يا أمير المؤمنين قال ما أظنك تفعل قال بلى و الله لأربدن وجهه و لأخرسن لسانه و لأردنه ألين من خميلة. فقال دونك فاعرض له إذا دخل فدخل ابن الزبير و كان قد بلغه كلام معاوية و عمرو فجلس نصب عيني عمرو فتحدثوا ساعة ثم قال عمرو
و إني لنار ما يطاق اصطلاؤها لدي كلام معضل متفاقم
فأطرق ابن الزبير ساعة ينكت في الأرض ثم رفع رأسه و قال
و إني لبحر ما يسامى عبابه متى يلق بحري حر نارك يخمد
فقال عمرو و الله يا ابن الزبير إنك ما علمت لمتجلبب جلابيب الفتنة متأزر بوصائل التيه تتعاطى الذرى الشاهقة و المعالي الباسقة و ما أنت من قريش في لباب جوهرها و لا مؤنق حسبها. فقال ابن الزبير أما ما ذكرت من تعاطي الذرى فإنه طال بي إليها وسما ما لا يطول بك مثله أنف حمي و قلب ذكي و صارم مشرفي في تليد فارع و طريف مانع إذ قعد بك انتفاخ سحرك و وجيب قلبك و أما ما ذكرت من أني لست من قريش في لباب جوهرها و مؤنق حسبها فقد حضرتني و إياك الأكفاء العالمون بي و بك فاجعلهم بيني و بينك. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 143فقال الق قد أنصفك يا عمرو قال قد فعلت. فقال ابن الزبير أما إذ أمكنني الله منك فلأربدن وجهك و لأخرسن لسانك و لترجعن في هذه الليلة و كان الذي بين منكبيك مشدود إلى عروق أخدعيك ثم قال أقسمت عليكم يا معاشر قريش أنا أفضل في دين الإسلام أم عمرو فقالوا اللهم أنت قال فأبي أفضل أم أبوه قالوا أبوك حواري رسول الله ص و ابن عمته قال فأمي أفضل أم أمه قالوا أمك أسماء بنت أبي بكر الصديق و ذات النطاقين قال فعمتي أفضل أم عمته قالوا عمتك سلمى ابنة العوام صاحبة رسول الله ص أفضل من عمته قال فخالتي أفضل أم خالته قالوا خالتك عائشة أم المؤمنين قال فجدتي أفضل أم جدته فقال جدتك صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ص قال فجدي أفضل أم جده قالوا جدك أبو بكر الخليفة بعد رسول الله ص فقال(21/99)
قضت الغطارف من قريش بيننا فاصبر لفصل خصامها و قضائهاو إذا جريت فلا تجار مبرزا بذ الجياد على احتفال جرائها
أما و الله يا ابن العاص لو أن الذي أمرك بهذا واجهني بمثله لقصرت إليه من سامي بصره و لتركته يتلجلج لسانه و تضطرم النار في جوفه و لقد استعان منك بغير واف و لجأ إلى غير كاف ثم قام فخرج. و ذكر المسعودي في كتاب مروج الذهب أن الحجاج لما حاصر ابن الزبير لم يزل يزحف حتى ملك الجبل المعروف بأبي قبيس و قد كان بيد ابن الزبير فكتب شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 144بذلك إلى عبد الملك فلما قرأ كتابه كبر و كبر من كان في داره حتى اتصل التكبير بأهل السوق فكبروا و سأل الناس ما الخبر فقيل لهم إن الحجاج حاصر ابن الزبير بمكة و ظفرأبي قبيس فقال الناس لا نرضى حتى يحمل أبو خبيب إلينا مكبلا على رأسه برنس راكب جمل يطاف به في الأسواق تراه العيون. و ذكر المسعودي أن عمة عبد الملك كانت تحت عروة بن الزبير و أن عبد الملك كتب إلى الحجاج يأمره بالكف عن عروة و ذلك قبل أن يقتل عبد الله و ألا يسوءه إذا ظفر بأخيه في ماله و لا في نفسه قال فلما اشتد الحصار على عبد الله خرج عروة إلى الحجاج فأخذ لعبد الله أمانا و رجع إليه فقال هذا عمرو بن عثمان و خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد و هما فتيا بني أمية يعطيانك أمان عبد الملك ابن عمهما على ما أحدثت أنت و من معك و أن تنزل أي البلاد شئت و لك بذلك عهد الله و ميثاقه فأبى عبد الله قبول ذلك و نهته أمه و قالت لا تموتن إلا كريما فقال لها إني أخاف إن قتلت أن أصلب أو يمثل بي فقالت إن الشاة بعد الذبح لا تحس بالسلخ. و روى المسعودي أن عبد الله بن الزبير بعد موت يزيد بن معاوية طلب من يؤمره على الكوفة و قد كان أهلها أحبوا أن يليهم غير بني أمية فقال له المختار بن أبي عبيد اطلب رجلا له رفق و علم بما يأتي و تدبر قوله إياها يستخرج لك منها جندا تغلب به أهل الشام فقال أنت لها فبعثه إلى(21/100)
الكوفة فأتاها و أخرج ابن مطيع منها و ابتنى لنفسه دارا و أنفق عليها مالا جليلا و سأل عبد الله بن الزبير أن يحتسب له به من مال العراق فلم يفعل فخلعه و جحد بيعته و دعا إلى الطالبيين. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 145قال المسعودي و أظهر عبد الله بن الزبير الزهد في الدنيا و ملازمة العبادة مع الحرص على الخلة و شبر بطنه فقال إنما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك الشبر و ظهر عنه شح عظيم على سائر الناس ففي ذلك يقول أبو حمزة مولى آل الزبير
