لأجل عمرو فلا يلعن لوجب أن تحفظ الصحابة في أولادهم فلا يلعنوا لأجل آبائهم فكان يجب أن يحفظ سعد بن أبي وقاص فلا يلعن ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين و أن يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة الحرة و قاتل الحسين و مخيف المسجد الحرام بمكة و أن يحفظ عمر بن الخطاب في عبيد الله ابنه قاتل الهرمزان و المحارب عليا ع في صفين. قال على أنه لو كان الإمساك عن عداوة من عادى الله من أصحاب رسول الله ص من حفظ رسول الله ص في أصحابه و رعاية عهده و عقده لم نعادهم و لو ضربت رقابنا بالسيوف و لكن محبة رسول الله ص لأصحابه ليست كمحبة الجهال الذين يصنع أحدهم محبته لصاحبه موضع العصبية و إنما أوجب الله رسول الله ص محبة أصحابه لطاعتهم لله فإذا عصوا الله و تركوا ما أوجب محبتهم فليس عند رسول الله ص محاباة في ترك لزوم ما كان عليه من محبتهم و لا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم فلقد كان ص يحب أن يعادي أعداء الله و لو كانوا عترته كما يحب أن يوالي أولياء الله و لو كانوا أبعد الخلق نسبا منه و الشاهد على ذلك إجماع الأمة على أن الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الإسلام و عداوة من نافق و إن كان من أصحاب رسول الله ص و أن رسول الله ص هو الذي أمر بذلك و دعا إليه شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 19و ذلك أنه ص قد أوجب قطع السارق و ضرب القاذف و جلد البكر إذا زنى و إن كان من المهاجرين أو الأنصار أ لا ترى أنه قال لو سرقت فاطمة لقطعتها(21/14)
فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه لم يحابها في دين الله و لا راقبها في حدود الله و قد جلد أصحاب الإفك و منهم مسطح بن أثاثة و كان من أهل بدر. قال و بعد فلو كان محل أصحاب رسول الله ص محل من لا يعادي إذا عصى الله سبحانه و لا يذكر بالقبيح بل يجب أن يراقب لأجل اسم الصحبة و يغضى عن عيوبه و ذنوبه لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثناؤه في القرآن لما اتبع هواه فانسلخ مما أوتي من الآيات و غوى قال سبحانه وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ و لكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى هذا المحل لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا من رسل الله سبحانه. قال و لو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة لعلمت ذلك من حال أنفسها لأنهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا و إذا قدرت أفعال بعضهم ببعض دلتك على أن القصة كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم هذا علي و عمار و أبو الهيثم بن التيهان و خزيمة بن ثابت و جميع من كان مع علي ع من المهاجرين و الأنصار لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة و الزبير حتى فعلوا بهما و بمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا و هذا طلحة و الزبير و عائشة و من كان معهم و في جانبهم لم يروا أن يمسكوا عن علي حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا و هذا معاوية و عمرو لم يريا شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 20عليا بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره و لم يقصرا دون ضرب وجهه بالسيف و لعنه و لعن لاده و كل من كان حيا من أهله و قتل أصحابه و قد لعنهما هو أيضا في الصلوات المفروضات و لعن معهما أبا الأعور السلمي و أبا موسى الأشعري و كلاهما من الصحابة و هذا سعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة و أسامة بن زيد و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و عبد الله بن عمر و حسان بن ثابت و أنس بن مالك لم يروا أن يقلدوا عليا في حرب طلحة و لا(21/15)
