يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ فهو إخبار معناه الأمر كقوله وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ و قد لعن الله تعالى العاصين بقوله لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ و قوله إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً و قوله مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا و قال الله تعالى لإبليس وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ و قال إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً. شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 14فأما قول من يقول أي ثواب في اللعن و إن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن بل قد يقول له لم لعنت و أنه لو جعل مكان لعن الله فلانا اللهم ار لي لكان خيرا له و لو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك فكلام جاهل لا يدري ما يقول اللعن طاعة و يستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجهها و هو أن يلعن مستحق اللعن لله و في الله لا في العصبية و الهوى أ لا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفي الولد و نطق بها القرآن و هو أن يقول الزوج في الخامسة أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة و أنه قد تعبدهم بها لما جعلها من معالم الشرع و لما كررها في كثير من كتابه العزيز و لما قال في حق القاتل وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ و ليس المراد من قوله وَ لَعَنَهُ إلا الأمر لنا بأن نلعنه و لو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه لأن الله تعالى قد لعنه أ فيلعن الله تعالى إنسانا و لا يكون لنا أن نلعنه هذا ما لا يسوغ في العقل كما لا يجوز أن يمدح الله إنسانا إلا و لنا أن نمدحه و لا يذمه إلا و لنا أن نذمه و(21/9)


قال تعالى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ و قال رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَ الْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً و قال عز و جل وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا و كيف يقول القائل إن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن أ لا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه و أمر بعداوة أعدائه فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبري أ لا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له تلفظ بكلمة الشهادتين ثم قل برئت شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 15من كل دين يخالف دين الإسلام فلا بد من البراءة لأن بها يتم العمل أ لم يسمع هذا القائل قول الشاعرتود عدوي ثم تزعم أنني صديقك إن الرأي عنك لعازب(21/10)


فمودة العدو خروج عن ولاية الولي و إذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى و عصاته بألا يودهم و لا يبرأ منهم بإجماع المسلمين على نفي هذه الواسطة. و أما قوله لو جعل عوض اللعنة أستغفر الله لكان خيرا له فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره و لا قبل منه لأنه يكون عاصيا لله تعالى مخالفا أمره في إمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البراءة منه و إظهار البراءة و المصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته و استغفاره عن البعض الآخر و أما من يعيش عمره و لا يلعن إبليس فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر و إن كان يعتقد وجوب لعنه و لا يلعنه فهو مخطئ على أن الفرق بينه و بين ترك لعنة رءوس الضلال في هذه الأمة كمعاوية و المغيرة و أمثالهما أن أحدا من المسلمين لا يورث عنده الإمساك عن لعن إبليس شبهه في أمر إبليس و الإمساك عن لعن هؤلاء و أضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم و تجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب فلهذا لم يكن الإمساك عن لعن إبليس نظيرا للإمساك عن أمر هؤلاء. قال ثم يقال للمخالفين أ رأيتم لو قال قائل قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية و الحجاج بن يوسف فليس ينبغي أن نخوض في قصتهما و لا أن نلعنهما و نعاديهما و نبرأ منهما هل كان هذا إلا كقولكم قد غاب عنا أمر معاوية و المغيرة بن شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 16شعبة و أضرابهما فليس لخوضنا في قصتهم معنى. و بعد فكيف أدخلتم أيها العامة و الحشوية وهل الحديث أنفسكم في أمر عثمان و خضتم فيه و قد غاب عنكم و برئتم من قتلته و لعنتموهم و كيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق في محمد ابنه فإنكم لعنتموه و فسقتموه و لا حفظتم عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور و منعتمونا أن نخوض و ندخل أنفسنا في أمر علي و الحسن و الحسين و معاوية الظالم له و لهما المتغلب على حقه و حقوقهما و كيف(21/11)


صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم و لعن ظالم علي و الحسن و الحسين تكلفا و كيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة و برئت ممن نظر إليها و من القائل لها يا حميراء أو إنما هي حميراء و لعنته بكشفه سترها و منعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة و ما جرى لها بعد وفاة أبيها. فإن قلتم إن بيت فاطمة إنما دخل و سترها إنما كشف حفظا لنظام الإسلام و كيلا ينتشر الأمر و يخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة و لزوم الجماعة. قيل لكم و كذلك ستر عائشة إنما كشف و هودجها إنما هتك لأنها نشرت حبل الطاعة و شقت عصا المسلمين و أراقت دماء المسلمين من قبل وصول علي بن أبي طالب ع إلى البصرة و جرى لها مع عثمان بن حنيف و حكيم بن جبلة و من كان معهما من المسلمين الصالحين من القتل و سفك الدماء ما تنطق به كتب التواريخ و السير فإذا جاز دخول بيت فاطمة لأمر لم يقع بعد جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع و تحقق فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد في النار(21/12)


شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 17و البراءة من فاعله و من أوكد عرى الإيمان و صار كشف بيت فاطمة و الدخول عليها منزلها و جمع حطب ببابها و تهددها بالتحريق من أوكد عرى الدين و أثبت دعائم الإسلام و مما أعز الله به المسلمين و أطفأ به نار الفتنة و الحرمتان واحدة و ستران واحد و ما نحب أن نقول لكم أن حرمة فاطمة أعظم و مكانها أرفع و صيانتها لأجل رسول الله ص أولى فإنها بضعة منه و جزء من لحمه و دمه و ليست كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها و بين الزوج و إنما هي وصلة مستعارة و عقد يجري مجرى إجارة المنفعة و كما يملك رق الأمة بالبيع و الشراء و لهذا قال الفرضيون أسباب التوارث ثلاثة سبب و نسب و ولاء فالنسب القرابة و السبب النكاح و الولاء ولاء العتق فجعلوا النكاح خارجا عن النسب و لو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الأقسام الثلاثة قسمين. و كيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة و قد أجمع المسلمون كلهم من يحبها و من لا يحبها منهم أنها سيدة نساء العالمين. قال و كيف يلزمنا اليوم حفظ رسول الله ص في زوجته و حفظ أم حبيبة في أخيها و لم تلزم الصحابة أنفسها حفظ رسول الله ص في أهل بيته و لا ألزمت الصحابة أنفسها حفظ رسول الله ص في صهره و ابن عمه ابن عفان و قد قتلوهم و لعنوهم و لقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان و هو خليفة منهم عائشة كانت تقول اقتلوا نعثلا لعن الله نعثلا و منهم عبد الله بن مسعود و قد لعن معاوية علي بن أبي طالب و ابنيه حسنا و حسينا و هم أحياء يرزقون بالعراق و هو يلعنهم بالشام على المنابر و يقنت عليهم في الصلوات و قد لعن أبو بكر و عمر سعد بن عبادة و هو حي و برءا منه و أخرجاه من المدينة إلى الشام و لعن عمر شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 18خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة و ما زال اللعن فاشيا في المسلمين إذا عرفوا من الإنسان معصية تقي اللعن و البراءة. قال و لو كان هذا أمرا معتبرا و هو أن يحفظ زيد(21/13)

11 / 69
ع
En
A+
A-