القرن خمسون سنة فكيف يصح هذا الخبر. قال فأما ما ورد في القرآن من قوله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ و قوله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ. و
قول النبي ص إن الله اطلع على أهل بدر
إن كان الخبر صحيحا فكله مشروط بسلامة العاقبة و لا يجوز أن يخبر الحكيم مكلفا غير معصوم بأنه لا عقاب عليه فليفعل ما شاء. قال هذا المتكلم و من أنصف و تأمل أحوال الصحابة وجدهم مثلنا يجوز عليهم ما يجوز علينا و لا فرق بيننا و بينهم إلا بالصحبة لا غير فإن لها منزلة و شرفا شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 30و لكن لا إلى حد يمتنع على كل من رأى الرسول أو صحبه يوما أو شهرا أو أكثر من ذلك أن يخطئ و يزل و لو كان هذا صحيحا ما احتاجت عائشة إلى نزول براءتها من السماء بل كان رسول الله ص من أول يوم يعلم كذب أهل الإفك لأنها زوجته صحبتها له آكد من صحبة غيرها و صفوان بن المعطل أيضا كان من الصحابة فكان ينبغي ألا يضيق صدر رسول الله ص و لا يحمل ذلك الهم و الغم الشديدين اللذين حملهما و يقول صفوان من الصحابة و عائشة من الصحابة و المعصية عليهما ممتنعة. و أمثال هذا كثير و أكثر من الكثير لمن أراد أن يستقرئ أحوال القوم و قد كان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك و يقولون في العصاة منهم مثل هذا القول و إنما اتخذهم العامة أربابا بعد ذلك. قال و من الذي يجترئ على القول بأن أصحاب محمد لا تجوز البراءة من أحد منهم و إن أساء و عصى بعد قول الله تعالى للذي شرفوا برؤيته لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ بعد قوله قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ و بعد قوله فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ إلا من لا فهم له و لا(21/24)
نظر معه و لا تمييز عنده. قال و من أحب أن ينظر إلى اختلاف الصحابة و طعن بعضهم في بعض و رد بعضهم على بعض و ما رد به التابعون عليهم و اعترضوا به أقوالهم و اختلاف التابعين أيضا فيما بينهم و قدح بعضهم في بعض فلينظر في كتاب النظام قال الجاحظ كان النظام
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 31أشد الناس إنكارا على الرافضة لطعنهم على الصحابة حتى إذا ذكر الفتيا و تنقل الصحابة فيها و قضاياهم بالأمور المختلفة و قول من استعمل الرأي في دين الله انتظم مطاعن الرافضة و غيرها و زاد عليها و قال في الصحابة أضعاف قولها. قال و ل بعض رؤساء المعتزلة غلط أبي حنيفة في الأحكام عظيم لأنه أضل خلقا و غلط حماد أعظم من غلط أبي حنيفة لأن حمادا أصل أبي حنيفة الذي منه تفرع و غلط إبراهيم أغلظ و أعظم من غلط حماد لأنه أصل حماد و غلط علقمة و الأسود أعظم من غلط إبراهيم لأنهما أصله الذي عليه اعتمد و غلط ابن مسعود أعظم من غلط هؤلاء جميعا لأنه أول من بدر إلى وضع الأديان برأيه و هو الذي قال أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأ فمني. قال و استأذن أصحاب الحديث على ثمامة بخراسان حيث كان مع الرشيد بن المهدي فسألوه كتابه الذي صنفه على أبي حنيفة في اجتهاد الرأي فقال لست على أبي حنيفة كتبت ذلك الكتاب و إنما كتبته على علقمة و الأسود و عبد الله بن مسعود لأنهم الذين قالوا بالرأي قبل أبي حنيفة. قال و كان بعض المعتزلة أيضا إذا ذكر ابن عباس استصغره و قال صاحب الذؤابة يقول في دين الله برأيه. و ذكر الجاحظ في كتابه المعروف بكتاب التوحيد أن أبا هريرة ليس بثقة في الرواية عن رسول الله ص قال و لم يكن علي ع يوثقه في الرواية بل يتهمه و يقدح فيه و كذلك عمر و عائشة. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 32و كان الجاحظ يفسق عمر بن عبد العزيز و يستهزئ به و يكفره و عمر بن ازيز و إن لم يكن من الصحابة فأكثر العامة يرى له من الفضل ما يراه لواحد من(21/25)
