كل شعب كنتم به آل وهب فهو شعبي و شعب كل أديب
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 91إن قلبي لكم لكالكبد الحرى و قلبي لغيركم كالقلوو قد ذهب كثير من الناس إلى غير هذا المذهب فجعلوا بعض البلاد أحق بالإنسان من بعض و هو الوطن الأول و مسقط الرأس قال الشاعر
أحب بلاد الله ما بين منبج إلي و سلمى أن يصوب سحابهابلاد بها نيطت علي تمائمي و أول أرض مس جلدي ترابها
و كان يقال ميلك إلى مولدك من كرم محتدك. و قال ابن عباس لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم لما اشتكى أحد الرزق. و كان يقال كما أن لحاضنتك حق لبنها فلأرضك حرمة وطنها. و كانت العرب تقول حماك أحمى لك و أهلك أحفى بك. و قال الشاعر
و كنا ألفناها و لم تك مألفا و قد يؤلف الشي ء الذي ليس بالحسن كما تؤلف الأرض التي لم يطب بها هواء و لا ماء و لكنها وطأعرابي رملة حضنتني أحشاؤها و أرضعتني أحساؤها. كانت العرب إذا سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه و تطرحه في الماء إذا شربته و كذلك كانت فلاسفة يونان تفعل. و قال الشاعر في هذا المعنى
نسير على علم بكنه مسيرنا بعفة زاد في بطون المزاود
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 92و لا بد في أسفارنا من قبيصة من الترب نسقاها لحب الموالو قالت الهند حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك كان غذاؤك منهما و أنت جنين و كان غذاؤهما منك. و من الكلام القديم لو لا الوطن و حبه لخرب بلد السوء. ابن الرومي
و حبب أوطان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالكاإذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 45293وَ قَالَ ع وَ قَدْ جَاءَهُ نَعْيُ الْأَشْتَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَالِكٌ وَ مَالِكٌ وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ جَبَلًا لَكَانَ فِنْداً أَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً لَا يَرْتَقِيهِ الْحَافِرُ وَ لَا يُوفِي عَلَيْهِ الطَّائِ
قال الرضي رحمه الله تعالى الفند المنفرد من الجبال(21/59)


يقال إن الرضي ختم كتاب نهج البلاغة بهذا الفصل و كتبت به نسخ متعددة ثم زاد عليه إلى أن وفى الزيادات التي نذكرها فيما بعد. و قد تقدم ذكر الأشتر و إنما قال لو كان جبلا لكان فندا لأن الفند قطعة الجبل طولا و ليس الفند القطعة من الجبل كيفما كانت و لذلك قال لا يرتقيه الحافر لأن القطعة المأخوذة من الجبل طولا في دقة لا سبيل للحافر إلى صعودها و لو أخذت عرضا لأمكن صعودها. ثم وصف تلك القطعة بالعلو العظيم فقال و لا يوفي عليه الطائر أي لا يصعد عليه يقال أوفى فلان على الجبل أشرف
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 45394وَ قَالَ ع قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُهذا كلام يخاطب به أهل العبادات و الصلاة قال قليل من النوافل يدوم المرء عليه خير له من كثير منها يمله و يتركه. و الجيد النادر في هذا
قول رسول الله ص إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى
و كان يقال كل كثير مملول. و قالوا كل كثير عدو للطبيعة. و قال الشاعر(21/60)


إني كثرت عليه في زيارته فمل و الشي ء مملول إذا كثراو رابني أني لا أزال أرى في طرفه قصرا عني إذا نظرا شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 45495وَ قَالَ ع إِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ خَلَّةٌ رَائِعَةٌ فَانْتَظِرُوا مِنْهُ أَخَوَاتِهَامثال ذلك إنسان مستور الحال عنا رأيناه و قد صدرت عنه حركة تروعك و تعجبك إما لحسنها أو لقبحها مثل أن يتصدق بشي ء له وقع و مقدار من ماله أو ينكر منكرا عجز غيره عن إنكاره أو يسرق أو يزني فينبغي أن ينتظر و يترقب منه أخوات ما وقع منه و ذلك لأن العقل و الطبيعة اتي فيه المحركة له إلى فعل تلك الحركة لا بد أن تحركه إلى فعل ما يناسبها لأنها ما دعته إلى فعل تلك الحركة لخصوصية تلك الحركة بل لما فيها من المعنى المقتضي وقوعها و هذا يتعدى إلى غيرها مما يجانسها و لذلك لا ترى أحدا قد اطلعت من حاله يوما على أنه قد شرب الخمر إلا و سوف تطلع فيما بعد منه على أنه يشربها و بالعكس في الأمور الحسنة لا ترى أحدا قد صدر عنه فعل من أفعال الخير و المروءة إلا و ستراه فيما بعد فاعلا نظيره أو ما يقاربه. و شتم بعض سفهاء البصرة الأحنف شتما قبيحا فحلم عنه فقيل له في ذلك فقال دعوه فإني قد قتلته بالحلم عنه و سيقتل نفسه بجراءته فلما كان بعد أيام جاء ذلك السفيه فشتم زيادا و هو أمير البصرة حينئذ و ظن أنه كالأحنف فأمر به فقطع لسانه و يده
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 45596وَ قَالَ ع لِغَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَبِي الْفَرَزْدَقِ فِي كَلَامٍ دَارَ بَيْنَهُمَا مَا فَعَلَتْ إِبِلُكَ الْكَثِيرَةُ قَالَ ذَعْذَعَتْهَا الْحُقُوقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع ذَلِكَ أَحْمَدُ سُبُلِهَاذعذعتها بالذال المعجمة مكررة فرقتها ذعذعته فتذعذع و ذعذعة السر أذاعته و الذعاذع الفرق المتفرقة الواحدة ذعذعة و ربما قالوا تفرقوا ذعاذع.(21/61)


