لم تر خير الناس أصبح نعشه على فتية قد جاوز الحي سائرا(21/117)


كان الملك منهم إذا مرض حمل على نعش و طيف به على أكتاف الرجال بين الحيرة و الخورنق و النجف ينزهونه.
و نحن لديه نسأل الله خلده يرد لنا ملكا و للأرض عامراو نحن نرجي الخير إن فاز قدحنا و نرهب قدح الدهر إن جاء قامرالك الخير إن وارت بك الأرض واحدا و أصبح جد الناس بعدك عاثراو ردت مطايا الراغبين و عريت جيادك لا يحفي لها الدهر حافرا
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 167رأيتك ترعاني بعين بصيرة و تبعث حراسا علي و ناظراو ذلك من قول أتاك أقوله و من دس أعداء إليك المآبرافآليت لا آتيك إن كنت مجرما و لا أبتغي جارا سواك مجاورأي لا آتيك حتى يثبت عندك أني غير مجرم.
فأهلي فداء لامرئ إن أتيته تقبل معروفي و سد المفاقراسأربط كلبي إن يريبك نبحه و إن كنت أرعى مسحلان و حامرا
أي سأمسك لساني عن هجائك و إن كنت بالشام في هذين الواديين البعيدين عنك.
و حلت بيوتي في يفاع ممنع تخال به راعي الحمولة طائراتزل الوعول العصم عن قذفاته و يضحي ذراه بالسحاب كوافراحذارا على ألا تنال مقادتي و لا نسوتي حتى يمتن حرائرا
يقول أنا لا أهجرك و إن كنت من المنعة و العصمة على هذه الصفة.
أقول و قد شطت بي الدار عنكم إذا ما لقيت من معد مسافراألا أبلغ النعمان حيث لقيته فأهدى له الله الغيوث البواكراو أصبحه فلجا و لا زال كعبه على كل من عادى من الناس ظاهراو رب عليه الله أحسن صنعه و كان على كل المعادين ناصرا(21/118)

32 / 69
ع
En
A+
A-