فارقه و خرج إلى الحجاج ابناه خبيب و حمزة فأخذا من الحجاج لأنفسهما أمانا. قال أبو جعفر فروى محمد بن عمر عن ابن أبي الزناد عن مخرمة بن سلمان الوالبي قال دخل عبد الله بن الزبير على أمه حين رأى من الناس ما رأى من خذلانه فقال يا أمه خذلني الناس حتى ولدي و أهلي و لم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة و القوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك فقالت أنت يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق و إليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك و لا تمكن من رقبتك يتلعب بك غلمان بني أمية و إن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك و أهلكت من قتل معك و إن قلت قد كنت على حق فلما وهن أصحابي وهنت و ضعفت فليس هذا فعل الأحرار و لا أهل(21/79)
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 119الدين و كم خلودك في الدنيا القتل أحسن فدنا ابن الزبير فقبل رأسها و قال هذا و الله رأيي الذي قمت به داعيا إلى يومي هذا و ما ركنت إلى الدنيا و لا أحببت الحياة فيها و لم يدعني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل محارمه و لكني أحت أن أعلم رأيك فزدتني بصيرة مع بصيرتي فانظري يا أمه فإني مقتول من يومي هذا فلا يشتد حزنك و سلمي لأمر الله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر و لا عملا بفاحشة و لم يجر في حكم و لم يغدر في أمان و لم يتعمد ظلم مسلم و لا معاهد و لم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته و لم يكن شي ء آثر عندي من رضا ربي اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي أنت أعلم بي و لكنني أقوله تعزية لأمي لتسلو عني فقالت أمه إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني فلا أخرج من الدنيا حتى أنظر إلى ما يصير أمرك فقال جزاك الله يا أمه خيا فلا تدعي الدعاء لي قبل و بعد قالت لا أدعه أبدا فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق ثم قالت اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل و ذلك النحيب و الظمأ في هواجر المدينة و مكة و بره بأبيه و بي اللهم إني قد سلمته لأمرك فيه و رضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين. قال أبو جعفر و روى محمد بن عمر عن موسى بن يعقوب بن عبد الله عن عمه قال دخل ابن الزبير على أمه و عليه الدرع و المغفر فوقف فسلم ثم دنا فتناول يدها فقبلها فقالت هذا وداع فلا تبعد فقال نعم إني جئت مودعا إني لأرى أن هذا اليوم آخر يوم من الدنيا يمر بي و اعلمي يا أمه إني إن قتلت فإنما أنا لحم لا يضره ما صنع به فقالت صدقت يا بني أتمم على بصيرتك و لا تمكن ابن شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 120أبي عقيل منك و ادن مني أودعك فدنا منها فقبلها و عانقها فقالت حيث مست الدرع ما هذا صنيع من يريد ما تريد فقال ما لبستها إلا لأشد منك فقالت إنها لا تشد مني فنزعها ثم أخرج(21/80)
كميه و شد أسفل قميصه و عمد إلى جبة خز تحت القميص فأدخل فلها في المنطقة فقالت أمه شمر ثيابك فشمرها ثم انصرف و هو يقول
إني إذا أعرف يومي أصبر إذ بعضهم يعرف ثم ينكر
فسمعت العجوز قوله فقالت تصبر و الله و لم لا تصبر و أبوك أبو بكر و الزبير و أمك صفية بنت عبد المطلب. قال و روى محمد بن عمر عن ثور بن يزيد عن رجل من أهل حمص قال شهدته و الله ذلك اليوم و نحن خمسمائة من أهل حمص فدخل من باب المسجد لا يدخل منه غيرنا و هو يشد علينا و نحن منهزمون و هو يرتجز
إني إذا أعرف يومي اصبر و إنما يعرف يوميه الحرو بعضهم يعرف ثم ينكر