دخل غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال المجاشعي على أمير المؤمنين ع أيام خلافته و غالب شيخ كبير و معه ابنه همام الفرزدق و هو غلام يومئذ فقال له أمير المؤمنين ع من الشيخ قال أنا غالب بن صعصعة قال ذو الإبل الكثيرة قال نعم قال ما فعلت إبلك قال ذعذعتها الحقوق و أذهبتها الحملات و النوائب قال ذاك أحمد سبلها من هذا الغلام معك قال هذا ابني قال ما اسمه قال همام و قد رويته الشعر يا أمير المؤمنين و كلام العرب و يوشك أن يكون شاعرا مجيدا فقال لو أقرأته القرآن فهو خير له
فكان الفرزدق بعد يروي هذا الحديث و يقول ما زالت كلمته في نفسي حتى قيد نفسه بقيد و آلى ألا يفكه حتى يحفظ القرآن فما فكه حتى حفظه
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 45697وَ قَالَ ع مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْهٍ فَقَدِ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَايقول تجر فلان و اتجر فهو تاجر و الجمع تجر مثل صاحب و صحب و التجارة و التجر بمعنى واحد إذا أخذتهما مصدرين لتجر و أرض متجرة يتجر فيها. و ارتطم فلان في الوحل و الأمر إذا ارتبك فيه و لم يقدر على الخروج منه و إنما قال ع ذلك لأن مسائل الربا مشتبهة بمسائل البيع و لا يفرق بينهما إلا الفقيه حتى أن العظماء من الفقهاء قد اشتبه عليهم الأمر فيها فاختلفوا فيها أشد اختلاف كبيع لحم البقر بالغنم متفاضلا هل يجوز أم لا و كذلك لبن البقر بلبن الغنم و جلود البقر بجلود الغنم فقال أبو حنيفة اللحوم و الألبان و الجلود أجناس مختلفة فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا نظرا إلى أن أصولها أجناس مختلفة و الشافعي لا يجيز ذلك و يقول هو ربا و كذلك القول في مدى عجوة و درهم بمد عجوة و كذلك بيع الرطب بالتمر متساويا كيلا كل ذلك يقول الشافعي إنه ربا و أبو حنيفة يخرجه عن كونه ربا و مسائل هذا الباب كثيرة(21/62)


شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 45798وَ قَالَ ع مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِكِبَارِهَاإنما كان كذلك لأنه يشكو الله و يتسخط قضاءه و يجحد النعمة في التخفيف عنه و يدعي فيما ليس بمجحف به من حوادث الدهر أنه مجحف و يتألم بين الناس لذلك أكثر مما تقتضيه نكبته و من فعل ذلك استوجب السخط من الله تعالى و ابتلي بالكثير من النكبة و إنما الواجب على من وقع في أمر يشق عليه و يتألم منه و ينال من نفسه أو من ماله نيلا ما إن يحمد الله تعالى على ذلك و يقول لعله قد دفع بهذا عني ما هو أعظم منه و لئن كان قد ذهب من مالي جزء فلقد بقي أجزاء كثيرة. و قال عروة بن الزبير لما وقعت الأكلة في رجله فقطعها و مات ابنه اللهم إنك أخذت عضوا و تركت أعضاء و أخذت ابنا و تركت أبناء فليهنك لئن كنت أخذت لقد أبقيت و لئن كنت ابتليت لقد عافيت
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 45899وَ قَالَ ع مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُقد تقدم مثل هذا المعنى مرارا و من الكلام المشهور بين العامة قبح الله أمرا تغلب شهوته على نخوته. و الجيد النادر في هذا قول الشاعر
فإنك إن أعطيت بطنك سؤله و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 459100وَ قَالَ ع مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلَّا مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةًقد تقدم القول في المزاح. و كان يقال خير المزاح لا ينال و شره لا يستقال. و قيل إنما سمي المزاح مزاحا لأنه أزيح عن الحق(21/63)

21 / 69
ع
En
A+
A-