و كسر بعض جنده خمسة أرماح في صدور أصحاب الحجاج و كلما كسر رمحا أعطاه رمحا فشق عليه ذلك و قال خمسة أرماح لا يحتمل بيت مال المسلمين هذا. قال و جاءه أعرابي سائل فرده فقال له لقد أحرقت الرمضاء قدمي فقال بل عليهما يبردان. جمع عبد الله بن الزبير محمد بن الحنفية و عبد الله بن عباس في سبعة عشر رجلا من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع و حصرهم في شعب بمكة يعرف بشعب عارم و قال لا تمضي الجمعة حتى تبايعوا إلي أو أضرب أعناقكم أو أحرقكم بالنار ثم نهض إليهم قبل الجمعة يريد إحراقهم بالنار فالتزمه شرح نهج بلاغة ج : 20 ص : 124ابن مسور بن مخرمة الزهري و ناشده الله أن يؤخرهم إلى يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة دعا محمد بن الحنفية بغسول و ثياب بيض فاغتسل و تلبس و تحنط لا يشك في القتل و قد بعث المختار بن أبي عبيد من الكوفة أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف فلما نزلوا ذات عرق تعجل منهم سبعون على رواحلهم حتى وافوا مكة صبيحة الجمعة ينادون يا محمد يا محمد و قد شهروا السلاح حتى وافوا شعب عارم فاستخلصوا محمد بن الحنفية و من كان معه و بعث محمد بن الحنفية الحسن بن الحسن ينادي من كان يرى أن الله عليه حقا فليشم سيفه فلا حاجة لي بأمر الناس إن أعطيتها عفوا قبلتها و إن كرهوا لم نبتزهم أمرهم. و في شعب عارم و حصار ابن الحنفية فيه يقول كثير بن عبد الرحمن(21/84)
و من ير هذا الشيخ بالخيف من منى من الناس يعلم أنه غير ظالم سمي النبي المصطفى و ابن عمه و حمال أثقال و فكاك غارم تخبر من لاقيت أنك عائذ بل العائذ المحبوس في سجن عارو روى المدائني قال لما أخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس من مكة إلى الطائف مر بنعمان فنزل فصلى ركعتين ثم رفع يديه يدعو فقال اللهم إنك تعلم أنه لم يكن بلد أحب إلي من أن أعبدك فيه من البلد الحرام و إنني لا أحب أن تقبض روحي إلا فيه و أن ابن الزبير أخرجني منه ليكون الأقوى في سلطانه اللهم فأوهن كيده و اجعل دائرة السوء عليه فلما دنا من الطائف تلقاه أهلها فقالوا مرحبا بابن عم رسول الله ص أنت و الله أحب إلينا و أكرم علينا ممن أخرجك هذه منازلنا تخيرها فانزل منها حيث أحببت فنزل منزلا فكان شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 5يجلس إليه أهل الطائف بعد الفجر و بعد العصر فيتكلم بينهم كان يحمد الله و يذكر النبي ص و الخلفاء بعده و يقول ذهبوا فلم يدعوا أمثالهم و لا أشباههم و لا من يدانيهم و لكن بقي أقوام يطلبون الدنيا بعمل الآخرة و يلبسون جلود الضأن تحتها قلوب الذئاب و النمور ليظن الناس أنهم من الزاهدين في الدنيا يراءون الناس بأعمالهم و يسخطون الله بسرائرهم فادعوا الله أن يقضي لهذه الأمة بالخير و الإحسان فيولي أمرها خيارها و أبرارها و يهلك فجارها و أشرارها ارفعوا أيديكم إلى ربكم و سلوه ذلك فيفعلون فبلغ ذلك ابن الزبير فكتب إليه أما بعد فقد بلغني أنك تجلس بالطائف العصرين فتفتيهم بالجهل تعيب أهل العقل و العلم و إن حلمي عليك و استدامتي فيئك جرأك علي فاكفف لا أبا لغيرك من غربك و اربع على ظلعك و اعقل إن كان لك معقول و أكرم نفسك فإنك إن تهنها تجدها على الناس أعظم هوانا أ لم تسمع قول الشاعر
فنفسك أكرمها فإنك إن تهن عليك فلن تلقى لها الدهر مكرما(21/85)
و إني أقسم بالله لئن لم تنته عما بلغني عنك لتجدن جانبي خشنا و لتجدنني إلى ما يردعك عني عجلا فر رأيك فإن أشفى بك شقاؤك على الردى فلا تلم إلا نفسك فكتب إليه ابن عباس أما بعد فقد بلغني كتابك قلت إني أفتي الناس بالجهل و إنما يفتي بالجهل من لم يعرف من العلم شيئا و قد آتاني الله من العلم ما لم يؤتك و ذكرت أن حلمك عني و استدامتك فيئي جرأني عليك ثم قلت اكفف من غربك و اربع على شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 126ظلعك و ضربت لي الأمثال أحاديث الضبع متى رأيتني لعرامك هائبا و من حدك ناكلا و قلت لئن لم تكفف لتجدن جانبي خشنالا أبقى الله عليك إن أبقيت و لا أرعى عليك إن أرعيت فو الله أنتهي عن قول الحق و صفة أهل العدل و الفضل و ذم الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا و السلام. قدم معاوية المدينة راجعا من حجة حجها فكثر الناس عليه في حوائجهم فقال لصاحب إبله قدم إبلك ليلا حتى أرتحل