فأقول أنت و الله الحر الشريف فلقد رأيته يقف بالأبطح لا يدنو منه أحد حتى ظننا أنه لا يقتل. قال و روى مصعب بن ثابت عن نافع مولى بني أسد قال رأيت الأبواب قد شحنت بأهل الشام و جعلوا على كل باب قائدا و رجالا و أهل بلد فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة و لأهل دمشق باب بني شيبة و لأهل الأردن باب الصفا و لأهل فلسطين باب بني جمح و لأهل قنسرين باب بني سهم و كان الحجاج و طارق بن عمرو في ناحية الأبطح إلى المروة فمرة يحمل ابن الزبير شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 121في هذه الناحية و لكأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه رجال فيعدو في أثر الرجال و هم على الباب حتى يخرجهم ثم يصيح إلى عبد الله بن صفوان يا أبا صفوان ويل أمه فتحا لو كان له رجال ثم يقول
لو كان قرني واحدا كفيته(21/81)
فيقول عبد الله بن صفوان إي و الله و ألفا. قال أبو جعفر فلما كان يوم الثلاثاء صبيحة سبع عشرة من جمادى الأولى سنة ثلاث و سبعين و قد أخذ الحجاج على ابن الزبير بالأبواب بات ابن الزبير تلك الليلة يصلي عامة الليل ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى ثم انتبه بالفجر فقال أذن يا سعد فأذن عند المقام و توضأ ابن الزبير و ركع ركعتي الفجر ثم تقدم و أقام المؤذن فصلى ابن الزبير بأصحابه فقرأ ن و القلم حرفا حرفا ثم سلم ثم قام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال اكشفوا وجوهكم حتى أنظر و عليها المغافر و العمائم فكشفوا وجوههم فقال يا آل الزبير لو طبتم لي نفسا عن أنفسكم كنا أهل بيت من العرب اصطلمنا لم تصبنا مذلة و لم نقر على ضيم أما بعد يا آل الزبير فلا يرعكم وقع السيوف فإني لم أحضر موطنا قط ارتثثت فيه بين القتلى و ما أجد من دواء جراحها أشد مما أجد من ألم وقعها صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم لا أعلم امرأ كسر سيفه و استبقى نفسه فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل غضوا أبصاركم عن البارقة و ليشغل كل امرئ قرنه و لا يلهينكم السؤال عني و لا تقولن أين عبد الله بن الزبير ألا من كان سائلا عني فإني في الرعيل الأول ثم قال شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 1
أبى لابن سلمى أنه غير خالد يلاقي المنايا أي وجه تيممافلست بمبتاع الحياة بسبة و لا مرتق من خشية الموت سلما
ثم قال احملوا على بركة الله ثم حمل حتى بلغ بهم إلى الحجون فرمي بحجر فأصاب وجهه فأرعش و دمي وجهه فلما وجد سخونة الدم تسيل على وجهه و لحيته قال
و لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا و لكن على أقدامنا تقطر الدما(21/82)
قال و تقاووا عليه و صاحت مولاة له مجنونة وا أمير المؤمنيناه و قد كان هوى و رأته حين هوى فأشارت لهم إليه فقتل و إن عليه لثياب خز و جاء الخبر إلى الحجاج فسجد و سار هو و طارق بن عمرو فوقفا عليه فقال طارق ما ولدت النساء أذكر من هذا فقال الحجاج أ تمدح من يخالف طاعة أمير المؤمنين فقال طارق هو أعذر لنا و لو لا هذا ما كان لنا عذر إنا محاصروه و هو في غير خندق و لا حصن و لا منعة منذ ثمانية أشهر ينتصف منا بل يفضل علينا في كل ما التقينا نحن و هو قال فبلغ كلامهما عبد الملك فصوب طارقا. قال و بعث الحجاج برأس ابن الزبير و رأس عبد بن صفوان و رأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنصبت الثلاثة بها ثم حملت إلى عبد الملك. و نحن الآن نذكر بقية أخبار عبد الله بن الزبير ملتقطة من مواضع متفرقة رئي عبد الله بن الزبير في أيام معاوية واقفا بباب مية مولاة معاوية فقيل له شرح نهج البلاغج : 20 ص : 123يا أبا بكر مثلك يقف بباب هذه فقال إذا أعيتكم الأمور من رءوسها فخذوها من أذنابها. ذكر معاوية لعبد الله بن الزبير يزيد ابنه و أراد منه البيعة له فقال ابن الزبير أنا أناديك و لا أناجيك إن أخاك من صدقك فانظر قبل أن تقدم و تفكر قبل أن تندم فإن النظر قبل التقدم و التفكر قبل التندم فضحك معاوية و قال تعلمت يا أبا بكر الشجاعة عند الكبر. كان عبد الله بن الزبير شديد البخل كان يطعم جنده تمرا و يأمرهم بالحرب فإذا فروا من وقع السيوف لامهم و قال لهم أكلتم تمري و عصيتم أمري فقال بعضهم
أ لم تر عبد الله و الله غالب على أمره يبغي الخلافة بالتمر(21/83)