شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 460101وَ قَالَ ع زُهْدُكَ فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٍّ وَ رَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ فِيكَ ذُلُّ نَفْسٍأي نقصان حظ لك و ذلك لأنه ليس من حق من رغب فيك أن تزهد فيه لأن الإحسان لا يكافأ بالإساءة و للقصد حرمة و للآمل ذمام و من طلب مودتك فقد قصدك و أملك فلا يجوز رفضه و اطراحه و الزهد فيه و إذا زهدت فيه فذلك لنقصان حظك لا لنقصان حظه فأما رغبتك في زاهد فيك فمذلة لأنك تطرح نفسك لمن لا يعبأ بك و هذا ذل و صغار. و قال العباس بن الأحنف في نسيبه و كان جيد النسيب
ما زلت أزهد في مودة راغب حتى ابتليت برغبة في زاهدهذا هو الداء الذي ضاقت به حيل الطبيب و طال يأس العائد
أي ما زلت عزيزا حتى أذلني الحب
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 461102وَ قَالَ ع مَا زَالَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأَ ابْنُهُ الْمَشْئُومُ عَبْدُ اللَّهِذكر هذا الكلام أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب عن أمير المؤمنين ع في عبد الله بن الزبير إلا أنه لم يذكر لفظة المشئوم
عبد الله بن الزبير و ذكر طرف من أخباره(21/64)
و نحن نذكر ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة عبد الله بن الزبير فإن هذا المصنف يذكر جمل أحوال الرجل دون تفاصيلها ثم نذكر تفصيل أحواله من مواضع أخرى. قال أبو عمر رحمه الله يكنى عبد الله بن الزبير أبا بكر و قال بعضهم أبا بكير ذكر ذلك أبو أحمد الحاكم الحافظ في كتابه في الكنى و الجمهور من أهل السير و أهل الأثر على أن كنيته أبو بكر و له كنية أخرى أبو خبيب بابنه خبيب شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 103و كان أسن ولده و خبيب هو صاحب عمر بن عبد العزيز الذي مات من ضربه إذ كان واليا على المدينة للوليد و كان الوليد أمره بضربهمات من أذية ذلك فوداه عمر بعد. قال أبو عمر و سماه رسول الله ص باسم جده و كناه بكنية جده عبد الله أبي بكر و هاجرت أمه أسماء من مكة إلى المدينة و هي حامل به فولدته في سنة اثنتين من الهجرة لعشرين شهرا من التاريخ و قيل ولد في السنة الأولى و هو أول مولود ولد في الإسلام من المهاجرين بعد الهجرة. و روى هشام بن عروة عن أسماء قالت حملت بعبد الله بمكة فخرجت و أنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدته بقباء ثم أتيت رسول الله ص فوضعته في حجره فدعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شي ء دخل جوفه ريق رسول الله ص ثم حنكهبالتمرة ثم دعا له و بارك عليه و هو أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة قال ففرحوا به فرحا شديدا و ذلك أنهم قد كان قيل لهم إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم. قال أبو عمر و شهد عبد الله الجمل مع أبيه و خالته و كان شهما ذكرا ذا أنفة و كان له لسن و فصاحة و كان أطلس لا لحية له و لا شعر في وجهه و كان كثير الصلاة كثير الصيام شديد البأس كريم الجدات و الأمهات و الخالات إلا أنه كان فيه خلال لا يصلح معها للخلافة فإنه كان بخيلا ضيق العطن سيئ الخلق حسودا كثير الخلاف أخرج محمد بن الحنفية من مكة و المدينة و نفى عبد الله بن عباس إلى الطائف. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 104و قال علي(21/65)
ع في أمره ما زال الزبير يعد منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله
قال أبو عمر و بويع له بالخلافة سنة أربع و ستين في قول أبي معشر. و قال المدائني بويع له بالخلافة سنة خمس و ستين. و كان قبل ذلك لا يدعى باسم الخلافة و كانت بيعته بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية على طاعته أهل الحجاز و اليمن و العراق و خراسان و حج بالناس ثماني حجج و قتل في أيام عبد الملك بن مروان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقين من جمادى الأولى و قيل من جمادى الآخرة سنة ثلاث و سبعين و هو ابن اثنتين و سبعين سنة و صلب بمكة بعد قتله و كان الحجاج قد ابتدأ بحصاره من أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين و سبعين و حج الحجاج بالناس في ذلك العام و وقف بعرفة و عليه درع و مغفر و لم يطوفوا بالبيت في تلك السنة فحاصره ستة أشهر و سبعة عشر يوما إلى أن قتله. قال أبو عمر فروى هشام بن عروة عن أبيه قال لما كان قبل قتل عبد الله بعشرة أيام دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر و هي شاكية فقال كيف تجدينك يا أمه قالت ما أجدني إلا شاكية فقال لها إن في الموت لراحة فقالت لعلك تمنيته لي و ما أحب أن أموت حتى يأتي على إحدى حالتيك إما قتلت فأحتسبك و إما ظفرت بعدوك فقرت عيني. قال عروة فالتفت عبد الله إلي و ضحك فلما كان اليوم الذي قتل فيه دخل عليها في المسجد فقالت يا بني لا تقبل منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذل مخافة القتل فو الله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في مذلة قال فخرج شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 105عبد الله و قد نصب له مصراع عند الكعبة فكان يكون تحته فأتاه رجل من قريش فقال له أ لا نفتح لك باب الكعبة دخلها فقال و الله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم عن آخركم و هل حرمة البيت إلا كحرمة الحرم ثم أنشد