ففعل ذلك و سار و لم يعلم بأمره إلا عبد الله بن الزبير فإنه ركب فرسه و قفا أثره و معاوية نائم في هودجه فجعل يسير إلى جانبه فانتبه معاوية و قد سمع وقع حافر الفرس فقال من صاحب الفرس قال أنا أبو خبيب لو قد قتلتك منذ الليلة يمازحه فقال معاوية كلا لست من قتلة الملوك إنما يصيد كل طائر قدره فقال ابن الزبير إلي تقول هذا و قد وقفت في الصف بإزاء علي بن أبي طالب و هو من تعلم فقال معاوية لا جرم أنه قتلك و أباك بيسرى يديه و بقيت يده اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها فقال ابن الزبير أما و الله ما كان ذاك إلا في نصر عثمان فلم نجز به فقال معاوية خل هذا عنك فو الله لو لا شدة بغضك ابن أبي طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع فقال ابن الزبير أ فعلتها يا معاوية أما إنا قد أعطيناك عهدا و نحن وافون لك به ما دمت حيا و لكن ليعلمن من بعدك فقال معاوية أما و الله ما أخافك إلا على نفسك و لكأني بك و أنت مشدود مربوط في(21/86)
الأنشوطة و أنت تقول ليت أبا عبد الرحمن كان حيا و ليتني كنت حيا يومئذ فأحلك حلا رفيقا و لبئس المطلق و المعتق و المسنون عليه أنت يومئذ شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 127دخل عبد الله بن الزبير على اوية و عنده عمرو بن العاص فتكلم عمرو و أشار إلى ابن الزبير فقال هذا و الله يا أمير المؤمنين الذي غرته أناتك و أبطره حلمك فهو ينزو في نشطته نزو العير في حبالته كلما قمصته الغلواء و الشرة سكنت الأنشوطة منه النفرة و أحر به أن يئول إلى القلة أو الذلة فقال ابن الزبير أما و الله يا ابن العاص لو لا أن الإيمان ألزمنا بالوفاء و الطاعة للخلفاء فنحن لا نريد بذلك بدلا و لا عنه حولا لكان لنا و له و لك شأن و لو وكله القضاء إلى رأيك و مشورة نظرائك لدافعناه بمنكب لا تئوده المزاحمة و لقاذفناه بحجر لا تنكؤه المراجمة فقال معاوية أما و الله يا ابن الزبير لو لا إيثاري الأناة على العجل و الصفح على العقوبة و أني كما قال الأول
أجامل أقواما حياء و قد أرى قلوبهم تغلي علي مراضها(21/87)
إذا لقرنتك إلى سارية من سواري الحرم تسكن بها غلواءك و ينقطع عندها طمعك و تنقص من أملك ما لعلك قد لويته فشزرته و فتلته فأبرمته و ايم الله إنك من ذلك لعلى شرف جرف بعيد الهوة فكن على نفسك ولها فما توبق و لا تنفذ غيرها فشأنك و إياها. قطع عبد الله بن الزبير في الخطبة ذكر رسول الله ص جمعا كثيرة فاستعظم الناس ذلك فقال إني لا أرغب عن ذكره و لكن له أهيل سوء إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم فأنا أحب أن أكبتهم. لما كاشف عبد الله بن الزبير بني هاشم و أظهر بغضهم و عابهم و هم بما هم به في شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 128أمرهم و يذكر رسول الله ص في خطبة لا يوم الجمعة و لا غيرها عاتبه على ذلك قوم من خاصته و تشاءموا بذلك منه و خافوا عاقبته فقال و الله ما تركت ذلك علانية إلا و أنا أقوله سرا و أكثر منه لكني رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره اشرأبوا و احمرت ألوانهم و طالت رقابهم و الله ما كنت لآتي لهم سرورا و أنا أقدر عليه و الله لقد هممت أن أحظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم نارا فإني لا أقتل منهم إلا آثما كفارا سحارا لا أنماهم الله و لا بارك عليهم بيت سوء لا أول لهم و لا آخر و الله ما ترك نبي الله فيهم خيرا استفرع نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس. فقام إليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال وفقك الله يا أمير المؤمنين أنا أول من أعانك في أمرهم فقام عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحي فقال و الله ما قلت صوابا و لا هممت برشد أ رهط رسول الله ص تعيب و إياهم تقتل و العرب حولك و الله لو قتلت عدتهم أهل بيت من الترك مسلمين ما سوغه الله لك و الله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره فقال اجلس أبا صفوان فلست بناموس. فبلغ الخبر عبد الله بن العباس فخرج مغضبا و معه ابنه حتى أتى المسجد فقصد قصد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسول الله ص ثم قال أيها الناس إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله ص و لا آخر فيا عجبا كل العجب(21/88)