إن الموالي أمست و هي عاتبة على الخليفة تشكوا الجوع و الحرباما ذا علينا و ما ذا كان يرزؤنا أي الملوك على ما حولنا غلبا
و قال فيه أيضا
لو كان بطنك شبرا قد شبعت و قد أفضلت فضلا كثيرا للمساكين ما زلت في سورة الأعراف تدرسها حتى فؤادي مثل الخز في اللينو قال فيه شاعر أيضا لما كانت الحرب بينه و بين الحصين بن نمير قبل أن يموت يزيد بن معاوية
فيا راكبا إما عرضت فبلغن كبير بني العوام إن قيل من تعني تخبر من لاقيت أنك عائذ و تكثر قتلى بين زمزم و الركنو قال الضحاك بن فيروز الديلمي
تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة و بطنك شبر أو أقل من الشبرو أنت إذا ما نلت شيئا قضمته كما قضمت نار الغضا حطب السدرفلو كنت تجزي أو تثيب بنعمة قريبا لردتك العطوف على عمرو(21/101)
قال هو عمرو بن الزبير أخوه ضربه عبد الله حتى مات و كان مباينا له. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 146كان يزيد بن معاوية قد ولى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان المدينة فسرح الوليد منها جيشا إلى مكة لحرب عبد الله بن الزبير عليه عمرو بن الزبير فلما تصاف القوم انهزم ال عمرو و أسلموه فظفر به عبد الله فأقامه للناس بباب المسجد مجردا و لم يزل يضربه بالسياط حتى مات. و قد رأيت في غير كتاب المسعودي أن عبد الله وجد عمرا عند بعض زوجاته و له في ذلك خبر لا أحب أن أذكره. قال المسعودي ثم إن عبد الله بن الزبير حبس الحسن بن محمد بن الحنفية في حبس مظلم و أراد قتله فأعمل الحيلة حتى تخلص من السجن و تعسف الطريق على الجبال حتى أتى منى و بها أبوه محمد بن الحنفية. ثم إن عبد الله جمع بني هاشم كلهم في سجن عارم و أراد أن يحرقهم بالنار و جعل في فم الشعب حطبا كثيرا فأرسل المختار أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف فقال أبو عبد الله لأصحابه ويحكم إن بلغ ابن الزبير الخبر عجل على بني هاشم فأتى عليهم فانتدب هو نفسه في ثمانمائة فارس جريدة فما شعر بهم ابن الزبير إلا و الرايات تخفق بمكة فقصد قصد الشعب فأخرج الهاشميين منه و نادى بشعار محمد بن الحنفية و سماه المهدي و هرب ابن الزبير فلاذ بأستار الكعبة فنهاهم محمد بن الحنفية عن طلبه شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 147و عن الحرب و قال لا أريد الخلافة إلا إن طلبني الناس كلهم و اتفقوا علي كلهم و لا حاجة لي في الحرب. قال المسعودي و كان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد ال في حصر بني هاشم في الشعب و جمعه الحطب ليحرقهم و يقول إنما أراد بذلك ألا تنتشر الكلمة و لا يختلف المسلمون و أن يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر فإنه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار. قال المسعودي و خطب ابن الزبير يوم قدم أبو عبد الله الجدلي قبل قدومه بساعتين فقال(21/102)
إن هذا الغلام محمد بن الحنفية قد أبى بيعتي و الموعد بيني و بينه أن تغرب الشمس ثم أضرم عليه مكانه نارا فجاء إنسان إلى محمد فأخبره بذلك فقال سيمنعه مني حجاب قوي فجعل ذلك الرجل ينظر إلى الشمس و يرقب غيبوبتها لينظر ما يصنع ابن الزبير فلما كادت تغرب حاست خيل أبي عبد الله الجدلي ديار مكة و جعلت تمعج بين الصفا و المروة و جاء أبو عبد الله الجدلي بنفسه فوقف على فم الشعب و استخرج محمدا و نادى بشعاره و استأذنه في قتل ابن الزبير فكره ذلك و لم يأذن فيه و خرج من مكة فأقام بشعب رضوى حتى مات. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 148و روى المسعودي عن سعيد بن جبير أن ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له ابن الزبير إلام تؤنبني و تعنفني قال ابن عباس إني سمعت رسول الله ص يقول بئس المرء المسلم يشبع و يجوع جاره
و أنت ذلك الرجل فقال ابن الزبير و الله إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة و تشاجرا فخرج ابن عباس من مكة خوفا على نفسه فأقام بالطائف حتى مات. و روى أبو الفرج الأصفهاني قال أتى فضالة بن شريك الوالبي ثم الأسدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير فقال نفدت نفقتي و نقبت ناقتي فقال أحضرنيها فأحضرها فقال أقبل بها أدبر بها ففعل فقال ارقعها بسبت و اخصفها بهلب و أنجد بها يبرد خفها و سر البردين تصح فقال فضالة إني أتيتك مستحملا و لم آتك مستوصفا فلعن الله ناقة حملتني إليك فقال إن و راكبها فقال فضالة
أقول لغلمة شدوا ركابي أجاوز بطن مكة في سوادفما لي حين أقطع ذات عرق إلى ابن الكاهلية من معادسيبعد بيننا نص المطايا و تعليق الأداوي و المزادو كل معبد قد أعلمته مناسمهن طلاع النجاد(21/103)