طلحة في حرب علي و طلحة و الزبير بإجماع المسلمين أفضل من هؤلاء المعدودين لأنهم زعموا أنهم قد خافوا أن يكون علي قد غلط و زل في حربهما و خافوا أن يكونا قد غلطا و زلا في حرب علي و هذا عثمان قد نفى أبا ذر إلى الربذة كما يفعل بأهل الخنا و الريب و هذا عمار و ابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقياه به لما ظهر لهما بزعمهما منه ما وعظاه لأجله ثم فعل بهما عثمان ما تناهى إليكم ثم فعل القوم بعثمان ما قد علمتم و علم الناس كلهم و هذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام لما استأذنه في الغزو ها إني ممسك بباب هذا الشعب أن يتفرق أصحاب محمد في الناس فيضلوهم و زعم أنه و أبو بكر كانا يقولان إن عليا و العباس في قصة الميراث زعماهما كاذبين ظالمين فاجرين و ما رأينا عليا و العباس اعتذرا و لا تنصلا و لا نقل أحد من أصحاب الحديث ذلك و لا رأينا أصحاب رسول الله ص أنكروا عليهما ما حكاه عمر عنهما و نسبه إليهما و لا أنكروا أيضا على عمر قوله في أصحاب رسول الله ص إنهم يريدون إضلال الناس و يهمون به و لا أنكروا على عثمان دوس بطن عمار و لا كسر ضلع ابن مسعود و لا على عمار و ابن مسعود ما تلقيا به عثمان كإنكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة و لا اعتقدت الصحابة في أنفسها ما يعتقده العامة فيها اللهم إلا أن يزعموا أنهم أعرف بحق القوم منهم و هذا علي(21/16)
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 21و فاطمة و العباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية نحن معاشر الأنبياء لا نورث و يقولون إنها مختلفة. قالوا و كيف كان النبي ص يعرف هذا الحكم غيرنا و يكتمه عنا و نحن الورثة و نحن أولى الناس بأن يؤدى هذا الحكم إليه و هذا عمبن الخطاب يشهد لأهل الشورى أنهم النفر الذين توفي رسول الله ص و هو عنهم راض ثم يأمر بضرب أعناقهم إن أخروا فصل حال الإمامة هذا بعد أن ثلبهم و قال في حقهم ما لو سمعته العامة اليوم من قائل لوضعت ثوبه في عنقه سحبا إلى السلطان ثم شهدت عليه بالرفض و استحلت دمه فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضا فعمر بن الخطاب أرفض الناس و إمام الروافض كلهم ثم ما شاع و اشتهر من قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه و هذا طعن في العقد و قدح في البيعة الأصلية. ثم ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في صلاته و قوله عن عبد الرحمن ابنه دويبة سوء و لهو خير من أبيه ثم عمر القائل في سعد بن عبادة و هو رئيس الأنصار و سيدها اقتلوا سعدا قتل الله سعدا اقتلوه فإنه منافق و قد شتم أبا هريرة و طعن في روايته و شتم خالد بن الوليد و طعن في دينه و حكم بفسقه و بوجوب قتله و خون عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان و نسبهما إلى سرقة مال الفي ء و اقتطاعه و كان سريعا إلى المساءة كثير الجبه و الشتم و السب لكل أحد و قل أن يكون في الصحابة من سلم من معرة لسانه أو يده و لذلك أبغضوه و ملوا أيامه مع كثرة الفتوح فيها فهلا احترم عمر الصحابة كما حترمهم العامة إما أن يكون عمر مخطئا و إما أن تكون العامة على الخطإ. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 22فإن قالوا عمر ما شتم و لا ضرب و لا أساء إلا إلى عاص مستحق لذلك قيل لهم فكأنا نحن نقول إنا نريد أن نبرأ و نعادي من لا يستحق البراءة و المعاداة كلا ما قلنا هذا لا يقول هذا مسلم و لا عاقل و إنما غرضنا الذي إليه نجري بكلامنا هذا(21/17)
أن نوضح أن الصحابة قوم من الناس لهم ما للناس و عليهم ما عليهم من أساء منهم ذممناه و من أحسن منهم حمدناه و ليس لهم على غيرهم من المسلمين كبير فضل إلا بمشاهدة الرسول و معاصرته لا غير بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم لأنهم شاهدوا الأعلام و المعجزات فقربت اعتقاداتهم من الضرورة و نحن لم نشاهد ذلك فكانت عقائدنا محض النظر و الفكر و بعرضية الشبه و الشكوك فمعاصينا أخف لأنا أعذر. ثم نعود إلى ما كنا فيه فنقول و هذه عائشة أم المؤمنين خرجت بقميص رسول الله ص فقالت للناس هذا قميص رسول الله لم يبل و عثمان قد أبلى سنته ثم تقول اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا ثم لم ترض بذلك حتى قالت أشهد أن عثمان جيفة على الصراط غدا فمن الناس من يقول روت في ذلك خبرا و من الناس من يقول هو موقوف عليها و بدون هذا لو قاله إنسان اليوم يكون عند العامة زنديقا ثم قد حصر عثمان حصرته أعيان الصحابة فما كان أحد ينكر ذلك و لا يعظمه و لا يسعى في إزالته و إنما أنكروا على من أنكر على المحاصرين له و هو رجل كما علمتم من وجوه أصحاب رسول الله ص ثم من أشرافهم ثم هو أقرب إليه من أبي بكر و عمر و هو مع ذلك إمام المسلمين و المختار منهم للخلافة و للإمام حق على رعيته عظيم فإن كان القوم قد أصابوا فإذن ليست الصحابة في الموضع الذي وضعتها به العامة و إن كانوا ما أصابوا فهذا هو الذي نقول من أن الخطأ جائز على(21/18)