الصحابة. و كيف يجوز أن نحكم حكما جزما أن كل واحد من الصحابة عدل و من جملة الصحابة الحكم بن أبي العاص و كفاك به عدوا مبغضا لرسول الله ص و من الصحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب و منهم حبيب بن مسلمة الذي فعل ما فعل بالمسلمين في دولة معاوية و بشر بن أبي أرطاة عدو الله و عدو رسوله و في الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس و قال كثير من المسلمين مات رسول الله ص و لم يعرفه الله سبحانه كل المنافقين بأعيانهم و إنما كان يعرف قوما منهم و لم يعلم بهم أحدا إلا حذيفة فيما زعموا فكيف يجوز أن نحكم حكما جزما أن كل واحد ممن صحب رسول الله أو رآه أو عاصره عدل مأمون لا يقع منه خطأ و لا معصية و من الذي يمكنه أن يتحجر واسعا كهذا التحجر أو يحكم هذا الحكم قال و العجب من الحشوية و أصحاب الحديث إذ يجادلون على معاصي الأنبياء و يثبتون أنهم عصوا الله تعالى و ينكرون على من ينكر ذلك و يطعنون فيه و يقولون قدري معتزلي و ربما قالوا ملحد مخالف لنص الكتاب و قد رأينا منهم الواحد و المائة و الألف يجادل في هذا الباب فتارة يقولون إن يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة و تارة يقولون إن داود قتل أوريا لينكح امرأته و تارة يقولون إن رسول الله كان كافرا ضالا قبل النبوة و ربما ذكروا زينب بنت جحش و قصة الفداء يوم بدر. فأما قدحهم في آدم ع و إثباتهم معصيته و مناظرتهم من يذكر ذلك(21/26)
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 33فهو دأبهم و ديدنهم فإذا تكلم واحد في عمرو بن العاص أو في معاوية و أمثالهما و نسبهم إلى المعصية و فعل القبيح احمرت وجوههم و طالت أعناقهم و تخازرت أعينهم و قالوا مبتدع رافضي يسب الصحابة و يشتم السلف فإن قالوا إنما اتبعنا في ذكمعاصي الأنبياء نصوص الكتاب قيل لهم فاتبعوا في البراءة من جميع العصاة نصوص الكتاب فإنه تعالى قال لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ و قال فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ و قال أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. ثم يسألون عن بيعة علي ع هل هي صحيحة لازمة لكل الناس فلا بد من بلى فيقال لهم فإذا خرج على الإمام الحق خارج أ ليس يجب على امسلمين قتاله حتى يعود إلى الطاعة فهل يكون هذا القتال إلا البراءة التي نذكرها لأنه لا فرق بين الأمرين و إنما برئنا منهم لأنا لسنا في زمانهم فيمكننا أن نقاتل بأيدينا فقصارى أمرنا الآن أن نبرأ منهم و نلعنهم و ليكون ذلك عوضا عن القتال الذي لا سبيل لنا إليه. قال هذا المتكلم على أن النظام و أصحابه ذهبوا إلى أنه لا حجة في الإجماع و أنه يجوز أن تجتمع الأمة على الخطإ و المعصية و على الفسق بل على الردة و له كتاب موضوع في الإجماع يطعن فيه في أدلة الفقهاء و يقول إنها ألفاظ غير صريحة في كون الإجماع حجة نحو قوله جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً و قوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ و قوله وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 34و أما الخبر الذي صورتهلا تجتمع أمتي على الخطإ(21/27)
فخبر واحد و أمثل دليل للفقهاء قولهم إن الهمم المختلفة و الآراء المتباينة إذا كان أربابها كثيرة عظيمة فإنه يستحيل اجتماعهم على الخطإ و هذا باطل باليهود و النصارى و غيرهم من فرق الضلال. هذه خلاصة ما كان النقيب أبو جعفر علقه بخطه من الجزء الذي أقرأناه. و نحن نقول أما إجماع المسلمين فحجة و لسنا نرتضي ما ذكره عنا من أنه أمثل دليل لنا أن الهمم المختلفة و الآراء المتباينة يستحيل أن تتفق على غير الصواب و من نظر في كتبنا الأصولية علم وثاقة أدلتنا على صحة الإجماع و كونه صوابا و حجة تحريم مخالفته و قد تكلمت في اعتبار الذريعة للمرتضى على ما طعن به المرتضى في أدلة الإجماع. و أما ذكره من الهجوم على دار فاطمة و جمع الحطب لتحريقها فهو خبر واحد غير موثوق به و لا معول عليه في حق الصحابة بل و لا في حق أحد من المسلمين ممن ظهرت عدالته. و أما عائشة و الزبير و طلحة فمذهبنا أنهم أخطئوا ثم تابوا و أنهم من أهل الجنة و أن عليا ع شهد لهم بالجنة بعد حرب الجمل. و أما طعن الصحابة بعضهم في بعض فإن الخلاف الذي كان بينهم في مسائل الاجتهاد لا يوجب إثما لأن كل مجتهد مصيب و هذا أمر مذكور في كتب أصول الفقه و ما كان من الخلاف خارجا عن ذلك فالكثير من الأخبار الواردة فيه غير موثوق بها و ما جاء من جهة صحيحة نظر فيه و رجح جانب أحد الصحابيين على قدر منزلته في الإسلام كما يروى عن عمر و أبي هريرة. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 35فأما علي ع فإنه عندنا بمنزلة الرسول ص في تصويب قوله و الاحتجاج بفعله و وجوب طاه و متى صح عنه أنه قد برئ من أحد من الناس برئنا منه كائنا من كان و لكن الشأن في تصحيح ما يروى عنه ع فقد أكثر الكذب عليه و ولدت العصبية أحاديث لا أصل لها. فأما براءته ع من المغيرة و عمرو بن العاص و معاوية فهو عندنا معلوم جار مجرى الأخبار المتواترة فلذلك لا يتولاهم أصحابنا و لا يثنون عليهم و هم عند المعتزلة في مقام غير(21/28)