و لست بمبتاع الحياة بسبة و لا مرتق من خشية الموت سلما(21/66)
ثم شد عليه أصحاب الحجاج فسأل عنهم فقيل هؤلاء أهل مصر فقال لأصحابه اكسروا أغماد سيوفكم و احملوا معي فإنني في الرعيل الأول ففعلوا ثم حمل عليهم و حملوا عليه فكان يضرب بسيفين فلحق رجلا فضربه فقطع يده و انهزموا و جعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد و جعل رجل منهم أسود يسبه فقال له اصبر يا ابن حام ثم حمل عليه فصرعه ثم دخل عليه أهل حمص من باب بني شيبة فسأل عنهم فقيل هؤلاء أهل حمص فشد عليهم و جعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد ثم انصرف و هو يقول
لو كان قرني واحدا أرديته أوردته الموت و قد ذكيته
ثم دخل عليه أهل الأردن من باب آخر فقال من هؤلاء قيل أهل الأردن فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد ثم انصرف و هو يقول
لا عهد لي بغارة مثل السيل لا ينجلي قتامها حتى الليل
فأقبل عليه حجر من ناحية الصفا فأصابه بين عينيه فنكس رأسه و هو يقول
و لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا و لكن على أقدامنا تقطر الدما
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 106أنشده متمثلا و حماه موليان له فكان أحدهما يرتجز فيقولالعبد يحمي ربه و يحتمي
قال ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه و يضربهم حتى قتلوه و مولييه جميعا فلما قتل كبر أهل الشام فقال عبد الله بن عمر المكبرون يوم ولد خير من المكبرين يوم قتل. قال أبو عمر و قال يعلى بن حرملة دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بن الزبير بثلاثة أيام فإذا هو مصلوب فجاءت أمه أسماء و كانت امرأة عجوزا طويلة مكفوفة البصر تقاد فقالت للحجاج أ ما آن لهذا الراكب أن ينزل فقال لها المنافق قالت و الله ما كان منافقا و لكنه كان صواما قواما برا قال انصرفي فإنك عجوز قد خرفت قالت لا و الله ما خرفت و
إني سمعت رسول الله ص يقول يخرج من ثقيف كذاب و مبير(21/67)
أما الكذاب فقد رأيناه تعني المختار و أما المبير فأنت. قال أبو عمر و روى سعيد بن عامر الخراز عن ابن أبي مليكة قال كنت الآذن لمن بشر أسماء بنزول ابنها عبد الله من الخشبة فدعت بمركن و شب يمان فأمرتني بغسله فكنا لا نتناول منه عضوا إلا جاء معنا فكنا نغسل العضو و ندعه في أكفانه و نتناول العضو الذي يليه فنغسله ثم نضعه في أكفانه حتى فرغنا منه ثم قامت فصلت عليه و قد كانت تقول اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجثته فلما دفنته لم يأت عليها جمعة حتى ماتت. قال أبو عمر و قد كان عروة بن الزبير رحل إلى عبد الملك فرغب إليه في إنزال عبد الله من الخشبة فأسعفه بذلك فأنزل. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 107قال أبو عمر و قال علي بن مجاهد قتل مع ابن الزبير مائتان و أربعون رجلا إن منهم لمن سال دمه في جوف الكعبة. قال أبو عمر و روى عيسى عن أبي القاسم عن مالك بن أنس قال كان ابن الزبير أفضل ممروان و أولى بالأمر منه و من أبيه قال و قد روى علي بن المدائني عن سفيان بن عيينة أن عامر بن عبد الله بن الزبير مكث بعد قتل أبيه حولا لا يسأل الله لنفسه شيئا إلا الدعاء لأبيه. قال أبو عمر و روى إسماعيل بن علية عن أبي سفيان بن العلاء عن ابن أبي عتيق قال قالت عائشة إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر قالوا هذا ابن عمر فقالت يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري قال رأيت رجلا قد غلب عليك و رأيتك لا تخالفينه يعني عبد الله بن الزبير فقالت أما إنك لو نهيتني ما خرجت. فأما الزبير بن بكار فإنه ذكر في كتاب أنساب قريش من أخبار عبد الله و أحواله جملة طويلة نحن نختصرها و نذكر اللباب منها مع أنه قد أذنب في ذكر فضائله و الثناء عليه و هو معذور في ذلك فإنه لا يلام الرجل على حب قومه و الزبير بن بكار أحد أولاد عبد الله بن الزبير فهو أحق بتقريظه و تأبينه. قال الزبير بن بكار أمه أسماء ذات النطاقين ابنة أبي بكر الصديق و إنما سميت ذات النطاقين(21/68)