شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 149أرى الحاجات عند أبي خبيب نكدن و لا أمية بالبلادمن الأعياص أو من آل حرب أغر كغرة الفرس الجواقال ابن الكاهلية هو عبد الله بن الزبير و الكاهلية هذه هي أم خويلد بن أسد بن عبد العزى و اسمها زهرة بنت عمرو بن خنثر بن روينة بن هلال من بني كاهل بن أسد بن خزيمة قال فقال عبد الله بن الزبير لما بلغه الشعر علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها و هي خير عماته. و روى أبو الفرج قال كانت صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي تحت عبد الله بن عمر بن الخطاب فمشى ابن الزبير إليها فذكر لها أن خروجه كان غضبا لله عز و جل و لرسوله ص و للمهاجرين و الأنصار من أثرة معاوية و ابنه بالفي ء و سألها مسألة زوجها عبد الله بن عمر أن يبايعه فلا قدمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير و عبادته و اجتهاده و أثنت عليه و قالت إنه ليدعو إلى طاعة الله عز و جل و أكثرت القول في ذلك فقال لها ويحك أ ما رأيت البغلات الشهب التي كان يحج معاوية عليها و تقدم إلينا من الشام قالت بلى قال و الله ما يريد ابن الزبير بعبادته غيرهن شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 462150وَ قَالَ ع مَا لِابْنِ آدَمَ وَ الْفَخْرِ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ وَ آخِرُهُ جِيفَةٌ لَا يَرْزُقُ نَفْسَهُ وَ لَا يَدْفَعُ حَتْفَهُقد تقدم كلامنا في الفخر و ذكرنا الشعر الذي أخذ من هذا الكلام و هو قول القائل
ما بال من أوله نطفة و جيفة آخره يفخريصبح ما يملك تقديم ما يرجو و لا تأخير ما يحذر
فصل في الفخر و ما قيل في النهي عنه(21/104)


و قال بعض الحكماء الفخر هو المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان و ذلك نهاية الحمق لمن نظر بعين عقله و انحسر عنه قناع جهله فأعراض الدنيا عارية مستردة لا يؤمن في كل ساعة أن ترتجع و المباهي بها مباه بما في غير ذاته. و قد قال لبعض من فخر بثروته و وفره إن افتخرت بفرسك فالحسن و الفراهة له دونك و إن افتخرت بثيابك و آلاتك فالجمال لهما دونك و إن افتخرت بآبائك شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 151و سلفك فالفضل فيهم لا فيك و لو تكلمت هذه الأشياء لقالت لك هذه محاسننا فما محاسنك. و أيضا فإن الأعراض الدنيوية كما قيل سحابة صيفن قليل تقشع و ظل زائل عن قريب يضمحل كما قال الشاعر
إنما الدنيا كرؤيا فرحت من رآها ساعة ثم انقضت
بل كما قال تعالى إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ. و إذا كان لا بد من الفخر فليخفر الإنسان بعلمه و بشريف خلقه و إذا أعجبك من الدنيا شي ء فاذكر فناءك و بقاءه أو بقاءك و فناءه أو فناءكما جميعا و إذا راقك ما ه لك فانظر إلى قرب خروجه من يدك و بعد رجوعه إليك و طول حسابك عليه و قد ذم الله الفخور فقال وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ(21/105)


شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 463152الْغِنَى وَ الْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَىأي لا يعد الغني غنيا في الحقيقة إلا من حصل له ثواب الآخرة الذي لا ينقطع أبدا و لا يعد الفقير فقيرا إلا من لم يحصل له ذلك فإنه لا يزال شقيا معذبا و ذاك هو الفقر بالحقيقة. فأما غنى الدنيا و فقرها فأمران عرضيان زوالهما سريع و انقضاؤهما وشيك. و إطلاق هاتين اللفظتين على مسماهما الدنيوي على سبيل المجاز عند أرباب الطريقة أعني العارفين
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 464153وَ سُئِلَ عَنْ أَشْعَرِ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ ع إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ تُعْرَفُ الْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ وَ لَا بُدَّ فَالْمَلِكُ الضِّلِّيلُقال يريد إمرأ القيس
في مجلس علي بن أبي طالب
قرأت في أمالي ابن دريد قال أخبرنا الجرموزي عن ابن المهلبي عن ابن الكلبي عن شداد بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن العنبري عن ابن عرادة قال كان علي بن أبي طالب ع يعشي الناس في شهر رمضان باللحم و لا يتعشى معهم فإذا فرغوا خطبهم و وعظهم فأفاضوا ليلة في الشعراء و هم على عشائهم فلما فرغوا خطبهم ع و قال في خطبته اعلموا أن ملاك أمركم الدين و عصمتكم التقوى و زينتكم الأدب و حصون أعراضكم الحلم ثم قال قل يا أبا الأسود فيم كنتم تفيضون فيه أي الشعراء أشعر فقال يا أمير المؤمنين الذي يقول
و لقد أغتدي يدافع ركني أعوجي ذو ميعة إضريج(21/106)


شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 154مخلط مزيل معن مفن منفح مطرح سبوح خرو. يعني أبا دواد الإيادي فقال ع ليس به قالوا فمن يا أمير المؤمنين فقال لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السابق منهم و لكن إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة و لا رهبة قيل من هو يا أمير المؤمنين قال هو الملك الضليل ذو القروح قيل إمرؤ القيس يا أمير المؤمنين قال هو قيل فأخبرنا عن ليلة القدر قال ما أخلو من أن أكون أعلمها فأستر علمها و لست أشك أن الله إنما يسترها عنكم نظرا لكم لأنه لو أعلمكموها عملتم فيها و تركتم غيرها و أرجو أن لا تخطئكم إن شاء الله انهضوا رحمكم الله. و قال ابن دريد لما فرغ من الخبر إضريج ينبثق في عدوه و قيل واسع الصدر و منفح يخرج الصيد من مواضعه و مطرح يطرح ببصره و خروج سابق. و الغاية بالغين المعجمة الراية قال الشاعر
و إذا غاية مجد رفعت نهض الصلت إليها فحواها
. و يروى قول الشماخ
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها غرابة باليمين
. بالغين و الراء أكثر فأما البيت الأول فبالغين لا غير أنشده الخليل في عروضه و في حديث طويل في الصحيح فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا و الميعة أول جري الفرس و قيل الجري بعد الجري(21/107)


شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 155اختلاف العلماء في تفضيل بعض الشعراء على بعضو أنا أذكر في هذا الموضع ما اختلف فيه العلماء من تفضيل بعض الشعراء على بعض و أبتدئ في ذلك بما ذكره أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب الأغاني قال أبو الفرج الثلاثة المقدمون على الشعراء إمرؤ القيس و زهير و النابغة لا اختلاف في أنهم مقدمون على الشعراء كلهم و إنما اختلف في تقديم بعض الثلاثة على بعض. قال فأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام عن أبي قبيس عن عكرمة بن جرير عن أبيه قال شاعر أهل الجاهلية زهير. قال و أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة عن هارون بن عمر عن أيوب بن سويد عن يحيى بن زياد عن عمر بن عبد الله الليثي قال قال عمر بن الخطاب ليلة في مسيره إلى الجابية أين عبد الله بن عباس فأتي به فشكا إليه تخلف علي بن أبي طالب ع عنه قال ابن عباس فقلت له أ و لم يعتذر إليك قال بلى قلت فهو ما اعتذر به قال ثم أنشأ يحدثني فقال إن أول من راثكم عن هذا الأمر أبو بكر إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوة قال أبو الفرج ثم ذكر قصة طويلة ليست من هذا الباب فكرهت ذكرها ثم قال يا ابن عباس هل تروي لشاعر الشعراء قلت و من هو قال ويحك شاعر الشعراء الذي يقول
فلو أن حمدا يخلد الناس خلدوا و لكن حمد الناس ليس بمخلد
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 156فقلت ذاك زهير فقال ذاك شاعر الشعراء قلت و بم كان شاعر الشعراء قال إنه كان لا يعاظل الكلام و يتجنب وحشيه و لا يمدح أحدا إلا بما فيه. قال أبو الفرج و أخبرني أبو خليفة قال ابن سلام و أخبرني عمر بن موسى الجمحي عن أخيه قدامة بن سى و كان من أهل العلم أنه كان يقدم زهيرا قال فقلت له أي شعره كان أعجب إليه فقال الذي يقول فيه
قد جعل المبتغون الخير في هرم و السائلون إلى أبوابه طرقا(21/108)

30 / 69
ع
En
A+
A-