أصحابنا غير متفقين على السكوت على المغيرة بل أكثر البغداديين يفسقونه و يقولون فيه ما يقال في الفاسق و لما جاء عروة بن مسعود الثقفي إلى رسول الله ص عام الحديبية نظر إليه قائما على رأس رسول الله ص مقلدا سيفا فقيل من هذا قيل ابن أخيك المغيرة قال و أنت هاهنا يا غدر و الله إني إلى الآن ما غسلت سوءتك. و كان إسلام المغيرة من غير اعتقاد صحيح و لا إنابة و نية جميلة كان قد صحب قوما في بعض الطرق فاستغفلهم و هم نيام فقتلهم و أخذ أموالهم و هرب خوفا أن يلحق فيقتل أو يؤخذ ما فاز به من أموالهم فقدم المدينة فأظهر الإسلام و كان رسول الله شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 9ص لا يرد على أحد إسلامه أسلم عن علة أو عن إخلاص فامتنع بالإسلام و اعتصم و حمي جانبه. ذكر حديثه أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب الأغاني قال كان المغيرة يحدث حديث إسلامه قال خرجت مع قوم من بني مالك و نحن ى دين الجاهلية إلى المقوقس ملك مصر فدخلنا إلى الإسكندرية و أهدينا للملك هدايا كانت معنا فكنت أهون أصحابي عليه و قبض هدايا القوم و أمر لهم بجوائز و فضل بعضهم على بعض و قصر بي فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له و خرجنا فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم و هم مسرورون و لم يعرض أحد منهم علي مواساة فلما خرجوا حملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها فأشرب معهم و نفسي تأبى أن تدعني معهم و قلت ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا و ما حباهم به الملك و يخبرون قومي بتقصيره بي و ازدرائه إياي فأجمعت على قتلهم فقلت إني أجد صداعا فوضعوا شرابهم و دعوني فقلت رأسي يصدع و لكن اجلسوا فأسقيكم فلم ينكروا من أمري شيئا فجلست أسقيهم و أشرب القدح بعد القدح فلما دبت الكأس فيهم اشتهوا الشراب فجعلت أصرف لهم و أترع الكأس فيشربون و لا يدرون فأهمدتهم الخمر حتى ناموا ما يعقلون فوثبت إليهم فقتلتهم جميعا و أخذت جميع ما كان معهم. و قدمت المدينة فوجدت النبي ص بالمسجد و عنده(21/4)
أبو بكر و كان بي عارفا فلما رآني قال ابن أخي عروة قلت نعم قد جئت أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فقال رسول الله ص الحمد لله فقال أبو بكر من مصر أقبلت قلت نعم قال فما فعل المالكيون الذين كانوا معك قلت كان
شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 10بيني و بينهم بعض ما يكون بين العرب و نحن على دين الشرك فقتلتهم و أخذت أسلابهم و جئت بها إلى رسول الله ص ليخمسها و يرى فيها رأيه فإنها غنيمة من المشركين فقال رسول الله أما إسلامك فقد قبلته و لا نأخذ من أموالهم شيئا و لا نخمسهلأن هذا غدر و الغدر لا خير فيه فأخذني ما قرب و ما بعد فقلت يا رسول الله إنما قتلتهم و أنا على دين قومي ثم أسلمت حين دخلت إليك الساعة فقال ع الإسلام يجب ما قبله قال و كان قتل منهم ثلاثة عشر إنسانا و احتوى ما معهم فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف فتداعوا للقتال ثم اصطلحوا على أن حمل عمي عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. قال فذلك معنى قول عروة يوم الحديبية يا غدر أنا إلى الأمس أغسل سوءتك فلا أستطيع أن أغسلها فلهذا قال أصحابنا البغداديون من كان إسلامه على هذا الوجه و كانت خاتمته ما قد تواتر الخبر به من لعن علي ع على المنابر إلى أن مات على هذا الفعل و كان المتوسط من عمره الفسق و الفجور و إعطاء البطن و الفرج سؤالهما و ممالأة الفاسقين و صرف الوقت إلى غير طاعة الله كيف نتولاه و أي عذر لنا في الإمساك عنه و ألا نكشف للناس فسقه
إيراد كلام لأبي المعالي الجويني في أمر الصحابة و الرد عليه(21/5)
و حضرت عند النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى عشرة و ستمائة ببغداد و عنده جماعة و أحدهم يقرأ في الأغاني لأبي الفرج فمر ذكر المغيرة بن شعبة و خاض القوم فذمه بعضهم و أثنى عليه بعضهم و أمسك عنه آخرون فقال شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 11بعضقهاء الشيعة ممن كان يشتغل بطرف من علم الكلام على رأي الأشعري الواجب الكف و الإمساك عن الصحابة و عما شجر بينهم فقد قال أبو المعالي الجويني إن رسول الله ص نهى عن ذلك و
قال إياكم و ما شجر بين صحابتي
و قال دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه
و قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم
و قال خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم الذي يليه
و قد ورد في القرآن الثناء على الصحابة و على التابعين و
قال رسول الله ص و ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم(21/6)
و قد روي عن الحسن البصري أنه ذكر عنده الجمل و صفين فقال تلك دماء طهر الله منها أسيافنا فلا نلطخ بها ألسنتنا. ثم إن تلك الأحوال قد غابت عنا و بعدت أخبارها على حقائقها فلا يليق بنا أن نخوض فيها و لو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب أن يحفظ رسول الله ص فيه و من المروءة أن يحفظ رسول الله ص في عائشة زوجته و في الزبير ابن عمته و في طلحة الذي وقاه بيده ثم ما الذي ألزمنا و أوجب علينا أن نلعن أحدا من المسلمين أو نبرأ منه و أي ثواب في اللعنة و البراءة إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف لم لم تلعن بل قد يقول له لم لعنت و لو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا و لا آثما و إذا جعل الإنسان عوض اللعنة أستغفر الله كان خيرا له ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة و أولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة و قادتها و نحن اليوم في طبقة سافلة جدا عنهم فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم أ ليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق أمور الملك و أحواله و شئونه التي تجري بينه و بين أهله و بني عمه و نسائه و سراريه و قد كان شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 12رسول الله ص صهرا لمعاوية و أخته أم حبيبة تحته فالأدب أن تحفظ أم حبيبة و هيم المؤمنين في أخيها. و كيف يجوز أن يلعن من جعل الله تعالى بينه و بين رسوله مودة أ ليس المفسرون كلهم قالوا هذه الآية أنزلت في أبي سفيان و آله و هي قوله تعالى عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً فكان ذلك مصاهرة رسول الله ص أبا سفيان و تزويجه ابنته على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم و المشاجرة لم يثبت و ما كان القوم إلا كبني أم واحدة و لم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط و لا وقع بينهم اختلاف و لا نزاع. فقال أبو جعفر رحمه الله قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاما وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضا و ردا على أبي(21/7)
المعالي الجويني فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي و أنا أخرجه إليكم لأستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه فإني أجد ألما يمنعني من الإطالة في الحديث لا سيما إذا خرج مخرج الجدل و مقاومة الخصوم ثم أخرج من بين كتبه كراسا قرأناه في ذلك المجلس و استحسنه الحاضرون و أنا أذكر هاهنا خلاصته. قال لو لا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه كما أوجب موالاة أوليائه و ضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها أو صح الخبر عنها بقوله سبحانه لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ و بقوله تعالى وَ لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ النَّبِيِّ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ و بقوله سبحانه لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً شرح نهج البلاغة ج : 20 ص : 13غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْو لإجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه و ولاية أوليائه و على أن البغض في الله واجب و الحب في الله واجب لما تعرضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين و لا البراءة منه و لكانت عداوتنا للقوم تكلفا و لو ظننا أن الله عز و جل يعذرنا إذا قلنا يا رب غاب أمرهم عنا فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى لاعتمدنا على هذا العذر و واليناهم و لكنا نخاف أن يقول سبحانه لنا إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم فلم يغب عن قلوبكم و أسماعكم قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي ص و موالاة من صدقه و معاداة من عصاه و جحده و أمرتم بتدبر القرآن و ما جاء به الرسول فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها و أوجبها أ لا ترى إلى قوله أُولئِكَ(21/8)